جيمي الزاخم

المسرح والشاشة... علاقة بكعبٍ عالٍ؟

28 شباط 2023

02 : 01

في الحلقة الرابعة والعشرين من المسلسل الكوميديّ الشهير"عيلة 7 نجوم"، يعتذر بديع (أيمن رضا) من مخرج مسرحيّ عن عدم استكمال بروفاته المسرحيّة بعد نيله فرصة "كومبارس" في مسلسل تلفزيونيّ. المخرج ينتفض. يُخيّره بين المسرح أو التلفزيون: "الفنّ أو لا فنّ". هل هذه النظرة واقعيّة؟ هل تُعمَّم؟


في الولايات المتحدة، شُيّدَت المتاريس بين مسرح "البرودواي" وإنتاجات "هوليوود"، في سنواتها الأولى. قبل أن يتخالطا، وتستعين السينما بثروات مَنجَم الممثّل المسرحيّ. هل الأخير يرى المسلسلات عكّازاً، حبّة "أسبيرين"؟ أو أنّ الأعمال التلفزيونية وليمة كاملة بمكوّنات مطابقة للمواصفات الفنّية؟ تحدّثنا عن حرف الواو بين المسرح والتلفزيون، مع ثلاث خامات حملت مواهبَ من حرير بين راحاتٍ مرّغها الورق والخشب. تفسّخت، فأزهرت بين شقوقها، شقائق ضوء وحياة.


جوليا قصّار: لا لتعميم النظرة الظالمة


تتحمّس جوليا قصّار للممثل "القويّ" أينما كان. و"النظرة إنّو ممثل المسرح الشاطر بس لازم يشتغل مسرح هي نظرة خاطئة وظالمة". بصوتٍ مائيّ حازم، تحذّر من تعميم صورة الأكاديمي المسرحيّ المتعالي أو الناقم على الشاشة. "فالبعض بنى هذا الرأي من تجرية خاصّة". تستذكر الكثير من الأكاديميين الذين أتوا إلى الدراما التلفزيونية كأستاذها الراحل شكيب خوري الذي تعاملت معه في أوّل عمل تلفزيوني لها. لكنّ نصيحتَهم الدائمة كانت "تحاشي الوقوع في فخ الاستهلاك والتكرار في الأدوار". في عصر التصنيفات لكلّ شيء، جوليا حاسمة بإيمانها أنّ الممثل - مع ما يحمله في صرّته المهنيّة والذاتيّة - لا يُقيَّم حسب المكان. ولا يجب تأطيره إلّا إذا كان قراره الشخصي المتناغم مع أهوائه، طبعه، راحته وبراعته.



بَنَت جوليا حروف اسمها في المهنة دوراً دوراً. الشاشة الصغيرة حازت القليل. على بساط قرارها بالمشاركة في أي عمل معروض عليها: تفرش النص، المخرج، الشركة المنتجة، فريق العمل وانسجامه. كما أنّ "التوقيت أحياناً ما بيزبط" بسبب تدريسها، في قسم المسرح في معهد الفنون الجميلة، طلّاباً وطالبات يتوجّب أن تكون الأولوية لهم ولهنّ في مجال التمثيل. هذا المجال تتمنّاه قصار، بلهفة المؤمنة وصدق العاشقة، عرساً لا يدخله إلّا مستحقّ تاجه: "فالممثل الشاطر لازم يكون قبل غيرو إن كان دارس تمثيل أو لأ، إذا كان عم يتطوّر ويثابر ويشتغل ع حالو. وفي أمثلة كتير حلوة". حلاوة بطعم الفستق تتذوّقها مع ذكر رصيد جوليا المتحدّثة دائماً "عن كل شي فقط حلو بهالمهنة. وكل شي غير، ما بيهمّني".







غابريال يمّين: المسلسلات التلفزيونية معلّبات جاهزة

«من 15 – 20 سنة، في شي مش تجاري عم ينعرض ع التلفزيون؟ حدا يقلّي العكس!». هذا السؤال كان جواب غابريال يمّين. «مش إذا أنا بشتغل بالتلفزيون، لازم قول إنو الشغل مزبوط». فالأعمال التلفزيونية الراهنة تجنح نحو الاستسهال. لا تروي ظمأ الطموح الفنيّ للممثّل، الذي لا يُحمّله المسؤولية، فهو يعمل في مجال مهنته. «الحقّ مش ع المنتج أو الكاتب أو المُخرج... التلفزيون يلبّي حاجة جمهور بدو شي سهل وجاهز». الإشباع الفنّي الذي يطالب به يمّين ليس صعباً. يُعطي أمثلةً عن أعمال قدّمها التلفزيون اللبناني، شكّلت «حالة فنية مميّزة» كأعماله وكميل سلامة. يستذكر يعقوب الشدراوي و»البؤساء»، إيلي صنيفر»الأخرس» وغيرها. يتحدّث عن «نتفليكس» التي تنتج أعمالاً فنّية رائعة». إذاً يؤيّد المتفائلين وإن بحذر، أن المنصات العربيّة قد تدير كاميراتها لأعمال من مستوى مماثل: «مسلسل «براندو الشرق» مثال عن العمل الفنّي اللي مفروض دايماً يتقدّم. عطيوا الكلّ حرّيتهم».



المسلسلات أساسيةٌ لاستمرارية وعيش الكثير من الممثلين المخضرمين والمبتدئين. باتوا يفضّلون دوراً في مسلسل يؤمّن لهم بوقتٍ أقلّ مردوداً أكثر، على دور بمسرحية «تستغرق تمارينها مدةً طويلة، لتُعرض أياماً محدودة». مشاركة يمّين في بضعة مسلسلات تلفزيونية «طلّعتلي قرشين حطّيت منّن ع إنتاج مسرحيات لطلّابي»: هؤلاء لا ينالون الفرص إلّا بحالات معدودة...



ممثل، مخرج، كاتب ورئيس قسم المسرح في معهد الفنون الجميلة... هو غابريال يمّين... فنان نبيذيّ فاخر، في خوابيه كثيرٌ من كلام وماء تطال العتب أنّ جوهر المسرح غير مُكتَشَف: «يا ريت الإعلام والسياسيين والناس بيفهموا أهمية المسرح بالمجتمع». ويُعطي بريطانيا مثالاً. مواطنوها يحتجّون «وبتسقط حكومات في حال عدم تقديم أعمال مسرحية لشكسبير مرتين أو ثلاث سنويّاً».



كارول عبّود: التطوّر في الدراما جذب الممثّل

وهي طالبة في معهد الفنون، «كانوا الأساتذة يقولولنا أوعا التلفزيون: بتنتزعوا». لكنّ النظرة تغيّرت «فالكثير من أساتذتي اللي كان عندن مآخذ ع شغل التلفزيون، رجعوا مثّلوا فيه أدوار»، بعدما لمسوا التطوّر الدرامي والإنتاجي، مع تقدير مواهبهم واحترام مكانتهم.




خلال دراستها في المعهد، استهلّت كارول عبّود طريقها بمسلسل «نهاية الطريق» على شاشة تلفزيون لبنان. مثّلت عدداً من الأدوار التلفزيونية قبل أن تبتعد لتستكمل دراستها في باريس. وبعد عودتها، غابت موهبتها الصخريّة - الرمليّة عن شاطئ الدراما التلفزيونية: عُرضت عليها أدوار «هي أقلّ بكتير من اللي أنا بقبل فيه». المسرح والسينما ربحاها، وأسّست شركة إنتاج سينمائي لتقدّم «مشاريع بتشبهني».


كلسان حال الجميع، تقارن بين ممثل المسرح اللبناني والأجنبيّ: «نحنا هون كل سنتين تَ نعمل مسرحية. جمهورها ومدّة عرضها محدودين. أمّا برّا فممثل المسرح مكتفي ماديّاً ومعنوياً». تدهور الوضع الإقتصادي وتراجع المسرح، ترافقا مع تقديم شركات الإنتاج أدواراً جذبتها «بينشاف الحال فيهن»، منذ رمضان 2020. فالوضع الدرامي تحسّن: «لا استسهال أو استلشاق على صعيد الإنتاج مع جمهورعربيّ يشاهد مسلسلات من كافّة البلدان. فالكلّ يزاحم لتقديم الأفضل: من الدور، إلى الإنتاج، إلى الإخراج...». تكرّر ما قالته في «الموريكس دور»، عند تكريمها عن دوريها في مسلسلي «أولاد آدم» و»للموت»: «كنت مفتكرة إني جايي على مطرح أنا بعيدة عنّو. ولكنّو مطرح كتير حلو، بيحترم الممثل وقدراته». فقرّرت ألّا تحجب ليرات موهبتها الذهبية عن الشاشة الفضّية، بل تعمل بكل طاقاتها متيقّنةً «إنّو بكرا رح يكون في أدوار أكبر وأهمّ».







MISS 3