أنشال فوهرا

أوكرانيا جدّية في مساعيها لاسترجاع شبه جزيرة القرم

28 شباط 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

جنود أوكرانيون في مقاطعة خيرسون في شمال شبه جزيرة القرم | أوكرانيا، تشرين الأوّل ٢٠٢٢

منذ سنة تقريباً، اتّجه صفّ دبابات بطول 40 ميلاً نحو كييف بأمرٍ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كان هذا الأخير ينوي غزو أوكرانيا خلال بضعة أيام، لكن سرعان ما كشفت هذه العملية نقاط ضعف جيشه. بدل التعبير عن مستوى الإمبريالية الروسية، قد تعكس الحرب اليوم انقلاباً مدهشاً على تلك الطموحات، إذ تفكّر أوكرانيا مع مرور الأيام بإطلاق حملة لاسترجاع شبه جزيرة القرم التي استولى عليها بوتين قبل عقدٍ من الزمن وضمّها إلى روسيا منذ ذلك الحين.

في آذار 2022، كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منفتحاً على مناقشة "التسويات" المرتبطة بشبه جزيرة القرم إذا كان هذا الخيار يضمن إنهاء الحرب وينقذ المدن الأوكرانية من الدمار. لكن في شهر كانون الثاني الماضي، قال زيلينسكي خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، إن "شبه جزيرة القرم أرضنا"، وطلب من الغرب إرسال الأسلحة لاسترجاع تلك المساحة الاستراتيجية.

كانت الإنجازات المُحقّقة في ساحة المعركة كفيلة بزيادة جرأة الرئيس الأوكراني ودفعه إلى محاولة تحقيق الإنتصارات العسكرية قبل التفاوض على أي تسوية. وبما أن روسيا استعملت قواعد في شبه جزيرة القرم لمهاجمة البنية التحتية الأوكرانية مراراً، اقتنعت السلطات في كييف على ما يبدو بأن استرجاع هذه المنطقة ضروري لإنهاء التهديد الذي تطرحه روسيا بطريقة حاسمة.

كان الجنرال المتقاعد بن هودجز، وهو القائد السابق لجيش الولايات المتحدة في أوروبا، من بين أقوى الداعمين لهذه الفكرة، فقد صرّح لوسائل الإعلام الأوكرانية هذا الشهر: "شبه جزيرة القرم مساحة حاسمة. هذا هو الأهمّ. إذا حرّرت أوكرانيا شبه الجزيرة، وهو أمر ممكن هذه السنة بحسب رأيي، ستتلاحق جميع الإنجازات الأخرى تباعاً".

كانت أهمية شبه جزيرة القرم قد تراجعت إلى أدنى المستويات في الخطط العسكرية، فباتت تشكّل البند الأخير على قائمة المهام المرتقبة، حتى أنها تحوّلت في مرحلة معينة إلى ورقة سلام يمكن عرضها على روسيا. لكن خلال الأشهر القليلة الماضية، تحوّلت هذه المنطقة إلى مسار محتمل تفكّر به الحكومة الأميركية لإنهاء الحرب هذا الصيف ومنع روسيا من خوض حرب استنزاف. تنتشر مخاوف كثيرة في واشنطن من أن تزيد صعوبة الحفاظ على دعم الرأي العام للقضية الأوكرانية إذا لم يتّضح تاريخ انتهاء الحرب.

تتعدّد الحجج التي تؤيد أو تعارض الدعم الغربي للمهمة الأوكرانية في شبه جزيرة القرم ولم تتّضح بعد الوجهة التي ستتخذها الولايات المتحدة في نهاية المطاف، لكن يقال إن إدارة جو بايدن بدأت تُعدّل موقفها وتفكّر بهذا الخيار.

يظنّ الخبراء العسكريون أن الهدف الأساسي يتعلّق بعزل شبه جزيرة القرم ثم إطلاق عملية بقوات مشتركة لاسترجاع تلك الأرض بعد إضعاف القوات الروسية. تتطلّب هذه العملية أولاً قطع خطوط الإمدادات الروسية نحو شبه جزيرة القرم، وتحديداً جسر القرم الذي بُنِي في العام 2018 والجسر البرّي المزعوم الذي يمرّ بالمدن المحتلة حديثاً على ساحل بحر آزوف. تتوقف هاتان العمليتان على موافقة الغرب على تقديم أسلحة هجومية طويلة المدى وقدرات متنوعة أخرى.

قامت روسيا ببناء جسر القرم الممتدّ على 12 ميلاً لدعم عشرات آلاف الجنود الروس وعدد من القواعد الروسية، بما في ذلك قاعدة بحرية في مدينة "سيفاستوبول" التي تشمل أسطول البحر الأسود الروسي. (كان جسر القرم قد تضرّر أصلاً بعد انفجار استهدفه في تشرين الأول الماضي خلال هجوم أعلنت أوكرانيا أنها "لم تأمر به"، وتعمل روسيا على إصلاح الجسر). لكن سيكون استرجاع الجسر البري والحفاظ عليه أكثر صعوبة بكثير. تملك أوكرانيا قاذفات صواريخ "هيمارس" التي يبلغ نطاقها 50 ميلاً، ومن المنتظر أن تتلقى قنابل صغيرة القطر ودقيقة التوجيه قريباً، ما يضاعف نطاق عملياتها الهجومية. لكن يمكن استعمال هذه الأسلحة بفاعلية لاستهداف مراكز القيادة، ومستودعات الذخائر، وسكك الحديد والطرقات على الجسر البرّي الذي يربط القوات الروسية شرقاً بالجنوب ويصل إلى شبه جزيرة القرم.

يقول نيل ميلفن، مدير الدراسات الأمنية الدولية في "المعهد الملكي للخدمات المتحدة": "بفضل هذه الأسلحة، تستطيع أوكرانيا أن تهاجم منطقة الممرّ البري [وشمال شبه جزيرة القرم] انطلاقاً من مواقعها الراهنة. وإذا نقلت قواتها إلى تلك المنطقة، قد تسمح هذه الخطوة بمحاولة الاستيلاء على الممرّ". لكن من دون الحصول على قدرات طويلة المدى، قد تواجه القوات الأوكرانية مخاطر كبرى. يضيف ميلفن: "يستطيع الروس أيضاً أن يضربوا القوات الأوكرانية في الممر من بحر قزوين، أو أسطول البحر الأسود، أو حتى من داخل روسيا".

في بداية هذا النوع من العمليات، يظنّ الخبراء العسكريون أن أوكرانيا ستحتاج إلى قدرات هجومية طويلة المدى، مثل صواريخ "أتاكمس" أرض- أرض التي يصل نطاقها إلى 190 ميلاً. كذلك، يجب أن يقدّم الغرب معدّات أخرى للسماح للأوكرانيين بنشر قوة مدرّعة واسعة وقادرة على اختراق خطوط العدو من دون أن تنفجر بهم الألغام أو يَعْلَقوا داخل الخنادق التي حفرها الروس. إذا افترضنا أن هذا الهجوم تَحقّق بالشكل المُخطط له وتزامن مع قطع خطوط الإمدادات الروسية، سيطلق الأوكرانيون في المرحلة اللاحقة هجوماً بقوات مشتركة ضد جميع القوات الروسية المتبقية في شبه جزيرة القرم لهزمها خلال قتال محصور في مساحات محددة ثم إجبارها على الانسحاب.

يظن بعض الخبراء أن هذه الخطة قد تنجح، لكن يشكك آخرون بفاعليتها. أثبت الأوكرانيون في أكثر من مناسبة أنهم محاربون أقوياء وسبق واستهدفوا منشآت روسية متنوعة داخل شبه جزيرة القرم، لكنّ عزل هذه المنطقة المحصّنة التي يحرسها الأسطول البحري الروسي يختلف بشدة عن اختراقها ومهاجمتها والحفاظ عليها.

كذلك، ما من إجماع بين الدول الغربية على تزويد أوكرانيا بأسلحة طويلة المدى. لا يظنّ الكثيرون أن روسيا ستلجأ إلى ضربة نووية تكتيكية، لكن يشعر البعض بالقلق من احتمال تصعيد الوضع وجرّ بلدان غربية أخرى إلى حرب مباشرة إذا استعملت أوكرانيا أي سلاح لإطلاق اعتداءات في أرض روسية.

في الوقت نفسه، تشعر واشنطن بالقلق لأنها لا تملك ما يكفي من صواريخ "أتاكمس" الاحتياطية في حال تعرّضت الولايات المتحدة لهجوم من الجانب الروسي أو من خصم آخر مثل الصين. يأمل الأوكرانيون طبعاً في أن تتجاوز واشنطن مخاوفها من خطوط بوتين الحمراء مجدداً وتتخلّى عن تردّدها، لكن لا تقف المشاكل عند هذا الحدّ.

حتى لو تلقى الأوكرانيون أسلحة طويلة المدى ونجحوا في ضرب القواعد الروسية، ومراكز الذخائر، والجسور، وسكك الحديد، لا مفرّ من أن تتحول أي عملية برية لاحقة إلى حمّام دم. ثمة مدخلان محتملان إلى شبه جزيرة القرم من أوكرانيا: بحيرة "سيفاش" المعروفة أيضاً باسم "البحر الفاسد"، وهي منطقة كبيرة من البحيرات الضحلة التي يستحيل تجاوزها بسبب الأوحال، وبرزخ "بيريكوب" الذي يُعتبر أضيق من أن تصمد فيه أي قوات برية إذا تعرّضت لهجوم روسي.

يقول ويليام كورتني، السفير الأميركي السابق في جورجيا ومستشار البيت الأبيض في الشؤون الروسية خلال عهد كلينتون، إن أوكرانيا ستجد صعوبة في استرجاع شبه جزيرة القرم من الناحية العسكرية، حتى لو تلقّت دعماً غربياً. يضيف كورتني الذي يعمل راهناً في مؤسسة "راند": "يعني غياب أي قدرات قتالية برمائية وقدرة روسيا على سدّ المضيق أن الهجوم سيكون معقّداً على المستوى العسكري، وهو أكثر صعوبة من أي مكان آخر في أوكرانيا".

خلال اجتماع سرّي، أبلغ أربعة مسؤولين من وزارة الدفاع الأميركية لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي بأن القوات الأوكرانية ستعجز على الأرجح عن استرجاع شبه جزيرة القرم في أي وقت قريب. قال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، إن احتمال تحقيق انتصار عسكري أوكراني، "ما يعني طرد الروس من أوكرانيا كلّها لضمّ شبه جزيرة القرم... هو احتمال مستبعد من الناحية العسكرية على المدى القريب".

أخيراً، يُفترض أن تُؤخَذ عوامل أخرى في الاعتبار. تبلغ نسبة السكان من أصل روسي في شبه جزيرة القرم أكثر من 60%، وتشمل النسبة المتبقّية خليطاً من تتار القرم والأوكرانيين. نتيجةً لذلك، لا يمكن استبعاد حصول انتفاضة ضد الحُكم الأوكراني في شبه جزيرة القرم، وتسود مخاوف وشيكة من قتل المدنيين الموالين لروسيا في خضمّ الفوضى المرافقة للحرب. إذا تحقّق هذا السيناريو، يقول ميلفن من "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" إن الأوكرانيين قد يخسرون تفوّقهم الأخلاقي". ونظراً إلى تاريخ شبه جزيرة القرم الفريد من نوعه وتركيبتها السكانية المختلفة، يتساءل عدد كبير من المراقبين عن احتمال تحديد مكانتها في نهاية المطاف عن طريق الدبلوماسية بدل القتال العسكري. لكن لا يناقش الكثيرون في المقابل أهمية زيادة التكاليف المترتّبة على روسيا للحفاظ على شبه جزيرة القرم.

MISS 3