مايا الخوري

الشعراء... حين يتكلمون عن الحب

14 شباط 2020

10 : 39

نمضي العمر ضجراً نبحث عن نصفنا الحيّ، فإذا اكتمل القلب، إتّزن النبض. هكذا هو الحب، ندور في مداره دون كلل وملل. نفرح لعذابه، نتباهى بلوعته ونغرف منه قصائدنا. هكذا هو الحب، نصطبر على مشاغباته نثور ونهدأ وكلّما أقسمنا اعتزاله عاد قلبنا إليه طواعية. أوَمَنْ أصدق من الشاعر حين يحكي مفاهيم الحبّ ويحاكي الحبيب؟



الشاعر شوقي بزيع

لا يحتاج الحب إلى نُصب زمنية تذكارية ليؤكد حضوره، فهو مدسوس في العلاقات بين الإنسان ونفسه، وبينه وبين الآخر، ومع الطبيعة والوجود. وبعيداً عن الجانب الإستهلاكي من عيد الحب الذي تحوّل إلى مناسبة لتسويق السلع والمنتوجات، وللبيع والشراء شأن كل شيء، وخلافاً للذين يدّعون أن منسوب الحب يتناقص في العالم وأننا بحاجة إلى عيد لتذكير العالم به. لا ينقص الحب على الإطلاق بل يتخذ أشكالاً أخرى مختلفة تتوافق مع طبيعة الحياة المعاصرة.

فكما شهدنا في أزمنة سابقة، أكثر من شهيد للحب وشهيدة، كما هو شأن روميو وجوليات، وقيس وليلى، وجميل وبثينة. هناك العشرات من اللواتي والذين يقضون على مذبح هذه العاطفة الإنسانية العالية، نقرأ عنهم في الصحف ووسائل الإعلام. فخفقة القلب التي كنا نشعر بها عندما تصلنا رسالة عبر البريد من شخص نحب، هي ذاتها التي تحصل لنا عندما نفتح الفيسبوك أو الواتساب أو سائر وسائل التواصل.

تتغير مظاهر الحب ويتخذ اشكالاً مختلفة لكنه بالنسبة لنا هواء نتنفسه وفضاء نحلّق في داخله وحاجة لا بدّ منه.

على الصعيد الشخصي، كإنسان وشاعر ما عشت خارج هذه الحالة، فلم أكتب حرفاً واحداً من دون أن يكون هناك طيف امرأة خلفه، لم أكتب قصيدة حب من دون أن أحبّ بالفعل، لم أكتب عن امرأة متخيّلة بل نساء عشن في الواقع. كنت أذهب بهنّ إلى عوالم أخرى وأكسوهنّ لحماً وجلداً مختلفاً عمّا هو مألوف، ولكن لا بد من وجود المرأة المحسوسة في الحياة.

أنا من الذين شكّلت لهم المرأة حافزاً ودافعاً ليس للكتابة الشعرية فحسب، بل للإستمرار في الحياة. أدعم رأي إبن العربي الذي يقول إن "كلّ ما لا يؤنث لا يعوّل عليه" لذلك أنتمي ليس للمرأة التي أحبّها فحسب، بل إلى الأنوثة كحيّز وفضاء وحساسية معيّنة وأعتقد أن الجانب الأنثوي في الشعراء الذكور هو الذي يقف وراء كتاباتهم، ومن دونه ستصبح الكتابة حذلقة لفظية، هو الذي يعطينا هذا الدفء من المشاعر ويليّن اللغة ويجعلها قابلة للحياة. هذا الشعور لا يتركه المرء مع التقدم في السنّ، أعتقد أنه يلاحقنا حتى النهاية، وقلت ذات يوم بأنني أخاف من الموت إذا كان مذكّراً فقط، لذلك سأعانده ما استطعت ولن أستسلم إلا لأنوثة الموت.





الشاعر والصحافي حبيب يونس

المرأة أجمل ما خلق الجمال، أي الله.

حين أراد الله إظهار وجهه الخير، خلق الأرض.

وحين أراد أن يظهر جماله والخير معاً، كانت عشتار.

وحين أراد أن يتجسد إنساناً، اختار امرأة، ورحمها، السيدة العذراء.

وهذه العذراء هي التي سرعت زمن إعلان ألوهيته، في عرس قانا الجليل.

وحين بشر الخليقة، كان من خلال امرأة هي المجدلية.

الله هو الخير والجمال.

والمرأة، هي في قاموس الشعراء، الغزل.

وعليه، الغزل هو ثلثا الحضارة، على ما علمني سعيد عقل.

وأضفت أنا أن الحضارة امرأة.

أحب يعني أن أكون نبع خير وجمال، متجسدين بامرأة.





الشاعر والناقد الصحافي عبدو وازن

يصعب تصور حياة لا يتوجها حب، حياة لا تكون غايتها هي الحب، وأقصد هنا الحب بين رجل وامرأة وليس الحب في مفهومه المطلق. هو جوهر الحياة وسرها ونارها الدائمة الإحتراق. لن أعتمد مقولة فرويد حول الايروس بوصفه الحافز على الوجود الإنساني، إنني أتحدث عن الحب كتجربة تجمع بين الجسدي والروحي، بين الرغبة أو اللذة والارتقاء. الحب إما أن يكون، رغبوياً أو لا يكون. حتى ما كان يسمى بالحب العذري، هو حب رغبوي قائم على شهوة البعاد، شهوة التخيل، وهي أشد الرغبات اضطراماً لكونها تتحول إلى ما يسمى فانتسما أو حلم يقظة يرافق صاحبه دوماً. عندما يتوقف الإنسان عن الحب تحدث في داخله قطيعة مع الحياة. هذا رأي شخصي. وبعض الأشخاص يكتسب الحب عندهم تجلياً آخر أو صورة أخرى. حتى الذين ينقطعون عن ملذات الجسد يكتشفون لذة في هذا الإنقطاع ولا يكفون عن الإحتفال بهذا الجسد والهيمنة على نوازعه الداخلية. وفي رأيي أن لحظة الحب القصوى تتمثل في لحظة. النشوة الجسدية التي هي أرقى لحظات الإرتقاء الروحي. انها اللحظة القصوى التي يتساوى فيها الحضور والغياب، الشبق والبراءة، الدنس والنقاء.





الكاتب والشاعر جوزف عيساوي

عيد العشّاق استثمار تجاريّ في السوق لا يعنيني. كذلك هو الحبّ ببعده الايديولوجي دينياً كان أو دنيوياً. الحبّ، يقول أحدهم، حيلة الغريزة لتكاثر النوع عبر الأفراد. مع ذلك يمنح هذا الشعور المزلزل من الأبدية امتدادها، عبر التثبيت على الشركاء والشريكات الجنسيين/العاطفيين. وعبر الوهم الصاعق بالاتحاد واقتلاع عبثيّة الوجود ورتابة الوقت وتبلّد المشاعر. هذا التثبيت على المعشوق الــذي ينتهي تدريجـــاً أو فجأةً، بصقيعيـة قبر أو غلوّ صدمة لا تُبقي في العاشق أو تذر. اختلفت مكانة الحب في حياتي بحسب المراحل والظرف والحاجة. كانت الصداقة رديفاً حيناً وبديلاً حيناً. كان الجنس العابر حلّاً حيناً ولكن غالباً عذريّة الحب نشاطاً تهويميّاً رافقته كتابة الشعر والمطالعة وارتياد معارض الفن التشكيلي والمسرح. الحبّ هو في فهم فرويد الهالة التي نرسمها حول الجنس بل حول «الليبيدو» التي هي «طاقة الحياة» نصرّفها بالجنس أو نتسامى بها لنحصد القصائد والابداع: تأليفاً وتذوّقاً وذواباناً في الواقع وقُربه وفوقه.





الشاعر والإعلامي زاهي وهبي

عيدٌ للحب، أيحتاج الحُبّ عيداً؟ ألا يُفترَض أن كلَّ يوم هو عيدٌ للحُبّ، بل كل ساعة وكل لحظة، كل شهيق وزفير، كلما تعانق عاشقان، ذرفَ مشتاقٌ دمعة وَلَهٍ، كتبَ شاعر قصيدة، عزفَ موسيقيٌّ لحنَ اشتياقٍ وحنين، انتظرتْ امرأة على ناصية الحلم، طلعتْ شمس على حبيبين نسيا إسدال الستائر، نبتت وردة في أصص شرفة، وحنَّ نايٌّ الى أصله القصب.

بلى، في هذه الحياة كثير من الحُبّ. لولا الحُبّ لما كانت الحياة ممكنة أصلاً، يكفي حُبُّ الأمهات لأبنهائن لِيفيضَ الكون، لكن ما يطفو على السطح وما يلقى كثيراً من الحفاوة والاستقبال هو الكره، نقول بكل آسف. وهذا ما يجعلني أكثر إصراراً على التبشير بالحُب وإعلاء شأنه، والاحتفاء بعيده، متمنياً أن يكون كل يوم عيداً للحب وللأحبة. ولا غلُوَ أو مغالاة في قولي أن كلَّ جغرافيا لا تتسع للعشّاق والحالمين ليست وطناً، الوطن مساحة لقاء وتلاقٍ بين مجموعات بشرية اختارت مساحة جغرافية بالولادة أو بالارادة لتعيش معاً تحت راية واحدة ونشيد واحد، فكيف لا تتسع تلك المساحة لعاشقين أو لحبيبين؟ وكيف تضيق بفتى مسرعٍ الى لقائه العاطفي الأول أو بوردة حمراء في واجهة محل لبيع الورود؟ الحُبّ فطرة إنسانية وغريزة بشرية لا يحول دونها منع ولا قمع ولا حواجز أو جدران، ولنا في قصص العشّاق براهين وأمثلة، كيف لم تفلح القبيلة والعشيرة ولا الأعراف أو القوانين في الحيلولة بينهم وبين قلوبهم حتى لو كلفهم الأمر أرواحهم أو ذهب بعقولهم.

في تاريخ العرب حكايات حُبٍّ خالدة وقصص عشق تواترت عبر السنين وقصائد رائعة مجّدت الوجد والهيام، ومجانين هاموا وتاهوا عشقاً ورغبةً بالوصال، لذا الحريّ بِنَا أن نكون طليعةَ المبشِّرين بالحُبِّ ورافعي رايته والمنتصرين له وبه.وسأظلّ أردد:

أُحِبُّ الحُبَّ

حتى لو سَفَكَ أشواقي على الملأ

وَسَّعَ القفارَ وضاعَفَ المجانين

كأنني قيسٌ يرتدي حلةً معاصرة

ليلاي ترقصُ على شفير الروح.

ثمة صداعٌ نصفيٌّ في القلب

وجعٌ مباغتٌ بين الكتفين

لا تداويه قُبلةٌ ولا لمسةٌ سرّية في نهارٍ وَقِحٍ

يشفيه اتحادٌ مستحيلٌ

حلولُ روحَيْن بدناً

أو روحٌ واحدةٌ في جسدين.




الشاعرة والإعلامية ماجدة داغر

قيل يوماً، إذا كنت لا تتذكّره، فإنّ ذلك لم يحدث.

ويحدث أن ينسى المُحِبّ حبيبه إلى حدّ أنه ينسى ملامحه، وينسى معه حدثاً عظيماً غيّر يوماً ملامح حياته. النهاية هي قدر كلّ زائل، وكل شيء ينتهي هو وهم.

ذلك يشرح قول أينشتاين: «الجاذبية لا تتحمّل مسؤولية من يقعون في الحب»، لأن العاشقين يعيشون انعدام الجاذبية وبالتالي انعدام الشعور بكل محيط بهم، حتّى الإنفصال والغيبوبة.

« الحب لا يمكن تفسيره فهو يفسّر كل شيء» قال مولانا جلال الدين الرومي، قبل أن تتغيّر مفاهيم عظيمة بتغيّر العالم، بما فيها الحب والمشاعر الإنسانية الصادقة، التي طالتها العولمة والرقمنة وتَشْييء اللامحسوس، فباتت مستهلكة معلّبة، لا روح فيها ولا معنى حقيقياً لها، باستثناء ما بقي من ذاكرة بعيدة للحنين.

نُحب، يصغر الكون بحجم وردة.

نُحب، نمشي أعلى من التراب بزنبقة.

نُحب، نعيد تشكيل ما صنعته الأقدار.

نكبُر، تكبر الوردة والكون يتمادى في الصِغر. نبحث عن ظلّنا، عن شمسنا، عن شرفةٍ نُطلّ منها على عمرٍ وحيدٍ إلا من الندوب.

نحب، وهماً نصير،

نحب لكي نبتكر حياةً للحياة.




الشاعرة والكاتبة ندى الحاج

الحب كلمةٌ صغيرةٌ لمجرّاتٍ كثيرة ظاهرة وخفية، تبدأ بنقطة ولا تنتهي مع انتهاء الكون، إذاً لا بدَّ من نهاية.

الحب هو السرُّ الأعظمُ الذي قذفَنا من العدم إلى الحياة، وحوْلهُ ندور وندور في رقصة الدراويش، قبْل الانخطاف والذوبان في الحب الأكبر.

لا أفصلُ بيني وبينه ولا أتنفسُ إلا من عبيره ورؤاه.

وسأشهدُ له بما كتبتُه في مقدمة كتابي الشعري الجديد «عابرُ الدهشة»:

الحبُ الشافي يصعقُنا كاشِفاً ملتمِعاً،

ذاك الزائرُ المجهولُ العارفُ المستَنير،

الذاتُ المتمدِّدةُ حتى أطرافِ الكون، المستكشِفةُ آبارَ الحيواتِ المتعاقِبة.

الحبُ الجارفُ المتعاظِمُ المتكاثِرُ المتوالِدُ من البروقِ والرعود،الشاردُ في البراري، الصاحي المتغلغِلُ المتفلِّتُ المجذوبُ الآتي والطائرُ،

المباغِتُ المجدِّدُ المطهِّرُ، سابقٌ للرؤى، عابثٌ في الهواء، ساجدٌ في القلب، آمِنٌ حتى آخرِ نفَس.

كياني مؤتمَنٌ على الحبِ من قبلِ أن أولدَ ومن قبلِ أن أتكوَّنَ في الحَشا.

أُحبُ الحبَ فوق الحياةِ وما بَعدها...

شعلةُ الحياةِ المقدَّسة، شعلةُ الأبدية، غبطةُ اللحظةِ الحاضرة والآتية.

الخفَقانُ والشوق، ذاك الحضورُ في الغياب،

تلك اللهفةُ تفجِّرُ فيكَ ينابيعَ مياهٍ حيّة،

تقيمُكَ من موتكَ وتضيئُكَ بكواكبَ لمْ ترَها عين.

هذا هو الحب الذي أسعى إليه ويشعُّ من قلبي في صمت الخشوع ودفق الحياة. منه ولهُ تتكوّنُ كلماتي وترتسمُ آفاقي ودروبي. فهو إسرائي ومعراجي ولا أفهم الحياة خارجه.

تلك هي المغامرة الشاهقة التي من خلالها أرى الوجود وأعيشه.

وكما كتبتُ في إحدى قصائد كتابي «أثوابُ العشق»:

أنا ما أرى

أحتفلُ بما لا يُرى ولا يختفي

أنا ما أرى

وأرتجي ما لا يُرى وأُصغي.












MISS 3