محمد دهشة

جرادي حلّاق الجيل القديم

27 شباط 2023

02 : 01

الحلّاق جرادي أمام محله

يتمسّك الحلّاق عاطف عبد اللطيف جرادي «أبو حسن» بمهنة الحلاقة في «حيّ المسالخية» في صيدا القديمة منذ سبعة عقود من الزمن، ويحافظ معها على عدد من زبائنه، قلّة من كبار السنّ ما زالوا أحياء، وكثرة من أولادهم وأحفادهم من الجيل الجديد. فتسعيرة قصّة الشعر عنده أرخص من غيره، ولا سيّما خارج حدود المدينة القديمة الجغرافية، حيث يتضاعف الثمن بعدما باتت تسعيرته بالدولار الاميركي.

في صالونه «النجوم» الذي لا يتجاوز ستة أمتار طولاً وثلاثة أمتار عرضاً، ما زالت كرسي الحلاقة القديم شاهد حيّ على الزمن الجميل، إلى جانب مقصّ ومشط ومرآة مزركشة ومجفّف شعر، وآلة قص كهربائية. كانت المهنة وقتها تغني من جوع، تفتح بيوتاً وتستر عائلات وتربّي الأولاد، وعدد محترفيها لا يتجاوز عدد أصابع اليدين. جرادي يبلغ من العمر 77 عاماً ويعتبر واحداً من كبار محترفيها وشيوخ المهنة، يقول لـ»نداء الوطن»: «تعلمت المهنة صغيراً من أخي في هذا المحلّ المتواضع وما زلت فيه منذ ذلك الحين، لم يكن هناك معاهد ولا مهنيات لتعليم الحلاقة وفق الأصول العلمية، كنا نتعلّم من بعضنا البعض ومن كبار محترفيها، وكان الحلّاق أكثر من مجرّد إنسان يقصّ ما طال من الشعر ويهندس شكله ويحلق الذقن، كان البعض يعالج بالطبّ العربي ويخلع الأسنان ويكوي الجروح ويصف الأدوية، لقد كان الحلّاق جزءاً من نسيج العلاقات الاجتماعية أكثر ممّا هو مهني يؤدّي عملاً محدّداً، وكثيراً ما كان يتحوّل صالونه «ديوانية» لمعرفة أخبار الناس وتناقلها».

ويضيف: «إنّ كثرة الحلّاقين ودخول الجيل الجديد عليها (معلّمي الماكينات) أفقدها الكثير من المعاني التي رافقتها، باتت مجرّد مهنة لكسب قوت اليوم في ظلّ الأزمة المعيشية حتّى اشتهرت المقولة بين الحلّاق والآخر... حلّاق ثالث، باتت مهنة من لا مهنة له، والعاملون فيها يريدون العيش بعرق الجبين في ظلّ البطالة والأزمة المعيشية والاقتصادية الخانقة».

في نهاية العام 2015، نجا جرادي بعدما انهار سقف صالونه بأكمله، وذلك بسبب قِدم البناء وتسرّب المياه اليه، لم تفلح مراجعاته المتكرّرة لبلدية صيدا في ذلك الحين بتفادي السقوط، جاء صباحاً ليفتح باب محلّه فوجد كلّ شيء على الأرض وقد خسر كلّ أدواته، غير أنّ عشقه للمهنة دفعه إلى تجديدها وإصلاح ما أمكن منها بعد ترميمه وتدعيمه مجدّداً ليواصل مسيرته.

ويؤكّد «لم أندم على تعلّم المهنة، لقد اشتريت منزلاً من الحلاقة، وربّيت أولادي السبعة وعلّمتهم، وما زلت أكسب قوت اليوم وكفاف العيش، أفضل من الجلوس في المنزل، كلّ يوم أستعيد ذكرياتي الجميلة في الحيّ، ولو عاد بي الزمن إلى الوراء سبعة عقود لفعلت ذات الشيء. الرزق يومي ويزداد في المناسبات وخاصة في أعياد الفطر والأضحى ورأس السنة، رغم أنّ الإقبال تراجع بسبب الأوضاع الاقتصادية المزرية».

قبل سنوات ومع اندلاع الازمة الاقتصادية، كثرت صالونات الحلاقة في صيدا بشكل لافت، وخاصة في المدينة القديمة والأحياء الشعبية ذات الإكتظاظ السكاني، واللافت فيها أنّها باتت تأخذ أشكالاً جميلة، تزيّن بالانوار وترفع صور آخر الصيحات، فيما كثر من الحلّاقين المشهورين انتخبوا مخاتير وما زالوا يمارسون العملين معاً، وفق ما يفعل المختاران محمد بعاصيري ونزيه الرفاعي.


MISS 3