د. ميشال الشماعي

Out Of The Box

22 شباط 2023

01 : 00

تكثر الحلول المطروحة للأزمة اللبنانيّة باختلاف فروعها الاقتصاديّة والنقديّة والاجتماعيّة والتربويّة والسياسيّة والصيغويّة والكِيانيّة. وهذه الحلول كلّها آيلة للنقاش فيما لو كان الوضع اللبنانيّ وضعاً طبيعيّاً لا تشوبه هذه الشوائب الفاقعة. لكنّ سياسة التعطيل التي اتّخذها محور الممانعة السوري – الإيراني بقيادة «منظمة حزب الله» عبر حليفها الأوّل في الجمهوريّة الرئيس السابق ميشال عون وتيّاره السياسي مكّنته من شلّ الدّولة العميقة. فهل تنفع بعد اليوم أيّ حلول سبق طرحها؟ وهل من حلول ممكنة بعد هذا الدّرك الذي وصلنا إليه راهناً؟

مَن يراقب المسار الذي اتّخذه هذا المحور منذ تسوية الدّوحة – كي لا نعود إلى تاريخ تأسيس منظّمته في لبنان في العام 1982- فهو انتقل من الكودرة والتنظيم الإيديولوجي في بيئته إلى السيطرة على مقدّرات الدّولة. ولمّا لمس عجزه عن ذلك بالطرق الديمقراطيّة بعد اصطدامه مع حليفه على قاعدة أولويّة المصالح؛ انتقل إلى تعميم التعطيل بهدف الوصول إلى الانهيار. وذلك ليتمكّن من فرض بدائله.

فلهذا المحور دولته العميقة الخاصّة. من حيث الجيش، فهو يملك التنظيم غير الشرعي الأقوى الذي يتفوّق في بعض تكتيكاته على التنظيمات العسكريّة الشرعيّة. وفي التربية، نجح بفرض فكر تربويّ من خلال مؤسّسات تربويّة تعنى بالتثقيف الإيديولوجي لن يستطيع هذا المجتمع بالذات التخلّص منها إلا بعد انقضاء مئة سنة على أفوله. ولنا في التجارب الفاشيّة والنّازيّة في العالم خير دليل. أمّا في الاقتصاد فحدّث بلا حرج. نظام اقتصاديّ غير شرعيّ رديف للاقتصاد الشرعي الذي تقوده جمعية «القرض الحسن». ومَن يعرف حقيقة أعمال هذه الجمعيّة؟ هل من تصريحات شفافة أو من كشوفات واضحة؟ أم هل تستطيع أي جهة حكوميّة أن تمارس أيّ رقابة على هكذا جمعيّات؟

عندما لمس هذا المحور عدم قدرته على تحويل هذه الدّولة بقوّة سلاحه، انتقل إلى التحويل الصامت أو الناعم عبر تجنيده لبنانيين من الانتماءات المختلفة. لكن بعدما وُوجِهَ من اللبنانيّين الكيانيّين في صناديق الاقتراع اتّخذ القرار بإسقاط هذه الدّولة بالكامل. وهو سيعمَدُ إلى ضرب شرعيّة وجودها بعدما استنزف قدراتها كلّها وأخذ منها ما يريد. وأعطى الفتات لمَن وضع يده بيده لتسيير مصلحته الخاصّة؛ ولم يدرك هؤلاء فداحة ما قاموا به إلا بعدما سمعوا رجع صدى أنشودة منصور الرّحباني في مسرحيّة «ملوك الطوائف» يتردّد في أذهانهم ويبكّت ضمائرهم: «إذا راح الملك بيجي ملك غيرو، إذا راح الوطن، ما في وطن غيرو». ولكن للأسف أوانهم قد ولّى. والأحرار قالوا كلمتهم.

الحلول المطروحة كلّها لا ترتقي إلى المستوى المطلوب لمعالجة الأزمات التي تعصف بالوطن؛ لذلك نحن بأمسّ الحاجة إلى أفكار من خارج المألوف المطروح أي out of the box. المطلوب البحث في كيفيّة إخراج رقبة لبنان من تحت مقصلة الفاسدين؛ وليس كيفيّة إخراج الفاسدين وطردهم من الهيكل. لأنّهم للأسف باتوا يتملّكون هذا الهيكل! وليخرج لبنان يجب عزل هؤلاء كلّهم. وكي لا يفهم كلامنا خطأ، لا نريد لا تقسيماً، ولا قبرصَةً، ولا فدرلةً مشوّهةً، أو لامركزيّةً منقوصَةً.

لبنان على صفيح بركانيٍّ يغلي منذ 14 آذار2005، أُخمِدَ بالقوّة، لكنّه عاد والتهب في 17 تشرين 2019، وأخمِدَ أيضاً؛ وهو على فالق زلزال كِيانيّ منذ ذلك الأوّل من أيلول 1920، وما زال يهتزّ من ذلك التّاريخ إلى حينه ولمّا يقع بعد. ما المطلوب إذاً؟ أن ننتظر هذا البركان ليتفجّر؟ ولهذا الزلزال بأن يدمّر الموجود، على علّاته، لنأخذ مبادرة إعادة البناء من جديد؟ وعلى ما يبدو انّ محتلّي هيكل الوطن المقدّس قد قرّروا افتعال الفوضى بهدف مساعدة هذا البركان على الانفجار من جديد.

حذارِ من بعض المسيَّسين أو ضعفاء النفوس أو الطامعين بالمراكز الانجرار وراء هذا المخطّط وتمكين محور الممانعة من الحصول على ما لم يتمكّن «العرافاتيّون» من السيطرة عليه في سبعينات القرن المنصرم. لكن ما يبعث الأمل في نفوسنا جميعاً أنّ الرّوح التي حاربت هذه المشاريع على امتداد تاريخ هذا الوطن الكِياني، أي منذ أكثر من ألفٍ وأربعمئة سنة ما زالت حيّة هي هي. هذه المقاومة الكِيانيّة لم تمت يوماً ولن تموت. مشروعنا اليوم سياسيّ لكن الوسائل كلّها متاحة متى تمّت استباحة كرامتنا الوطنيّة كي لا نتساءل بعد فوات الأوان كلبنانييّن عمّا إذا بتنا بحاجة إلى وطن نعطيه هُوِيَّتَنا أم حاجتنا إلى وطنٍ يُعطينا هُويَّتَهُ!؟


MISS 3