الأرق... هل هو وراثي؟

14 : 16

تعود الدراسات التي تتناول الطابع الوراثي للأرق إلى أكثر من نصف قرن. توجّه الأبحاث الجديدة أصابع الاتهام إلى مئات الجينات، لكنها تكتفي بتفسير جزء من الخطر المطروح.

إذا كنت مصاباً بالأرق، يرتفع احتمال أن يتعرض له أفراد من عائلتك الواسعة أيضاً. يبلغ ذلك الاحتمال 30% على الأقل، وفق مقالة جديدة نُشرت في مجلة "مراجعات الطبيعة ومؤشرات المرض".

يعتبر الباحثون أن الأرق يميل إلى التراكم في العائلات. جرت إحدى الدراسات عن هذا الموضوع في عام 2015، وكانت بقيادة ماكنزي ليند من "معهد فرجينيا لعلم الوراثة النفسي والسلوكي" في كلية الطب التابعة لجامعة "كومونولث فرجينيا" في "ريتشموند"، وقد أشارت إلى أن احتمال نقل مشكلة الأرق بالوراثة يبلغ حوالى 59% لدى النساء و38% لدى الرجال، عند مقارنة أعراض الأرق لدى توائم متطابقة وغير متطابقة.

تكلم ليند عن عمله مع مجلة "ميديكل نيوز توداي"، فقال: "لقد زاد الاهتمام وتوسعت الأبحاث بشأن المعطيات الوراثية المرتبطة بالأرق بكل وضوح في السنوات الأخيرة. لكن تُنشَر الدراسات التي تشمل التوائم والعائلات وتحلل الطابع الوراثي للأرق والأنماط الظاهرية المرتبطة به منذ الستينات".

ما هي الجينات المذنبة إذاً؟

رصد جينات الأرق


من المنطقي أن يصبّ التركيز في البداية على الجينات المعروفة بتأثيرها على النوم، بما أن الأرق يتّسم بصعوبة الاستغراق في النوم أو مواصلته. تكشف بعض الأدلة أن العوامل المذنبة (وتحديداً الجينات المرتبطة بإيقاع الساعة البيولوجية والناقلات العصبية المتعلقة بتنظيم النوم) تؤثر على الأرق. لكن يلفت ليند وعلماء آخرون إلى قلة الأدلة القوية والقابلة للتكرار بشأن تلك الجينات المرشّحة.

خلال آخر سنتين، نشرت مجلة "ميديكل نيوز توداي" تقارير عن بعض الدراسات التي استعملت مقاربة مختلفة لرصد الجينات المرشّحة أو المناطق الوراثية. تحلل "دراسات الارتباط على مستوى الجينوم" كميات هائلة من الرموز الجينية لاكتشاف المواقع المرتبطة بخصائص معينة.

رصدت تلك الدراسات عدداً من الجينات المرشحة الجديدة والمناطق الوراثية، وقد كان بعضها خاصاً بالنساء وبعضها الآخر خاصاً بالرجال.

لكن زاد الوضع تعقيداً في الأسبوع الماضي، حين ظهرت دراستان جديدتان في مجلة "علم الوراثة الطبيعية". فقد تعمقت الدراستان في الجينوم البشري لتحديد المواقع الإضافية التي تخصّ الرمز الجيني المرتبط بالأرق.

من الجينات إلى المناطق الدماغية

في أكبر دراسات الارتباط على مستوى الجينوم حتى اليوم، حلل الباحثون بيانات مأخوذة من مليون و331 ألفاً و10 أشخاص، واكتشفوا 956 جينة في مواقع مختلفة من الجينوم المرتبط بالأرق وبلغ عددها 202.

كان جزء من تلك الجينات مدعّماً في المناطق القشرية والمخطط في الدماغ، لا سيما في الخلايا العصبية الشوكية المتوسطة التي ترتبط بتحليل المكافآت. برز أيضاً رابط مع الخلايا العصبية الهرمية في منطقة العائق التي تُعتبر مهمة بالنسبة إلى معالجة الحوافز الواردة. رصدت الدراسة الثانية 57 موقعاً جينياً يرتبط بالأرق. كشفت النتائج زيادة في التعبير عن 135 جينة في المخيخ، والقشرة الجبهية، والقشرة الحزامية الأمامية، والوطاء، والعقد القاعدية، واللوزة الدماغية والحُصَين.

لاحظ الباحثون أيضاً رابطاً مع نوع من العمليات الخلوية التي تُسمى التحلل البروتيني بواسطة اليوبيكويتين. إنها الآلية التي تستهدف البروتينات للقضاء عليها داخل الخلايا وسبق وربطها العلماء بالأرق.

من الواضح أن الأبحاث تُمهّد لرصد تلك الجينات التي تزيد خطر الأرق الوراثي، لكن لم يبلغ احتمال نقل الاضطراب وراثياً نسبة 100%. ما هي العوامل المؤثرة الأخرى إذاً؟


الضغط النفسي يؤثر على الجينات أيضاً!


حين سُئل ليند عن العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر على احتمال إصابة الناس بالأرق، أوضح أن العوامل البيئية مذنبة في هذا المجال، لا سيما الضغط النفسي. صحيح أننا نتقبل عموماً الرابط القائم بين الضغط النفسي والأرق، لكن لم يتضح بعد ما يحصل فعلياً في الدماغ.

تكثر الأدلة التي تشير إلى قدرة البيئة المحيطة، لا سيما أحداث الحياة العصيبة، على تغيير الجينات التي يتم التعبير عنها في خلايا الجسم، من دون التأثير مباشرةً على الرمز الجيني. تُسمّى هذه الظاهرة علم التخلّق.

كان لافتاً أن تنتقل التغيرات غير الوراثية من الآباء إلى الأبناء، لكن يُقال إن هذه العملية يمكن عكسها أيضاً. بدأ الباحثون يكشفون التأثيرات غير الوراثية على طريقة الجسم في تنظيم النوم والتجاوب مع الضغط النفسي.

باختصار، يحمل الأرق عنصراً وراثياً بارزاً، وقد حدد العلماء حتى الآن مئات المواقع الوراثية ويمكن أن يؤثر كل موقع منها على احتمال نشوء الأرق بدرجة بسيطة. كذلك، قد تؤثر العوامل البيئية على طريقة التعبير عن تلك الجينات، وهذا ما يربط بين أحداث الحياة والأرق قبل ولادتنا وبعدها.


MISS 3