منصور بطيش

مُقارَبة في اختيارِ الشُعـوبِ حُكَّامَها

المشكلة أولاً وأخيراً في السلطة وكيفية تكوينها

20 شباط 2023

02 : 00

هنا مكمن الداء اللبناني ودوائه!

*لا تتوقعوا إصلاحات إقتصادية وبنيوية من أوليغارشيات لا مصلحة لها بالإصلاح

*لماذا لم يحاسب اللبنانيون في صناديق الإقتراع من بدّد جنى أعمارهم جهلاً أو تآمراً؟

*يتجاوزون اختلافاتهم ليتفاهموا على المصالح وينتهكون مبادئ المساءلة والمحاسبة

*في تمويل الأحزاب فساد وهدر لموارد الدولة... إضافة لتمويل خارجي ينتهك السيادة

*خيارات الناخبين تنعكس على محددات نمو الإقتصاد ومدى توازنِه قطاعياً ومناطقياً



في غمرة الصراع العقيم الدائر بين السياسيين في لبنان حول مختلِف المواضيع، ووسط عجزهم المتمادي عن استنباط حلول ناجعة للأزمات المتراكمة والمتناسلة التي أوصلتنا إلى الانهـيار الكبير، يصبح السؤال ملحاً ومشروعاً حول كيفـيَّة اختيار الشعوب حُكَّامها.

أسئلة كثيرة... كل واحد منها قضية لنقاش عميق

أين العَطَب؟ في المسـؤولين والحكَّام الذين يترُكون البلد وأهله ومستقبله للانهيار من دون أنْ يُقلِقَهم ضمير أو تُخيفُهُم آخِرة، أم في الناس المَهزومين الخانعين؟

لقد قيل: «كما تكونون، يُوَلَّى عـليكم»، في حين يعتبر ابنُ خَلْدون «أنَّ الناس عـلى دِين ملـوكهم». فأيهما أدق؟

هل الناس أتباعٌ لحكَّامهم ينحازون دوماً إليهم، أكانوا تحت مُسمَّى سلاطين أو ملوك أو رؤَساء أو زعماء أحزاب؟

وهل هم بالتالي ينقادون، من دون تفكيرٍ وتدقيق ومساءلة في المواقف والخَيارات الكبرى؟

وهل من مقـياسٍ لنحدِّد من خلاله ما يستند إليه الناس في اختيار مسؤوليهم؟ أيّ تأثيرٍ للعقل والمنطق والمصلحة وَالرويَّة والطموح في خيارهم؟

أيُّ نسبة تحتلُّها الغرائز، عـلى تنوُّعها الطائفي والمناطقي، وُصولاً إلـى صراع العائلات وإلى أحقادٍ موروثة؟

هذه الأسئلة تستتبع حكماً أسئلة من نوع:

هل يُدرك الناس حقوقَهم؟

هل يعرفون السلطة الممنوحةَ لهم بالمساءَلة والمحاسبة، ومدى قوَّتها وسطوتها؟

هل يقدِّرون فعلاً ما يمكن لصوتهم في صناديق الاقـتراع تحقـيقه؟

وَهل يعرِفون المسؤوليَّةَ الملقاةَ على عاتقهم في اختيار من سيولَونه إدارة شؤونهم وشؤون الأجيال الآتية لمجرَّد إسقاطهم ورقةً في صندوق الاقتراع.

أظنُّ أنَّ الاستشهاد بالمفكّر الفرنسي «أوجين شاتلان» مُفيد في هذا المجال لدقة مدلولات كلامه هو القائل: «في السياسة، كلّ خطأٍ جريمة «.

الأجوبة تتشعب في السياسة والإقتصاد والإجتماع

أسئلةٌ كثيرة تطرح في هذا السياقِ، والجواب عن الإشكاليَّة يتشعَّب في السياسة والاقتصاد والاجتماع. لكنَّ ثنائيَّتَين هما مِفتاح كل جواب: الوعي والحرِّية. هما سلاح الإنسان وبُوصَلَته لاختيارِ المسؤولين.

فكلّ السياسات يُفترض أن توضع في خدمة الناس، وتُسخّر لصالحهم كل الموارِد والطَّاقات. وفي علم الاقتِصاد السياسي، التنمية هي الهدف المنشود.

من بداهة القول، أنَّ السياسة هي الدافع الأوَّل وراء كلّ انتخابٍ، وناظمٌ أساسيٌّ للعلاقات المجتمعيَّة. وكما لا يمكن فصلُ السياسة ودهاليزِها عن الاقتصادِ والاجتماع، لا يجوز السكوت عن فصل هذا المثلَّثِ عن الأخلاقِ وسلَّم القيم. إنَّ اختيار المسؤولين من خلال الانتخابات الدوريَّة في الأنظمة الديمقراطيَّة، هو المدخل لتكوين السلطة وتداولها. فكيف يختار الناس ـ المقـترعون ممثّليهم في الانتخابات، وعلى أيّ أُسس؟

هل يختارون على أساس البرامج التي تطال يوميَّاتِهِم وعيشَهُم بكرامة؟ وهل يُحاسِبون استناداً إلى حُسن تنفيذ هذه البرامج؟

هل الناس، أفراداً وجماعات، يندفعون إلى الثورات مُسّيرين فقط لأهداف ومطالب محقة أم تقودهم الغرائز على تنوع خلفياتها؟؟

حياة الناس والنموذج الأفضل لتطوير معيشتهم

في المجتمعات الغربيَّة، وهي ظاهريّاً الأكثرَ ديـمُقراطيَّةً، يتأثَّر خيار الناس بالبرامج السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والبيئيَّة للأحزاب والقوى السِياسـيَّة، وبإطلالات مرشَّحيهم وشخصيَّاتهم، وبمدى ديماغوجيَّة خِطابهم، وأيضاً بالإعلام الذي تَحوَّل إلى موَجِّه فاعِل في الرأي العام، مِـن دون إغـفال عوامل أُخرى في حالات محدَّدة. فيَدور النقاش حول هموم الناس الحياتيَّة، والـنموذج الأمـثل لتطوير مستوى مَعيشَتهم وتأمين الرفاه والأمن والأمان لكافَّة أبناء المجتَمع. في بعض الأحيان، يختار بعض الناخبين، من يعتبرونه الأقلَّ سوءاً بين المرشَّحين باعتبارِ أنَّ قانون الانتخابات لا يسمح بإيصال مَن يتطلعون إليهم كممثِّلين لتوَجُّهاتهم. وفي حالات أُخرى، يمتَنع أصحابُ الحقّ في الاقتراع، عَـن الإدلاءِ بصوتهم لعدم اقـتناعهم بالمرشَّحين كأشخاص أو ببرامج أحزابهم أو أدائِهم. فهلْ إعلانُ الفائزين وحده يكفي للتأكيد عـلى المزاج الشعـبي؟ أليست نِسَب الاقـتِـراع المتدنية مثلا، مؤَشّراً ملفتاً للإنتباه، بالرُّغم من أنَهّ لا يؤخذ بالاعتبار قانوناً؟



ماذا نورث للأجيال المقبلة غير الأزمات؟


هل دائماً تُحسِن الشعوب اختيارَ مُمثِّليها؟

هل كان فوز أحزاب مُتطرِفة يوماً، في أيّ دولة وزمان، شرقاً أو غرباً، لصالح الشعوب التي انتَخَبتها، واستطراداً لصالح البشريَّة؟

فهَـل كان مثلاً، الاقـتراع للحزب النازي وحلفائه في تمّوز 1932، واستلام هتلر مقاليد السلطة بعد سبعة أشهر في 30 كانون الثاني 1933، لصالح الشعب الألماني، أم أنَّه جلَب المآسي لألمانيا ولأُوروبَّا وللإنسانيَّة؟ وهل كان ذاك الخيار عقلانيَّاً، أم أنَّه جاء كردَّة فعل عـلى إذلال المانيا في معاهدة فرساي لإنهاء الحرب العالميَّة الأُولى؟

وهل يجوز توجيهُ اللَّوم لذَوي المعارف والقدرات المحدودة، فتُستَغَلُّ غرائزُهم ومَوروثاتُهُم الفكريَّة، أو مُعاتَبةُ من يعيشون في الفقر والعوَز ويلهَثون يوميَّاً وراء فُرص إطعام عائلاتهم وتعليم أولادهِم؟

بالتالي، غالباً ما كانت نتائج الانتخابات تؤَشِّر إلى تفاوت دَرجات الوعي والالتزام السياسي والأخلاقي، والثقافة والحُريَّة والـتَحرُّر الفكري والاجتماعي والمادّي عند الناس، أفراداً وجماعات.

في لبنان ... 100 سنة من طلاق بين المكتوب والممارس

في لبنان، ومن خلال مراجعةٍ للمائة عام المنصرمة، لا يبدو الواقع مُبشّراً.

فكيف يختار اللبنانيون مسؤوليهم؟ بالمنطق والعقل أَو بالغريزة والعصبيَّة والمصلحة؟ هل، مثلاً، حاسب اللبنانيُون في صناديق الاقتراع مَن، عَن جَهلٍ أو تآمُرٍ، لم يَحمِ جَنى عُمرهِم؟

للأَسف، إن الاحزاب في لبنان تملك أفكاراً ورؤى على الورق فقط. وَشَتَّانَ ما بين المكتوب والمُمارَس، وبَين الوعودِ والتَنفيذ. والمؤسف، أنَّ أوجُهَ الشَـبَه في طروحات الاحزاب، التي تَتَنافس في بيئَة مُحَدَّدَة، كما في برامجها الانتخابيَّة المَكتوبة، كثيرةٌ!

هذه الأحزاب التي تحملَ شعاراتٍ رنَّانةً فضفاضةً لم تستَطع يوماً مُمارسةَ الديمقراطيَّة حتّى في داخلِها، بَدءَاً من تَداول السلطة، فاستعاضت عنها بتعظيم القائد الزَعيم المُلْهِم.

ديمقراطية توافقية= «لويا جيركا» لبنانية

لذا، بات حزب الجماعة حزباً للزعـيم الشخص، وأمسى نظامُنا هجيناً وكأنَّه نسخَةٌ مُنَقَّحة لنظام الأعـيان، يزاوِجُ بين الديمقراطيَّةِ والزعامةِ الحزبيَّةِ ووُجهاءِ ما يُـسمَّى العائلات أو البُيوتات السياسيَّة المَوروثة.

هكذا، تحوَّلَ نموذجُ الديمقـراطيَّة اللـبنانيَّة إلى « لُويا جيركا لبنانيَّة « مُتسَتِّرةٍ باسم « الديمقـراطيَّة التوافقيَّة « التي ازداد تحت رايتها التعـطيل والتَعصُّب الدِيني واللاتَوافق. فَـتكاثر استعمالُ تعابير تُعلْي الانتِماءَ المذهبي على المواطَنة، وهذا ما يجب أن يصبح من المحظورات فهل يمكن التحدّث بِهذه الفظاظة «اللُبنانيَّة» عَن العِرق واللون والطائفة في الولايات المتَّحدة وأُوروبَّا؟

وبموازاة التناحُرات والمناكفات بين معظم قادةِ الأحزاب، نشْهَدُ تَناغمات وتفاهمات مصلَحيَّة حول مواضيع أساسيَّةٍ بين بعضٍ مِنْ رموز هذه التنظيمات، متجاوزين خِلافاتِ «زعمائِهم»، متجاوزين المبادئَ وشعاراتِ الشحن، غيرَ آبهينَ بأيّ مُساءَلـةٍ أو مُحاسَبة.

كيف تموّل الأحزاب اللبنانية نفسها؟

مِن ناحيةٍ أُخـرى، ونظراً لعدَم وجود قانـونٍ واضحٍ لتمويلِ الأحزاب، كما هي الحال في فرنسا مثلاً، ولأنَّ التمويل الذاتي للأحزاب اللبنانيَّة لا يكفي إلَّا اليَسيرَ من احتياجاتها، فإنَّها تعمَدُ لتغطّيةِ معظَمِ أعبائِها الماليَّة:

أ- إمَّا عن طريق أصحاب مصالح كبرى، يشكِّلون أوليغارشِيَّات، يُقدِّمون «تبرُّعات»، لهذا الحِزب أو الشخص اليوم، ولذاك غداً، فيستمرُّون عمليَّاً بإحكام قبضتِهِم عـلى مفاصل القرار الأساسيَّة تشريعاً وتنفيذاً.

ب- وإمَّا من خلالِ مرَشَّحيـن ميسورِيـن، يتطلَّع العديد منـهم إلى الإقامـة مُـبـاشَـرةً في مواقع السلطة لمزيد من الجاه والنفوذ أو لحماية مصالحهم.

ج- وإمَّا عن طريق رعاية شركات تابعة للدولة، متى كان الوزير أو القَيِّم على الشركة موالياً لجهة الرعاية، فَـ « يَتبرَّع «، من المال العام لإقامة المناسبات والحفلات الخاصَّة بهذا الحزب أو ذاك.

د- وإمَّا مِـنْ دولٍ أجنبيَّة لها مصالح متنوِّعة في البلد، وهذا منتهى اللاسيادة؛ وقد بلغ من اختلال المعايير أنَّ بعض الأحزاب تفاخر بأنَّ معظم تمويلها خارجيّ.

فهل هذه الأموال للأحزاب هي فعلاً مشروعة؟ ألا تُخفي بمصادرهـا فساداً مُـقَـنَّعـاً وحِـمايـةً لأصحـابِ مَـصالِـحَ خـاصَّةٍ أو فِـئَـوِيَّـة؟

ألا تَرهن هذه الأموال توَجّهات الكتل السياسيَّة التي تُساهم بتمويلها، فيصبح الـواهب آمراً ناهياً ويتحوَّل البلد رهينة اولئك الواهبين؟

ألا يُستعمل جزء كبير من هذه الأموال للإعلام الموجَّه وللرشوة؟

فعَن أيِّ حرِّية وأيِّ حُسـن اختيار يمكن أنْ نتحدَّث في هذا المجال؟

وما هو مستوى الديمقراطيَّة في بلد كلبنان تَلْهَث أحزابه وراء المال لتحيا بهكذا فساد، وتُجهض محاولاتِ تداول السلطة في داخلها؟

سؤَالان تجاوب عنهما ممارسات غالبيَّة الأحزاب في لبنان وسلوكيَّاتُها، وقد يفسِّران بعضاً من أعراض تفكّك الدولة. فهل من يسائل ويحاسب؟

ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ أفراداً أو شركات يُموِّلون بِشكل مباشَر مرشَّحين للندوة النيابيَّة من عدَّة مناطق ومن مشارِب سياسيَّة ومذهبيَّة مختلفة، فتتكوَّن كُتلة غير معلنة وغير منظورة، لكنَّها متماسكة بالمصالح المشتركة وممسوكة، تستعمل «على القطعة «، وقد يختلف أعضاؤها في بعض المواقف السياسيَّة لكنَّهم يتَّفقون حتماً لصالح الواهب الـمُمَوِّل.

4 عوامل تحدد خيارات الناخبين اللبنانيين

أمَّـا الناخبون، المفترض أنَّهم أصحاب سلطة القرار، فخياراتهم تخضعُ لمجموعة عواملَ:

1 - نسـبة وعيهِم وتحرّرِهم، أفراداً وجماعاتٍ، من الخطابات الشعبوِيَّة الفارغة. هؤلاء ينجرُّون عن حسن نيَّة وراء «غسل دماغ» يتعاون فـيه بعض الإعلام والسياسيِّين على إغداق وعودٍ، وادِّعاء بطولاتٍ دونكـيشوتيَّة، أو التخويف من الآخر على أنَّه يشكِّل تهديداً، وصولاً إلى خلْق « راجِحٍ ما «، وتكبير حَجمه ومخاطرِه استدراراً للغريزة وما يُسمُّونه «شَـدَّ العصَب». وما أدراكم ما شَـدُّ العصَب ومآسيه في السياسة اللُبنانيَّة؟!

2 - نَزوَة المال، فبعض الناخبينَ ينتظرون الانتخابات وكأنَّها « الموسِمُ « لقبض المال، فيتحجَّجون بأنَّ جميع المرشَّحين يُشبهون بعضَهم أو أنَّ صَوتَهُـم لنْ يقَـدِّم أو يؤَخِّر، أو يقولون «ما فلان ربحان وربحان». وهذا فـساد موروث واستسلام ودُونِيَّة، وجهلُ هَـذا المواطن لمدى تأثـيرِ صوته كفرد.

ومن الناس من تَـكـون رشوته بوظيفة أو خدمة أو مساعدة على مخالفة، ولا يَجِـدون أنَّ ذلك يَحرِمهم إيصال من يمكن أنْ يؤَمن لهم الخدمة العامَّة.

3 - روح التبعيَّة لدى بعـضِ الناخِبين المَفتونين «بالزعـيم»، ورغبة الارتباط بشخصه، للاستفادة منه أو للاستقواءِ به.

4 - تحَكَم عصبِيَّات بِخياراتِ مجموعات من الناخِبين، عائليَّة، مناطقيَّة، مذهبيَّة وطائفيَّة، وَكلُّها في العمق تستندُ إلى الخوفِ من الآخر والرَّغبة في الوقت نفسه بالتغلُّب عليه وأكاد أقول بالقَضاء عـليه. فنحن، وأقولُها بِأَسى، نتغنَّى برساليَّة لبنان وَرسوليَّته، في حين نمارس غالباً محاولات إلغاء الآخر المُختلف، بطرق شتّى.



الحرية تخجل منّا



إفساد الناخب او فساده... إنهيار أخلاقي

للأسف، في معظَم الحالات في لبنان، تتقدَّم الأنا على الـ»نحن». بديهيٌّ القولُ إنَّ قَرار الناخِـبِ هـو بيده، والترابط بين التصرُّف ونتيجته ثابتٌ وأكيد: ففساد الناخب اليوم أو إفساده، سوف يترجم انهياراً أَخلاقِيَّاً، وتخلُّفاً اجتماعيَّاً اقـتصادِيَّاً، اليومَ وغداً وبعد غد. مَـنْ يَرتَشِ اليوم، قد «يستفد آنيَّاً «، لكنَّه خسِر حتماً فرص تطوير مجتمعه وتحسينِ مستوى رفاهيَّته مستقبلاً.

على سبيل المثال، كيف يمكن توَقُّع إقرار إصلاحاتٍ بنيويَّة على يد أوليغارشيَّاتٍ لا مصلحة لها بذلك؟ وكانت قد دفعت في خلالِ الانتخابات النيابيَّة ملايين الدولارات لإنجاح مجموعاتٍ من النوَّاب من عدَّة أطياف ويتموضعون، وَفقَ الظروف، في كتل وتكتُلات سياسيَّة مختلفة، لحماية مصالحهم ليس إلّا. وهنا، لا استثناءَ عندي.

ويبدو جليَّاً أنَّ خياراتِ الناخبين تنعكس على النموّ الاقتصادي الحقيقي المستدام ومدى توازنِه قطاعيَّاً ومناطقيَّاً؛ وخياراتهم المصلحيَّة لا يمكن أن تؤَمِّن ذلك.

6 مقترحات لخيار عقلاني حرّ

هذا في التوصيف. أمَّا في الحلول لمساعدة الناس على الخيار الحر العقلاني الذي ينعكس إيجاباً على المجتمع والبلد فأقترحُ:

1 - إقرار قانون يضع أسس نظام مُـتكاملٍ لتمويل الأحزاب في لبنان، يرتكز على حجم التمثيل، يكون مشابهاً لما يُعمل به في فرنسا، مثلاً. وعليه، يفترض تحريم أيِّ مصدر تمويل للأحزاب خارج إطار القانون، وتَجريمُ أيِّ حزب مخالف.

2 - تَعـديلُ قانونِ الانتِخاباتِ النيابيَّة، ليس للعودة إلى مشاريعَ هيمنةٍ أو طغيانٍ، بل للسيرِ قدُماً باتّجاه الدولة المدنيَّة بكامل مندرجاتها، لخلقِ مناخ المفاضلَة بين برامجِ الأفـرِقاء السياسيِّين ومحاسبتِهِم على مدى التزامهم بِتنفيذها، عِوَض أن تدورَ رَحى المعرِكة الانتخابيَّة على الصوت التفضيلي، وغالباً بين الزملاء في اللائحة الواحدة.

فَإلى ماذا أوصَلنا القانون الحالي؟ هَـلْ حَسَّـن في نوعيَّة الاختيارِ فازداد عدد النوَّاب المُشرِّعـيـن والاقتصادِيِّين؟ أم تَكاثَر عدد التبَعِيِّين من جهة، ورجال المصالحِ من جهة أُخرى؟

هل يمكن القول بأنَّ الرشوة لم تزدَدْ وتحديداً لصالحِ الصوت التفضيلي؟

3 - إعطاء التثقيف السِياسي لدى الأحزاب والتيَّاراتِ السياسيَّة، مضموناً فكرِيَّاً في السياسة والاقتصاد والاجتماع يحترم سُلَّم القِيم ويعيد الإعتبار لعقلنة الخطاب بعيداً عن الغرائز والسباب والتخوين.

4 - إعادة التركيز على القطاع التربوي والتعليمي، فَتدخل من ضمن المناهج، تربية النَّشْء على الحرِّية والحسّ النقدي وأهمّية الانخراط في الشأن العام، وعلى مبدأ المساءَلة والمُحاسبة.

5 - العمل على استنهاضِ الاقتصاد ووضعه على خارطة النموّ الحقيقي، المستدام، والمتوازن قطاعيَّاً ومناطقيَّاً. حينذاك، وبقدر ما يتحسَّن وَضع الناس المادّي ويزداد الرخاء والرفاه، وتتقلَّص هوَّة اللامساواة في المُجتمع، يرتفع منسوب التحرُّر وتتراجع نسبة التبعيَّة. ففي كلّ المجتمعات وكلّ الأزمنة، تتركَّز هموم المهمَّشين وأصحاب الدخل المحدود على تأمين لقمة العيش.

6 - تَحرير المرأة اقـتصاديَّاً من خلال المساواةِ التامَّة في فرص العمل وظروفه وشروطه. كذلك، تحفيزها للانخراط في الأنشطة السياسيَّة بشكل أفعل، ليس فقط في الترشّح، إنَّما في المبادرة والمشاركة في طرح الحلول للأزمات السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والأخلاقيَّة. فالمرأة هي نصف طاقة المجتمع ولا يجوز مطلقاً أن يبقى دورُها صُوَريَّاً في ما يختصّ بالشأن العام، وبقَدر ما يُـفَعَّـل دَورها في هذا الإطار، يكون المجتمع حَيَّاً حرَّاً متطوِّراً.

(*) وزير سابق


MISS 3