طوني فرنسيس

5 زائداً 1 للبنان!

2 آذار 2023

02 : 00

فرنسا مهتمّة بلبنان وهذا أمر معروف، والآن تواصل اهتمامها، والاجتماع الخماسي الأخير بشأن لبنان ما كان ليحصل لولا باريس وإلحاحها. وباريس تعرف أنّ مشكلة لبنان ليست في قطر ولا السعودية ولا مصر ولا حتى الولايات المتحدة الأميركية. منذ مطلع هذا القرن وهي تنظر إلى طموحات إيران في الإقليم وتواكبها عن قرب. لقد نبّهت في زمن الرئيس جاك شيراك إلى مخاطر غزو أميركا العراق وانعكاساته، وأبلغت واشنطن أنّ «الإطاحة بالنظام العراقي من خلال عملية عسكرية ستفضي بلا شك إلى قلب موازين القوى داخل العالم الإسلامي لصالح الشيعة المحسوبين على نظام الحكم في إيران وعلى حساب السنّة، وتفضي إلى توترات لاحقة... وإلى تسلّم الشيعة المقربين من إيران الحكم في بغداد، وتقوّي نفوذ إيران في سوريا وفي لبنان...».

تحذيرات فرنسا لأميركا حصلت قبل غزو 2003. كانت تنظر إلى موقعها المستقبلي إثر العاصفة الأميركية. لم تخطئ في توقّعاتها فتأقلمت مع الوقائع الجديدة. مخاوف مطلع القرن وتنبؤاته عرضها الدبلوماسي الفرنسي، السفير وأمين عام الخارجية والمبعوث الخاص غوردو مونتانيي في مذكّراته التي أطلعنا الزميل ميشال أبو نجم على جوانب منها في «الشرق الأوسط» يوم الثلاثاء.

يروي الدبلوماسي الفرنسي أنّ بلاده أعادت التواصل مع طهران منذ العام 2003 (عام احتلال بغداد) لثلاثة أسباب حدّدها الرئيس الفرنسي جاك شيراك، «الأول احتواء طموح طهران للحصول على السلاح النووي وتجنّب السباق إلى التسلح في المنطقة، وثانيها النظر في إمكانيات تعزيز التعاون الاقتصادي معها، وثالثها الدفع باتجاه تبني إيران سياسة إيجابية تجاه لبنان».

منذ تلك الفترة كانت فرنسا تعرف تصاعد النفوذ الإيراني في منطقة أفقدها غزو العراق توازنها. أصرّت على استمرار التواصل مع إيران، لكن صديق شيراك اللبناني رفيق الحريري قتل بطنٍ من المتفجرات، وتوسّع نفوذ طهران لبنانياً وإقليمياً عشية توقيع الاتفاق النووي في 2015. يتحدث الكاتب عن زيارة سرّية قام بها إلى طهران (2005) عام مقتل الحريري، وخروجه منها باستنتاح أنّ «ما يهم الإيرانيين هو الإعتراف بموقع ودور إيران الإقليمي» ، ولفته أنّ «أياً من المسؤولين الإيرانيين لم ينطق بكلمة عن إسرائيل» العدو الذي يجب إزالته في الخطاب الإيراني المُعرَّب. ارتاحت إيران بعد اتفاق 2015 لعلاقاتها مع فرنسا والأوروبيين، لكن انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي تسبّب في اهتزاز العلاقات الإيرانية الأوروبية، وعلى مدى سنوات عادت فرنسا إلى دور الوسيط، وقدّمت مع ألمانيا وثيقة كانت الأخيرة قبل الجمود الراهن.

لم ينقطع التواصل الفرنسي الإيراني منذ لجوء الخميني إلى باريس، لكن ما أرادت باريس تحقيقه في لبنان لم يتحقّق. كان نفوذ إيران يتقدّم دائماً، فيما الحركة الفرنسية تصطدم بوقائع جديدة.

الآن تكرّر فرنسا طلب التسهيلات الإيرانية، وسلوكها منذ زيارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يشي بذلك، لكن الثمن الذي ستطلبه إيران سيكون أكبر، والضمانات التي تريدها للنظام، داخلياً وإقليمياً لن تكون بسيطة. وسيبقى لبنان ورقة مهمة في التفاوض على هذه الضمانات. ربما يتطلّب الأمر في النهاية سعياً فرنسياً لتحويل مجموعة الخمس حول لبنان إلى 5 زائداً 1 على غرار ما جرى في اتفاق 2015 النووي، فالجمود يقود إلى حركة ليست محددة الأشكال دائماً، وفرنسا تجهد في خط يمكن توقّع محطاته.


MISS 3