ريتا ابراهيم فريد

المعالج النفسي داني شربل: عوارض القلق والدوار تزول بعد توقّف الهزّات

25 شباط 2023

02 : 01

دوار. قلق وخوف وتوتّر. أرق في الليل. صعوبة في العودة الى ممارسة النشاطات اليومية. متابعة مستمرّة للأخبار والتعليقات والتوقّعات وحالة من الهلع، وغيرها من الاضطرابات النفسية التي تسبّب بها الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، والذي تلته هزات إرتدادية. عن أسباب هذه العوارض وكيفية التعامل معها، تواصلت "نداء الوطن" مع المعالج النفسي داني شربل الذي أعطى تفسيرات علمية عدة، ووجّه نصائح الى الشباب بضرورة محاولة الترفيه عن النفس قدر الإمكان خلال هذه الفترة.




معظم اللبنانيين ما زالوا حتى الساعة يعيشون تداعيات الزلزال ويعانون من القلق والتوتّر والأرق ليلاً رغم مرور أيام عدة. ما تفسير ذلك؟

صحيح أننا كلبنانيين لم نتضرّر بشكلٍ مباشر، لكنّ الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا ترك أثره على لبنان من خلال الهزّات الإرتدادية التي ما زلنا نعاني منها حتى اليوم، بالتوازي مع متابعتنا للأخبار المأسوية والدمار الكبير وسقوط العدد الهائل من الضحايا. ذلك من شأنه أن يحرّك داخل الإنسان مشاعر القلق الوجودي العميق، إضافة الى غريزة حفظ البقاء المرتبطة مباشرة بغرائز الموت والحياة. لهذا السبب ما زلنا نعاني من توتّر وقلقٍ وخوفٍ وأرق جراء هذه الكارثة، وهذا أمر طبيعي.

إذاً هل من فترة زمنية محدّدة لهذه العوارض كي تبقى في إطارها الطبيعي؟

لا بدّ من الإشارة الى أنّ القلق لا يزال موجوداً لأنّه مرتبط بالمحفّز الذي يغذّيه، أيّ بالهزّات الإرتدادية المستمرّة. فإذا توقّفت هذه الهزّات، ثمّ استمرّت مشاعر القلق لأكثر من شهر، لا بدّ إذاً لمن يشعر بهذه العوارض أن يطلب المساعدة من اختصاصي نفسي.

متى يمكن أن نعتبر أننا دخلنا في مرحلة القلق المرضي؟

حين تصبح مشاعر القلق عائقاً أمام ممارسة النشاطات اليومية، كالذهاب الى الجامعة أو الى العمل أو القيام بالواجبات اليومية الإعتيادية، إضافة الى الإصابة بنوبات هلع متكرّرة أو شعورٍ بخوفٍ شديدٍ بشكلٍ دائم، يمكن حينها أن نعتبر أنّ الإنسان دخل في مرحلة مرضية، وننصحه في هذه الحالة أن يلجأ الى معالجٍ نفسي.

كثيرون ما زالوا يشعرون باهتزازٍ مستمرّ ودوارٍ رغم عدم وجود هزّة. ما أسباب ذلك؟

هذا ما يُعرف بـ Post earthquake dizziness syndrome أو متلازمة دوار ما بعد الزلزال. الاسم كان قد أطلقه باحثان يابانيان على هذه الظاهرة إثر الزلزال المدمّر الذي ضرب بلادهما في العام 2011 والذي بلغت قوّته 9 درجات على مقياس ريختر. حينها أجريا استطلاعاً ظهر من خلاله أنّ عيّنة كبيرة من السكان كانت تعاني من دوار وتأرجحٍ. وتبيّن أنّ ذلك مرتبط بالأذن المسؤولة عن التوازن في جسم الإنسان، علماً أنّ مشاعر التوتّر تعزّز هذه العوارض أيضاً. وعموماً يُفترض أن تختفي بعد توقّف الهزّات الارتدادية. لكن إذا استمرّت لأكثر من شهر كما ذكرنا عن مشاعر القلق أعلاه، أنصح هُنا بزيارة طبيب مختصّ بالأذن.





البعض استذكر فوراً انفجار الرابع من آب وعاش الصدمة من جديد. ما تفسير ذلك؟

الزلزال تسبّب بـ"فلاش باك" للذكريات المؤلمة التي عاشها اللبنانيون في انفجار المرفأ. علماً أنّ الأشخاص الذين لم يتلقّوا الإسعافات النفسية الأولية حينها، والتي من شأنها مساعدتهم على الوقاية من ما يسمّى بالـPTSD أو اضطراب ما بعد الصدمة، هم معرّضون أكثر من غيرهم لاسترجاع الصدمة السابقة التي بقيت في اللاوعي ولم تتمّ معالجتها. فهذا الحدث (أي الزلزال) الذي يحمل بدوره تهديداً للحياة والوجود أيقظها من جديد ودفع بهؤلاء الأشخاص الى اختبار عوارض القلق مجدّداً.

ما خطورة الإدمان على متابعة التقارير الإعلامية حول الزلزال والأخبار عن الهزّات ومتابعة مشاهد الدمار؟

لا شكّ في أنّ المشاهد المأسوية تجعلنا نشعر بأنّنا معنيّون بها، ومن شأنها أن تزيد من الاضطرابات النفسية حتماً، لا سيّما أنّها ترافقت مع هزّات ارتدادية أصابت منطقتنا. الى جانب ذلك، هناك كمية كبيرة من الأخبار المفبركة التي تنتشر على مواقع التواصل الإجتماعي، ومن شأنها إثارة الهلع رغم أنّها غير دقيقة علمياً، ويتمّ التداول بها بأهداف تجارية من أجل حصد مشاهدات ومتابعات. لذلك، من كان يتابع مواقع التواصل لأربع ساعات في اليوم على سبيل المثال، أنصحه بأن يقلّص ذلك الى ساعتين أو أقلّ خلال هذه الفترة كي يقي نفسه من التعرّض لهذه الأخبار السلبية المضلّلة.



هل من نصيحة للشباب اللبناني الذي يشعر بالاحباط جراء الصدمات التي أضيف إليها قلق الهزّات اليوم؟

أنصحهم بأن يركّزوا على المسائل التي يمكنهم أن يتحكّموا بها. فالأزمة الإقتصادية مثلاً هي خارجة عن نطاق سيطرتنا، وإذا استمرّينا بالعيش في نطاق هاجسها، سندخل حتماً في دوّامة من القلق، كذلك الأمر بالنسبة للزلزال والهزّات. من جهة أخرى، علينا أن نحاول تعديل النمط اليومي لحياتنا، بحيث يصبح أكثر ميلاً نحو أكل صحي، ممارسة الرياضة بانتظام والنوم لساعات كافية. ولا بأس في أن نحاول الترفيه عن أنفسنا إن أمكن، من خلال ممارسة نشاطات تبعدنا قدر الإمكان عن الجوّ الذي نعيش فيه.

ذكرت أهمية نيل قسط وافر من النوم. لكن ماذا عن الذين يواجهون الأرق الليلي خلال هذه الفترة؟

صعوبة النوم طبيعية أيضاً، وناجمة عن القلق الوجودي الذي نشعر به وخوفنا من أن يحدث زلزال أثناء نومنا. لكن علينا أن نعي بأنّها مسألة لا يمكننا التحكّم بها. هو أمر صعب بلا شكّ، لذلك أنصح بممارسة حركة ناشطة خلال النهار، فمن شأنها أن تساعدنا على النوم ليلاً.


MISS 3