طوني عطية

الانتخابات البلدية والاختيارية ٢٠٢٣

الإنتخابات البلدية بين "وعد" الداخليّة و"كمّون" البرلمان

21 شباط 2023

01 : 59

قصر بلدية بيروت (فضل عيتاني)

رغم إصرار وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسّام مولوي على إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في موعدها المقرّر خلال أيار المُقبل، تُعاكس المؤشّرات المحليّة نوايا الداخليّة. إذ لا بوادر إيجابيّة حتّى الآن. ماكينات الأحزاب مُفرملة أو في أحسن الأحوال ليست على أهبّة الإستعداد. زواريب القرى والمدن خالية من «تخييط» التحالفات وحركة العائلات وتجاذباتها وفتح دفاتر بعضها العتيقة قبل كل انتخابات. الجهات والمنظّمات الدولية والمانحة صائمة حتى الآن. حركة السفراء غائبة عن المشهد البلدي على عكس صولاتهم وجولاتهم قُبيل الإنتخابات النيابية الأخيرة. وحدهما لا يهدآن، المُنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان النشيطة يوانا فرونتسكا، التي تجول على المسؤولين بشكل شبه يوميّ وقد اطّلعت من مولوي على تحضيرات الوزارة. والدولار الذي يواصل اهتزازه وارتداداته على أسعار السلع والمحروقات وجيوب الناس، ما يشكّل عائقاً إضافياً أمام قدرة اللبنانيين على المشاركة في الإنتخابات (إن حصلت)، نظراً لكلفتها الباهظة عليهم.

أكثر من 1044 بلدية لبنانية منها 104 منحلّة و21 مستحدثة، تنتظر مصيرها المتأرجح بين التأجيل أو التمديد أو حلّ مجالسها. أي سيناريوات هي الأقرب إلى الواقع؟ ما أجواء القوى السياسية؟ وهل هناك عوائق دستورية وتشريعية تحول دون إجرائها مع استمرار الفراغ الرئاسي؟

لا بدّ من التشريع

الجهوزية الإدارية والفنيّة واللوجستية لوزارة الداخلية والبلديات لا تكفي. فتح اعتمادات مالية أو تأمين تمويل خارجي لا يُنجز المهمّة. في الحالتين لا مفرّ من جلسة تشريعية وفق ما يؤكّد مصدر قضائي لـ»نداء الوطن». يقول إنّ «الحكومة ليست جمعية خيرية أو خاصة لتتلقّى الهبات والمساعدات من دون معرفة السلطة التشريعية، فالإعتمادات أكانت ذاتية أم خارجية، تحتاج إلى جلسة لمجلس وزراء، ومن ثمّ إرسال مشروع قانون إلى مجلس النواب للتصويت عليه وإدراجه ضمن الموازنة العامّة». واعتبر أنّ الدستور بات وجهة نظر بين القوى السياسية، يُفسّر وفق مصالحهم. بعضهم يرتكز على تشريع الضرورة لتسيير المرفق العام وعمل المؤسسات، وبعضهم يعتبره خرقاً قانونياً وتضليلاً لمهمّة الهيئة العامة لمجلس النواب كهيئة ناخبة لا تشريعية».

الإختلاف في كل شيّ وعلى المستويات كافة. الشواذ تحوّل إلى قاعدة، وأحكام الدستور أصبحت إستثناء. وتكمن الخطورة وفق المرجع القضائي، «في خلق بدعٍ سياسية وتكريسها كأعراف دستورية بغطاء شرعيّ تحت مسمّيات «الضرورة» وحكم الأمر الواقع. ولفت إلى أنّه لا يجوز الإستناد إلى الانتخابات البلدية في 2016 التي جرت في ظلّ شغور رئاسي استمرّ لأكثر من سنتين، وتكريسها كسابقة دستورية.

ما الحلّ إذاً؟ هل يتمّ التمديد للمجالس البلدية في حال سقطت الإنتخابات؟ يلفت المصدر نفسه إلى أنّه «لا يجوز التمديد للهيئات المُنتخبة طالما لا يوجد نصّ قانوني أو دستوري واضح. فالسلطة أكانت برلمانية أو محليّة (بلدية) تتجدّد عبر الإنتخابات وليس من خلال التمديد، وإلا تصبح هذه القاعدة سارية المفعول على المجلس النيابي ذاته عند انتهاء ولايته، أو على رئيس الجمهورية منعاً للشغور. ثمّ أن التمديد يحتاج أيضاً إلى جلسة تشريعية، ما يدفعنا إلى الدخول مجدّداً في أزمة دستورية وشرعية». ويرى أنّه «لو قام النواب بواجباتهم وانتخبوا رئيساً للجمهورية، لما كنّا اليوم نعاني من أزمة بلديات مجهولة المصير».

وإذا كان التمديد لا يتطابق مع روحية الدساتير والديمقراطية في دولة القانون، هل يشكّل الإنحلال البلدي المصير الوحيد والنهائي؟ يشدّد المرجع القضائي على أنّه «بعد انقضاء31 أيار، تُصبح البلديات حكماً في حالة المنحلّة وتنتقل صلاحياتها ومهامها إلى القائمقامين والمحافظين لتسيير أعمالها مباشرة، أو عبر الموظفين الذين يختارونهم من داخل البلديات. وتقتصر المهام على تصريف الأعمال البلدية والإدارية فقط، وبالتالي لا يحقّ لها تنفيذ المشاريع وإجراء المناقصات».

مشاركة أو مقاطعة؟

إذا كان القانون يضبط الإنتظام العام ويحدّد العمل المؤسساتي وآلياته، فهل تبيح السياسة المحظورات باسم الضرورات؟ كيف تنظر القوى السياسية المسيحية الرئيسية إلى ملف الإنتخابات البلدية وهل ستشارك في أي جلسة تشريعية خارج نطاق الرئاسة؟

في هذا الإطار، يشدّد عضو تكتلّ «الجمهورية القوية» النائب زياد الحوّاط على أهمية الإنتخابات البلدية، كمدماك أساسي في تنشيط الحياة الديمقراطية ومشاركة الناس في صناعة قرارهم ومصيرهم. لكنّه يرى أن منحى الأمور في لبنان يتجه نحو التأزّم، خصوصاً على مستوى انحلال المؤسسات العامة وانعكاسها حكماً على البلديات. المؤشرات كافة لا «تبشّر بالخير» طالما الإنتخابات الرئاسية معرقلة.

وتطرّق حواط إلى الواقع البلدي المؤلم والمخنوق ماليّاً، سائلاً: أي رئيس بلدية سيترشّح في ظلّ هذه الظروف؟ وما هي المشاريع الإنمائية والحيوية التي يمكن تنفيذها من خلال ورادات البلديات فيما هي عاجزة عن تأمين رواتب موظّفيها وتأمين المحروقات لآلياتها وأعمالها الروتينيّة؟ ولفت إلى أنّ أولوية المواطن اليوم لا تدور حول من سيترشّح إلى رئاسة البلدية وأعضاء مجالسها. هموم الإنسان تكمن في تأمين لقمة العيش وأبسط مقوّمات الصمود من كهرباء وماء وطبابة.

وعن اتجاه بعض الكتل النيابية إلى تمديد أو تأجيل المجالس البلدية، قال: «إذا لحقوا وبدن يعقدوا جلسة تشريعية، فالأجدى بهم التصويت لصالح الإنتخابات»، مردفاً أن الأولوية تبقى لانتخاب رأس الدولة.

ويختم الحوّاط الآتي إلى الندوة البرلمانية من ساحة البلدية، أنه على الرغم من عدم مشاركة «الجمهورية القوية» في جلسات مجلس النواب إلا لانتخاب رئيس الجمهورية، «سنضع كل جهدنا لإجراء الإنتخابات البلدية والبحث مع المعنيين في المعوقات المالية والقانونية والتواصل مع الجهات المانحة لتأمين التمويل اللازم لنرى كيفية تذليلها والدفع باتجاه إتمام الإستحقاق».

أما عضو «لبنان القوي» النائب أسعد درغام، فيتماهى موقفه مع الحوّاط، معتبراً أنّ الظروف الإقتصادية والمعيشية والمالية، إضافة إلى غياب رئيس الجمهورية، تجعل من اجراء الإستحقاق البلدي صعباً. وعلى عكس كلام وزير الداخلية والبلديات عن جهوزية الوزارة، رأى درغام أنّ الأمور الفنية واللوجستية وحتى المالية غير متوفّرة.

وعن المشاركة في جلسات تشريعية من أجل التمديد أو التأجيل أو الإنتخاب، اكتفى بالقول: «إنّ الحديث عن هذه المسارات، سابق لأوانه. وعندما نصل إلى قناعة بعدم جدوى إجراء الإنتخابات، سنبحث في البدائل الممكنة تحت سقف الدستور».

في الخلاصة، يبدو أن الإتجاهات المتاحة أو الواقعية، أكانت نحو إتمام الإستحقاق البلدي أو التمديد أو انحلاله، تصبّ جميعها في خانة استمرار الأزمة. بلديات من دون أموال، لا طائل منها. ومؤسسات من دون رئيس جمهورية لا انتظام لها. وجمهورية من دون إصلاحات جديّة لا حياة لها. كما أن الواقع البلدي الحالي، لا يعكس الحالة السياسية والقانونية والمالية المأزومة فحسب، بل يفضح ذهنية العقل والنظام الإداري، بعدم الذهاب نحو تطبيق اللامركزية الإدارية والمالية، كمدخل أساسي لتحقيق التنمية المستدامة التي تقع على عاتق البلديات.


MISS 3