رفيق خوري

السؤال - الخيار أكبر من ندفع أو لا؟

18 شباط 2020

02 : 00

ندفع أو لا ندفع؟ ليس هذا هو السؤال – الخيار، وإن كان السؤال الملح الذي ينشغل المسؤولون والخبراء في تقديم جواب عنه يكون الأقل ضرراً. وليس كل المشاركين في النقاش ينطلقون من الخبرة وتجارب الأمم والمصلحة الوطنية العليا. فبينهم مسؤولون عن الأزمة ورابحون منها وخائفون على مصالحهم. وبينهم من يعطي الأولوية للخيار الأقل ضرراً بأرباح المصارف وسمعتهما وسمعة لبنان في الخارج، وهي هنا على الأرض بعد مغامرة الرمي بأموال المودعين في سلة الدولة المفخوتة طمعاً بالفوائد.

ذلك أن المسألة هي أننا في خراب وطني وسياسي وليس فقط في خراب مالي واقتصادي وسطو على المال العام المقترض أصلاً. والسؤال – الخيار هو ما الذي نريد إنقاذه؟ إنقاذ النموذج المالي والإقتصادي الفاشل والظالم والتركيبة السياسية الفاسدة والعاجزة إلا عن صنع الأزمات، أم إنقاذ لبنان بنموذج مالي واقتصادي عادل وإعادة تكوين السلطة بشكل جذري؟ بناء دولة تستحق الوطن – المغامرة في الشرق أم أخذ لبنان نهائياً، كأنه "مساحة جغرافية" إلى محور إيراني يواجه العرب والغرب؟

إنقاذ النموذج الفاشل مهمة مستحيلة. فالعيش على الأزمات وصل إلى النهاية. لا في الداخل مجال لضخ 25 مليار دولار في الشرايين المالية والإقتصادية الجافة. ولا أحد في الخارج مستعد لمساعدتنا من دون إصلاحات "جريئة وجذرية". والإصلاحات تعني نهاية "دويلات" النافذين وفطمهم عن المال العام، وهذه بالنسبة إليهم قضية حياة أو موت. وإنقاذ لبنان ممكن إذا تصرفنا على أساس أنه "وطن ورسالة" لا "قاعدة" لمهام أمنية وعسكرية في الأقليم، تتساكن مع "إقتصاد كازينو" يدار بما يضمن الأرباح للنافذين سياسياً ومالياً.

والمشكلة مثلثة: الثورة الشعبية تطالب بالتغيير لكنها تطلبه من السلطة. أهل السلطة ضد التغيير، ولو تحدثوا عنه ليل نهار. والثورة لا تستطيع بشكلها الحالي أن تصنع التغيير. لكن استمرار هذا الستاتيكو صار صعباً. فما العمل؟ هل تنتقل الثورة الشعبية من مرحلة الشارع إلى مرحلة احتلال المؤسسات وصولاً إلى إسقاط السلطة وإعادة تكوينها ثورياً، أم تتقدم قوة الثورة المضادة خطوة أخرى إلى أمام وتمسك علناً بكل مفاصل السلطة؟

الأول دونه عقبات كثيرة، وإن كان اشتداد الأزمة سيجعل كل الطبقة الوسطى مع الطبقة الفقيرة تيار الثورة. والثاني لا مصلحة فيه لقوة الثورة المضادة لأنه خطير عليها قبل البلد.

و"ليس صعباً الحصول على أفكار جديدة، لكن الأصعب هو التخلص من الأفكار القديمة"، كما قال كينز.


MISS 3