جوزيفين حبشي

بتي توتل في "مونو بوز"... الثورة إمرأة!

18 آذار 2024

02 : 05

14 آذار، تاريخ مهم جداً لكثير من اللبنانيين. للأسف لا أستطيع القول لكل اللبنانيين، لأن مشكلتنا الأساسية عدم وحدتنا على قضية وطنية واحدة. في هذا التاريخ العام 2005، حدثت ثورة شعبية تحوّلت حركة مصيرية، رفضاً لكل من حاول الغاء وجودنا، واحتلال كياننا، واغتيال حقنا بالحلم والمستقبل. ثورة في وجه كل من دأب طويلاً على تمرير مصالحه الشخصية، قبل مصلحة البطل الرئيسي في مسرحيتنا الوطنية: لبنان، الذي لم نتمكّن بعد من اسدال الستارة على نهاية سعيدة له.



ليلة 14 آذار 2024 افتتحت بتي توتل مسرحيتها الجديدة Mono Pause على مسرح «دوار الشمس». مسرح بتي بالنسبة الي اصبح خارج التقييم، لأنه الأنجح والأفضل فنياً، والاكثر ملامسة انسانياً وحياتياً. بتي توتل تألقت وادهشت مع الطبيب جاك مخباط في معايشة مزجٍ للواقع الانساني والاجتماعي بقالب طريف ومؤثر، فيه قليل من الوجع المغلّف بكثير من الضحك.

وليس بعيداً عن القراءة الفنية، لدي قراءة شخصية، تلزمني وحدي طبعاً، حول تاريخ الافتتاح، والمسرحية بحد ذاتها. فبعد 19 عاماً على ذاك الـ 14 آذار، وبعد اقل من 4 سنوات على ذاك الـ»4 آب» الذي حطّم مدينتنا، وبعضاً من صلابتنا وايماننا وتشبثنا وسلامتنا النفسية، قررت امرأة اعلان الثورة. تلك المرأة والأم والمعالجة النفسية الغارقة في دوامة حياة خانقة على كافة المستويات الوطنية والاجتماعية والعائلية والزوجية في مسرحية Mono Pause لم تعلن ثورة تقليدية. اعلنت ثورة الاختفاء من حياةِ حياةٍ قضت على كثير من احلامها. قررت الاختفاء من ضغوط ارهقتها، ودولة لم تحم مصالحها، وزوج لم يعد يراها رئيسة لجمهورية قلبه، بل مجرد عنصر أمن داخلي، ودركي وشرطي سير ينظّم حركة الحياة اليومية في منزله، مع اولاد احتلّوا كيانها وسكنوا احلامها ولم يتركوا لاحلامها مكاناً.

امرأة قررت أن تتبخّر كغيمة حلمت ان تقيم عليها مع كل احلامها الوردية التي تمنّت عيشها في اليقظة وليس في المنام، على أمل أن يوقِظ غيابها من نام على حرير، معتبراً وجودها «تحصيلاً حاصلاً»، ومواطن لن يعترض ولن يثور ابداً على وطنه، أفليس وطن المرأة هو قلبها واولادها وعائلتها؟

بتي توتل في مسرحية «مونو بوز» هي كثير من النساء اللبنانيات، ومجدداً لن أقول كل النساء اللبنانيات، لأننا حتى في معايشتنا للوجع الوجودي اللبناني، ومقاربتنا للواقع، لسنا كلنا في سلة واحدة. بتي توتل هي تلك الشريحة الأكبر من تلك المرأة اللبنانية، المرأة الخارقة، المرهقة، المضغوطة، «المهسترة»، المسيطرة على كافة التفاصيل، والواقفة على «سوس ونقطة» من حافة الانهيار، وممنوع عليها حتى التعب، حتى لا ينهار معها كل ما بنته وحمته طوال عمرها. امرأة تبكي فتُضحكنا، تضحك فتوجعُنا، تحلم و»تُكَوبِس»، ترقص وتغني كطائر مذبوح، تهاجمها «العبقات» والهبّات الساخنة والمخاوف، وتمنعها من وضع يدها في «ميّ مسقعة» تبرّد قلبها وتطمئنها الى انها حجر الاساس في وطنها العائلي. امرأة ستعود الى وطنها الصغير، مهما قسى عليها. امرأة لا تريد الطلاق منه، لا تريد الانفصال عنه، فكل ما تريده أن يمنحها pause لتأخذ نَفَسها من وقت لآخر، حتى تستطيع المتابعة في مقاومتها اليومية. أفلسنا كلنا تلك المرأة التي تعشق اسرتها الآسرة لها «مهما تشوف منها»؟ أفلسنا كلنا ذلك المواطن الذي يعشق لبنان ويغني له «احبك مهما أشوف منك ومهما الناس تقول عنك»؟.

بتي توتل، نعم… الثورة امرأة.



ملصق المسرحية




MISS 3