طوني فرنسيس

حصل في عام الزلازل

23 شباط 2023

02 : 00

يمكن لسلطة «الفساد والكساد المتعمَّد» أن تنكر علاقتها بالتهديد الزلزالي القائم والمتكرر منذ 6 شباط، ذكرى التفاهم التاريخي، لكن التاريخ لن يعترف بهذا الإنكار ولا بمحاولات التنصّل، فهو سيكتب بالحرف العريض أنّه في ختام أربع سنوات من النهب والسرقة والتهريب وتجارة الممنوعات والتلاعب بالعملة، وبعد تفجير بيروت وأهلها، وتهجير مئات الآلاف من اللبنانيين بعد إفقارهم وتجويعهم ومنع الدواء والطبابة والمدرسة عنهم، حصلت الزلزلة التي قضت على البقية الباقية من قدرة هؤلاء على المواجهة، أو رغبتهم في الصمود والكفاح.

في الترتيب الزماني، راكمت سلطة الفساد الميليشيوي الطائفي جرائمها بحق مواطنيها منذ 2019 عام ذوبان الثلج عن مرجِ العصابة. انهارت العملة الوطنية وهرّب المتسلطون أموالهم وتبخرت ودائع الصغار ومعاشاتهم واقفلت الشركات والمؤسسات... كانت تلك الحلقة الأولى في مسلسل الانهيار.

الحلقة الثانية تجلّت في جعل الدعم للدواء والغذاء والمحروقات مدخلاً للتهريب إلى سوريا وزيادة مداخيل مهربي السلطة وتكديسهم ثروات اضافية، فيما كان المودعون يدفعون ثمن الدعم من أموالهم المنهوبة ولا تنفع صرخاتهم في وقف الجريمة.

الحلقة الثالثة هي تفجير المرفأ. وقد بيّن سلوك السلطة تجاه هذا التفجير، والتحقيق في مسبباته، كم هي ضالعة حتى أذنيها في التمهيد لحصوله، أنّه ببساطة جاء امتداداً لنهج التسلط والفساد والتهريب.

لم تكن الكورونا خارج حلقات سياسة مراكمة الأزمات. صحيح أنّ عواملها تخرج عن إرادة التحالف الحاكم، لكن الاستفادة منها مالياً كانت إحدى طرق معالجتها، والملفات ستكون مفتوحة عندما يحين وقتها.

سيأتي يوم ويقال إنّ كل ذلك حصل في عام الزلازل، أو سبقه بقليل ثم عايشه، وستقارن سنوات الخراب هذه بسنوات في تاريخ لبنان أنتجت كوارث وتسميات باسمها. هناك مئات القرى والدساكر تحمل اسماء الخراب: الخربة والخرايب والخريبة وذوق الخراب وغيرها. بقيت تلك الأسماء شواهد على أحداث كبرى نسي الناس مفتعليها والمسؤولين عنها.

لكن في زمننا الحالي سيكون النسيان مستحيلاً. لقد توّج خطر الزلزال ممارسات سلطة سبقته إلى حصد نتائجه المحتملة، تدميراً وقتلاً وتجويعاً، وأبقت له إمكانية تدمير كمية إضافية من الأبنية على الرؤوس، ولم تفعل شيئاً إزاء هذا الاحتمال، غير التهديد بصوت عال على لسان قائدها الأبرز، بتعميم الحروب من لبنان إلى المنطقة فإلى أميركا. حصل ذلك فيما كان 45 ألف ضحية ترقد قريباً منا تحت الأنقاض، لكن لا بأس بآلاف أخرى تلحق بهم لتكمل صورة لبنان البلد المهدور عمداً.


MISS 3