ريتا ابراهيم فريد

هل يعتاد الإنسان مشاهد الحرب والدمار؟

المعالج النفسي داني شربل: حاولوا تخفيف متابعة الأخبار

2 شباط 2024

02 : 01

في بدايات الحرب في غزة، وتحديداً حين قُصف المستشفى المعمداني، أصيب البعض بصدمة قوية ونوبات بكاء وحزن شديد جراء مشاهد الدمار والدماء وقتل الأطفال. لكن بعد مرور أكثر من 100 يوم، تخللها قصف جديد لمستشفيات أخرى، تضاءلت لدى البعض حدة تأثير هذه الأخبار. فهل يعتاد الإنسان على رؤية مشاهد العنف ويفقد معها تعاطفه تجاه القضايا الإنسانية؟ «نداء الوطن» تواصلت مع المعالج النفسي داني شربل، الذي أوضح ذلك من الناحية العلمية، مشيراً إلى نصائح تساعدنا في الحفاظ على التوازن النفسي قدر الإمكان خلال هذه المرحلة.

علمياً، هل يعتاد الإنسان على رؤية مشاهد العنف والقتل وسماع أخبار الإبادة؟

من الناحية العلمية، الإنسان يتلقّى المعلومات والمثيرات الخارجية عبر الجهاز العصبي المركزي بواسطة الحواسّ. هذا الجهاز يعمل على استيعاب تلك المعلومات، ثم يعالجها ويقوم بترميزها وتأويلها، فتتحوّل الى جزء من الصور المعرفية لديه. المسار نفسه ينطبق حين نتحدّث عن مشاهد العنف والقتل. لكن هناك فرقاً، فحيث أنّها مشاهد غير صحية وغير إعتيادية، يستغرق الأمر وقتاً أطول لاستيعابها ومعالجتها داخل الدماغ، قبل أن يعتاد الإنسان عليها.


ما خطورة ما يصل إليه البعض حين يخفّ لديهم وهج التعاطف مع القضايا الإنسانية إثر تكرار المشاهد القاسية عبر وسائل الإعلام؟

في هذه الحالة، تصبح الصور المعرفية المتعلّقة بمشاهد القتل والدمار والعنف مألوفة لدى جهازنا العصبي. وهُنا تكمن الخطورة في أن نعتاد على هذا النوع من المشاهد. سأعطي مثالاً عن أشغال وحفريات أمام المنزل. في اليوم الأول سوف ننزعج من الضجّة. لكن تدريجياً سيكون هناك استيعاب أكثر فأكثر لها. ومع التكرار تصبح أمراً مألوفاً بالنسبة لنا، إذا أنّ جهازنا العصبي والنفسي سيعتاد عليها، وبالتالي تصبح أخبار المجازر أمراً اعتيادياً. فحين نسمع أول مرة عن مجزرة، نصاب بصدمة، لكن بعد أيام قليلة، يترافق الأمر مع ما يُسمّى بـ»التهيّؤ الذهني»، وكأننا بتنا مهيّئين لهذا النوع من الأخبار. والخطورة هُنا أنّ ذلك يؤدي على المدى الطويل الى فقداننا لأحاسيسنا وجوهرنا الإنساني. فكما نعلم أنّ القتل والعنف هو نقيض الطبيعة البشرية التي تسعى الى السلام والمحبة والتآخي بين البشر.


المعالج النفسي داني شربل


إذاً هل يفقد الإنسان هُنا عاطفته وإنسانيته بشكلٍ دائم؟ أو أنها مجرّد حالة موقّتة؟

إذا اعتاد على رؤية وسماع أخبار المجازر من دون أن تكون هناك أي حلول لها، من الممكن أن يصبح الإنسان مخدّراً. فتصبح هذه المشاهد طبيعية تماماً كأيّ عنصر في حياته اليومية. إنّما في حال تغيّرت الأحداث وظهرت الحلول، سيكون ذلك أمراً موقّتاً.


هناك حالة أخرى يصل فيها البعض الى مرحلة من النكران ويرفض سماع أي خبر عن الحرب أو حتى مشاهدة الفيديوات المرتبطة بها على مواقع التواصل الإجتماعي. هل هذا طبيعي؟

لا بدّ من الإشارة الى أنّ حالة النكران هي آلية دفاع نفسية يستخدمها الفرد حين يصاب بحالة صدمة، وذلك بهدف حماية «الأنا» لديه. هذه العملية صحية في البداية لأنها تحمي الإنسان من تداعيات الصدمة التي تلقاها. وفي ما يتعلّق بمتابعة أخبار الحرب والعنف، قد يلجأ الإنسان الى استخدام آلية نفسية أخرى هي التجنّب، لأنّ متابعته للأخبار تعيده بالذاكرة الى أحداث مشابهة عاشها في السابق. وهذا ما يُعرف بإضطراب ما بعد الصدمة، التي قد تظهر عوارضها لاحقاً. إذاً عملية النكران أمر طبيعي خلال مرحلة الصدمة، شرط ألا تستمرّ طويلاً.


كيف يمكن أن نحمي أنفسنا ونحاول قدر الإمكان أن نبقى في دائرة التوازن النفسي؟

أولاً يُنصح بالتقليل من فترات مشاهدتنا للأخبار المتعلّقة بالعنف والقتل والمجازر. مثلاً من يتابع الأخبار لمدة ساعتين يومياً، يمكنه تقليص هذا الوقت الى ساعة واحدة. هكذا يحمي صحّته النفسية من تلك المشاهد، وفي الوقت نفسه لن ينقطع عن مواكبة الأحداث في محيطه. كما أنّ نيل قسطٍ كافٍ من النوم يساعد أيضاً على حماية الإنسان من الاضطرابات النفسية. الى جانب المحافظة على الروتين اليومي والتوجّه الى العمل أو الى المدرسة بشكل اعتيادي، وتناول الأطعمة الصحية. من دون أن ننسى أهمية التحدّث مع الأصدقاء والتعبير أمامهم عن مشاعر القلق والخوف.

MISS 3