نيري زيلبر

هل يقضي تراجع الديمقراطية على قطاع التكنولوجيا في إسرائيل؟

21 شباط 2023

المصدر: فورين بوليسي

02 : 00

على مرّ 15 سنة في السلطة، تصدّى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لعدد هائل من الاحتجاجات والتظاهرات العامة، لكنّ أحدث التحرّكات ضد القرار الذي تُخطّط له حكومته الجديدة لتعديل النظام القضائي المحلّي يبدو مختلفاً. إلى جانب عشرات آلاف الأشخاص الذين نزلوا إلى الشوارع احتجاجاً على هذا القرار، وتحذير قادة المعارضة من سلطة الحكومة غير الخاضعة للرقابة، وتوقّع المسؤولين القانونيين انتهاء الديمقراطية الإسرائيلية، برز خصم جديد وغير متوقع: إنه مجتمع الأعمال بقيادة قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي المعروف بجودته.


فاز نتنياهو وحلفاؤه القوميون والتقليديون المتطرفون بـ64 مقعداً في البرلمان الإسرائيلي المؤلف من 120 مقعداً خلال انتخابات تشرين الثاني، فشكّلوا حكومة ائتلافية يمينية هي الأكثر تطرفاً في تاريخ البلد.

تُحضّر هذه الحكومة الآن تشريعاً قد يُضعِف استقلالية المحكمة العليا وصلاحيات المراجعة القضائية. تُعتبر هذه الخطوة على نطاق واسع تمهيداً لنسف الليبرالية في إسرائيل. قد تسمح القوانين الجديدة للمشرّعين بإلغاء قرارات المحكمة عبر أغلبية بسيطة، وقد تجعل عملية تعيين القضاة بيد الحكومة.



اعتبر مسؤولون قانونيون حاليون وسابقون تلك الخطط "قاتلة" بالنسبة إلى مبدأ فصل السلطات والضوابط والتوازنات بين مختلف فروع الحكومة، وحذر المدعي العام الإسرائيلي، غالي باهراف ميارا، من احتمال أن يخضع البلد لمبدأ حُكم الأغلبية وحده. نتيجةً لذلك، سيصبح البلد ديمقراطياً بالاسم فقط.

كذلك، حذّر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي يبقى دوره رمزياً ومحدوداً، من نشوء "أزمة دستورية تاريخية"، فأعلن في الأسبوع الماضي أنه يحاول التوسط لإقرار تسوية تسمح بتجنب "مواجهة شاملة بشأن طبيعة دولة إسرائيل".



يظنّ المحللون أن أي آلية سياسية أو قضائية لن تجبر حكومة نتنياهو على التراجع، إلا إذا أصبح السخط العام عارماً. قام تحالف واسع من مجموعات المجتمع المدني، والقادة العسكريين السابقين، وجماعات حقوق المثليين، والناشطين المعارضين لنتنياهو، ورؤساء الجامعات وطلابها، ومسؤولين قانونيين سابقين، ومحامين وسواهم، بتنظيم احتجاجات شعبية واسعة في الأسابيع الأخيرة. عشية السبت الماضي في تل أبيب، نزل حوالى 120 ألف شخص إلى الشارع، إلى جانب آلاف آخرين في القدس ومدن أخرى، فأطلقوا بذلك أكبر تظاهرة يشهدها البلد منذ أكثر من عشر سنوات.



لكن تتعلق أكبر مفاجأة بدور قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي في هذه الحركة المعادية للحكومة، فقد أعلن رؤساء الشــــركات مواقفهم بلا تردد وموّلوا التظاهرات.

كانت إينات جويز، الرئيسة التنفيذية لشركة التكنولوجيا المتخصصة بإدارة الموارد البشرية "بابايا غلوبال"، من أبرز المشاركين في المسيرة الاحتجاجية.



صرّحت جويز أمام الحشود التي تجمّعت تحت الأبراج الزجاجية والحديدية اللامعة في وسط تل أبيب: "لن يستثمر أصحاب الثروات أموالهم في دولة بدأت فيها الديمقراطية تنهار. لا يمكن أن تستمر "دولة الشركات الناشئة" من دون ديمقراطية" (في إشارة إلى الصفة المنسوبة إلى إسرائيل في حالات كثيرة).

سارع خبراء الاقتصاد أيضاً إلى التكلم على ذبول إسرائيل من دون قطاعها التكنولوجي. يشكّل هذا القطاع أكثر من 40% من مجموع الصادرات، وربع الضرائب الإجمالية، وحوالى 15% من الناتج المحلي الإجمالي، حتى أنه يشمل 10% من اليد العاملة وفق أرقام الحكومة.



في الأسبوع الماضي، عقد محافظ بنك إسرائيل، أمير يارون، اجتماعاً طارئاً مع نتنياهو وحذّره من التداعيات الاقتصادية السلبية في حال أصرّ على تعديله القضائي. سبق وقدّم عضو في المجلس النقدي لبنك إسرائيل استقالته احتجاجاً على هذا التوجه. (يُعتبر هذا البنك مساوياً للاحتياطي الفدرالي الأميركي).

وفي افتتاحية مشتركة نُشِرت يوم الأحد، فصّل المحافظان السابقان في بنك إسرائيل، كارنيت فلوغ وجاكوب فرانكل، الأضرار المادية التي واجهتها بلدان مثل المجر، وبولندا، وتركيا، بعدما تراجعت مظاهر الليبرالية في حكوماتها.



كتب أصحاب المقالة: "قد يسمح إضعاف الرقابـــة القضائية للحكـــومة بطرح تدابير تُسـبّب أضراراً اقتصادية نتيجة انتهاك محتمل لحقوق الملكية، ومخـــاوف المستثمرين من القرارات التعسفية وغيـــر المتوقعة، وتغيير قواعد اللعبة في ظل غياب أي رقابة قضائية".

في الأسبوع الماضي أيضاً، كتب أكثر من 270 خبيراً اقتصادياً ومسؤولاً مالياً سابقاً، منهم شخصيات تحمل جائزة نوبل أو كانت قد عملت في إدارات نتنياهو السابقة، رسالة مفتوحة عن "الأضرار غير المسبوقة" التي يتوقّعون حصولها. كذلك، أجرى محلل مرموق من وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية العالمية مقابلات عدة تكلم فيها على احتمال تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل.



يبدو أن منظّمي الاحتجاجات ضد الحكومة يدركون أن هذه الثورة الوشيكة التي يطلقها أعضاء من القطاع الخاص قد تحمل ثقلاً أكبر من الاحتجاجات الشعبية العادية.

كتبــــــت اللجنة التنسيقية للاحتجاجات في رسالة إلكترونية داخلية اطلعت عليها صحيفة "فورين بوليسي" في الأسبوع الماضي: "وفق تقييم شائع، ستنبثق فرصة كبح الانقلاب المنهجي من الاقتصاد بشكلٍ أساسي".



توسّعت هذه الانتفاضة في الأيام الأخيرة، فأعلنت شركة "بابايا غلوبال" بقيادة جويز أنها تتجه إلى سحب جميع استثماراتها من إسرائيل. قام صندوقان إسرائيليان للرساميل الاستثمارية بالمثل في الأسبوع الماضي، ووجّهت شركة "إنسايت بارتنرز" الأميركية، وهي من أكبر المستثمرين في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، رسالة إلى الشركات التي تملك فيها الأسهم هناك حيث عبّرت عن دعمها للحركة الاحتجاجية.



في غضون ذلك، نظّمت مئات شركات التكنولوجيا والمؤسسات الصغيرة "إضراباً تحذيرياً" ضد الحكومة في تل أبيب ومدن أخرى، فتوقف الموظفون عن العمل وتظاهروا خارج مكاتبهم. لكن يحافظ نتنياهو على تماسكه رغم كل ما يحصل، حتى الآن على الأقل.

يوم الأربعاء، اضطر نتنياهو إلى عقد مؤتمر صحفي حول السياسة الاقتصادية، وهو الثاني في الأسابيع الأخيرة، في محاولة منه لكبح الاضطرابات المتزايدة. اعتبر رئيس الوزراء التحذيـــرات القاتمة بشأن مصير الديمقراطية والاقتصاد في البلد "تسونامي من الأكاذيب"، وأعلن أن إصلاحاته القضائية تسمح بتقويتهما معاً.



ربط نتنياهو خططه القضائية بالنمو الاقتصادي مباشرةً، فقال: "الصلاحيات القضائية المفرطة [مثل تدخّل المحاكم في جميع المسائل] هي أشبه بعصا في دولاب الاقتصاد الإسرائيلي".

لكن يدرك نتنياهو، خريج كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فداحة الوضع برأي المحللين القانونيين ومدراء شركات التكنولوجيا الذين تكلموا مع "فورين بوليسي". مع ذلك، قد يستفيد نتنياهو شخصياً من تعديل النظام القضائي. أوضح عدد من الوزراء أن الحكومة تتجه إلى اتخاذ خطوات أخرى لكبح النظام القانوني والقضائي في البلد، ما قد يوقف المحاكمة المستمرة بحق نتنياهو بتُهَم الفساد برأي بعض المحللين.



يقول أمير مزروش، محرر تقني سابق ومستشار حالي لشركات محلية: "يشعر قطاع التكنولوجيا الآن بأنه يتعرض لهجوم مباشر. طوال سنوات، لم يتورّط هذا القطاع في السياسة يوماً، بل كان ينشط في فقاعته الخاصة. تابعت الأموال تدفقها رغم الحروب، واستمرّ نموّ الشركات، ولم تتدخل الحكومة بعمل هذا القطاع. لكن تريد الحكومة الآن أن تغيّر كامل النظام القائم في البلد (حُكم القانون، المحاكم، الديمقراطية الليبرالية...)، ولا ننسى تأثير المناخ الاقتصادي العالمي الشائك. لذا يعتبر القطاع كل ما يحصل هجوماً قوياً ضده".



يوافقه الرأي جيل بيكيلمان، أحد قادة الحركة الاحتجاجية والمدير التنفيذي في شركة إدارة تكنولوجيا المعلومات "أتيرا". على هامش الإضراب التحذيري في تل أبيب خلال الأسبوع الماضي، تكلم بيكيلمان عن سيناريو قاتم في حال طبّقت حكومة نتنياهو خططها.

ستتلاشى الاستثمارات الخارجية في هذه الحالة، ويتوقف بيع شركات التكنولوجيا الإسرائيلية للمستثمرين الأجانب. تُعتبر هذه النشاطات في العادة "مَخرجاً" لتجاوز المشاكل في إسرائيل. يتساءل بيكيلمان: "أي شخص مجنون سيرغب في شراء شركة تقع في بلد استبدادي يخلو من الضوابط والتوازنات؟". في الوقت نفسه، سيهاجر أكبر المواهب الإسرائيلية بكل بساطة.



يضيف بيكيلمان: "يستحيل عليهم العيش في بلدٍ بدأ يتبنّى توجهات يمينية ودينية متطرفة ويخلو من أي حماية قانونية لأقليات مثل المثليين أو النساء. لن يرغب أحد في إنشاء عائلة في هذا المكان".

بدأ المستثمرون الأجانب يتصلون ببيكيلمان للتعبير عن قلقهم من الفوضى السياسية والقانونية في إسرائيل، فأخبرهم بأن البلد قد يصبح استبدادياً خلال أسبوعَين وشدد على سرعة تمرير ذلك التشريع من جانب الائتلاف الذي يقوده نتنياهو. هو تعهّد القيام بكل ما يلزم لردع الحكومة ووعد بمتابعة هذه الجهود طوال الفترة اللازمة قائلاً: "قطاع التكنولوجيا سيردّ على ما يحصل بالشكل الذي يعرفه، أي بطريقة مفاجئة ومبتكرة وقوية. نحن لن نتقبّل ما يحصل بهذه البساطة".



في مكاتب شركة "أتيرا"، فوق شارع "روتشيلد" في تل أبيب، تُطِلّ النوافذ الممتدّة من الأرض إلى السقف على مظاهر الثراء والازدهار التي ساهم قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي في نشرها على البحر الأبيض المتوسط، أبرزها الأبراج التجارية اللامعة، والمباني السكنية الفاخرة، ورافعات البناء المنتشرة في كل مكان.

في النهاية، يقول بيكيلمان: "هذه المظاهر كلّها قد تختفي. لكن يبقى البلد أعظم من أن يتدمّر".