وليد شقير

تشدّد بري والتجرؤ ضد "الثنائي"

3 آذار 2023

02 : 00

التمسك بدعم ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، الذي صدر عن رئيس البرلمان نبيه بري أمس، هل هو نعي لمحاولات إيجاد تسوية على مرشح ثالث بينه وبين رئيس حركة «الاستقلال» النائب ميشال معوض؟ أم أنه رفعٌ لسقف التفاوض طالما يتعذر التوافق مع فريق السياديين وحلفائهم، إمّا على دعم ترشيح فرنجية، أو للتفاهم على غيره، في إطار تسوية خارجية تخرج الرئاسة من عنق الزجاجة؟

كثرت الأسئلة بعد التشدد الذي أبداه بري، رغم معطيات لدى بعض الوسط المسيحي، توقعت أن تتجدد الجهود من قبله لمحاولة إيجاد تسوية تنقذ الجميع من المأزق القاتل.

مع أنّ بعض الأوساط عاب على كلام رئيس البرلمان تعاطيه بالشكل الذي تعاطى به مع ترشيح النائب معوض، على أنّه مرشح «تجربة أنبوبية» لأنّه من غير المألوف أن يصدر عنه، في حق نائب في البرلمان، فإنّ بعض الأوساط المراقبة، الميّالة إلى تسوية على الرئاسة يرجّح بأن الكلام العالي الذي قاله يعود إلى استشعار «الثنائي الشيعي» بأنّ هناك هجمة متصاعدة ضده، تبغي الاستخفاف بدوره في السلطة والمؤسسات، و»تتمادى»، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، الفالتة على غاربها، في توجيه الاتهامات له، في كل شأن وموضوع، مثلما حصل في الإيحاءات عن مسؤولية جهات ترتبط به عن حادث مقتل الشيخ أحمد شعيب الرفاعي انطلاقاً. وهو أمر أثار الثنائي وقيادة «حزب الله»، الذي ادعى على مغردين وإعلاميين لهذا السبب... يُضاف إلى حملة الضغوط الدولية التي يتعرض لها وإيران.

لكن الأبرز، حسب تفسير هذه الأوساط المراقبة لموقف رئيس البرلمان، كان إفشال الكتل النيابية التابعة للثلاثي المسيحي: حزب «القوات اللبنانية»، «التيار الوطني الحر» وحزب «الكتائب» وحلفاء كل منها، محاولة عقد جلسة نيابية عامة قبل 10 أيام تحت عنوان «تشريع الضرورة» لتمرير مشاريع قوانين يعتبرها بري وفريقه مطلوبة من صندوق النقد الدولي مثل الكابيتال كونترول، والمجلس النيابي متهم بالتأخر في إقرارها. وهذا حصل على رغم أنّ بري أبدى استعداداً لتقليص جدول أعمال الجلسة النيابية من أكثر من 60 بنداً إلى عشرة أو أحد عشر.

ثم جاءت جلسة اللجان النيابية المشتركة التي فقدت نصابها يوم الثلاثاء الماضي والتي كانت مخصصة لدرس مشاريع أحالتها الحكومة ومنها تجديد اتفاقية شراء الفيول أويل من العراق، فاعتبر النائب جبران باسيل أنّ مرسوم إحالة المشروع غير شرعي، ثم تضامن ونوابه مع رفض «القوات» تشريع الضرورة في ظل الفراغ الرئاسي وانسحبوا من الجلسة مع «الكتائب» والآخرين. يعني تعطيل الجلستين تعطيل السلطة التي يتولى المكون الشيعي إدارتها، بالتزامن مع رفض انعقاد مجلس الوزراء الذي يديره الموقع السني، في ظل شغور الرئاسة الأولى.

وفضلاً عن أنّ تعطيل الجلسة العامة أحبط إمكان صدور قانون بالتمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، فإنّ كل التطورات المذكورة، معطوفة على النكد السياسي الذي يعم البلد، خلقت استقطاباً طائفياً واحتقاناً غير عادي. من يردّون تشدد بري إلى غضبه من تلاقي الأضداد المسيحيين بمواجهة الموقع الشيعي في السلطة، يعزون ذلك إلى سياق متواصل منذ تلاقي الكتل المسيحية، على رغم تنافرها، على الوقوف ضد انتخاب بري رئيساً للبرلمان، وصولاً إلى امتناع هذه الكتل عن تسمية رئيس للحكومة مرتين، يدعمه الثنائي...

هل يمكن أن يُنسب تشدد بري إلى هذه الأجواء المتشنجة، أم يُنسب إلى أنه لم يلقَ تجاوباً من حليفه «حزب الله» في شأن ما كان يؤمل منه أن يسعى إليه معه، من تسوية على الرئاسة؟ أم أنّ المراهنة التي كان يُعوَّلُ عليها بأن تقترن جهود إنهاء الفراغ الرئاسي مع تسوية إقليمية، فشلت لأنّ المملكة العربية السعودية لا ترى في تولي فرنجية كحليف لـ»حزب الله»، ما يلبي طموحاتها بأن يأتي رئيس يبعد عنها «تآمر» الحزب، كما نقل الرئيس نجيب ميقاتي عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قوله؟ وهذا فحوى ما نشرته «نداء الوطن» أمس.

إذا صحت التفسيرات التي يقدمها بعض الأوساط، لتشدد رئيس البرلمان، يصبح حديثه عن أنّ صراع الموارنة سبب الفراغ، نقيض اتفاق أكثرية نوابهم المحتمل على تعطيل نصاب ثلثي البرلمان لمنع وصول فرنجية. كما أنّ التلميح إلى محاولة تأمين نصاب الثلثين عبر إقناع باسيل بذلك، لانتخاب فرنجية، مناقض للتوصيف الذي قدمه لفراغ الرئاسة، على أنه نتيجة المشكلة بين الموارنة. فالمراهنة على أن يساهم باسيل في النصاب لا تعني إلا المراهنة على انقسام الموارنة (رغم أنّ هذا الانقسام هو مأخذ بري عليهم) في هذه الحال، إذا كان سمير جعجع وسامي الجميل وحلفاؤهما سيبقون على ما أعلناه عن نية تعطيل انتخاب رئيس «المردة». وفي كل الأحوال لا بدّ للثنائي من أن ينزعج من تقليد الأحزاب المسيحية المعارضة له لما كان قادتها ورموز 14 آذار، يعيبونه عليه، أي تعطيل النصاب.


MISS 3