إنجاز في مداواة الإصابات الدماغية

02 : 00

حققت عيّنات صغيرة من نسيج الدماغ البشري المزروع لدى الجرذان للتو إنجازاً مهماً في خضم المساعي الرامية إلى ابتكار طريقة جديدة لمداواة الإصابات الدماغية الخطيرة.

لم تندمج الأدمغة البشرية المصغّرة المزروعة مع نسيج الجرذ الدماغي المحيط بها فحسب، بل بدأت الخلايا العصبية في العضيات تتجاوب مع الحوافز البصرية التي كانت عبارة عن صور بالأبيض والأسود وأضواء تم تسليطها على عيون الجرذان. تحققت هذه النتيجة خلال ثلاثة أشهر.

يقول الطبيب وجراح الأعصاب هان أيزك تشين من جامعة بنسلفانيا: "لم نكن نتوقع بلوغ هذا المستوى من التكامل الوظيفي في هذه المرحلة المبكرة. تكشف دراسات أخرى عن زراعة الخلايا الفردية أن الخلايا العصبية البشرية تبقى غير ناضجة بالكامل بعد زراعتها لدى القوارض بتسعة أو عشرة أشهر".

يزداد تطوّر عملية دمج أجزاء من الأدمغة البشرية (تُسمّى في هذه الحالة العضيات القشرية) مع أدمغة القوارض مع مرور الوقت. كان العلماء يستعملون خلايا عصبية فردية في البداية، لكنهم نجحوا حديثاً في زراعة عضيات قشرية بشرية داخل أدمغة صغار الجرذان وفئران راشدة، وأثبتت التجربة فاعليتها.

اتخذ تشين وفريقه في الفترة الأخيرة خطوة أكثر تقدماً، فزرعوا أنسجة دماغية بشرية لدى جرذان راشدة تعرّضت لإصابات كبرى في القشرة الدماغية لمعرفة مدى قدرتها على بلوغ اندماج كامل.

يوضح تشين: "نحن لم نُركّز على زراعة الخلايا الفردية فحسب، بل على النسيج المزروع أيضاً. تحمل العضيات الدماغية هندسة معينة وهي تشبه بنية الدماغ. تمكّنا من رؤية الخلايا العصبية الفردية داخل هذه البنية لزيادة فهمنا لطريقة اندماج العضيات المزروعة".

لزراعة الأدمغة البشرية المصغّرة، استعمل الباحثون خلايا جذعية مستحثة ومتعددة القدرات ومُعدّلة وراثياً لإنتاج بروتين فلوري أخضر.

أحدث الباحثون في البداية تجويفاً بحجم العضية في دماغ كل جرذ (يبلغ قطره حوالى 2 ملم). كان هذا التجويف يمثّل إصابة دماغية حادة. وبعد إحداث التجويف، دسّ الباحثون العضية فيه وسرعان ما التأمت جراح الجرذان وشُفِيت من إصابتها.

لرؤية طريقة اندماج العضية مع الدماغ بعد التعافي، حَقَن الباحثون عيون الجرذان بفيروسات فلورية تتنقل على طول نقاط الاشتباك العصبي، فتمكنوا حينها من تعقب الروابط العصبية المنبثقة من شبكية عيون الجرذان وصولاً إلى العضيات المزروعة في الدماغ.

حين عُرِضت أضواء ساطعة وصور مؤلفة من شرائط سوداء وبيضاء متقلّبة أمام الجرذان في المرحلة اللاحقة، استعمل الباحثون أقطاباً كهربائية لدراسة النشاط داخل العضية. تجاوب حوالى 25% من الخلايا العصبية البشرية مع التحفيز الضوئي. يوضح تشين: "لاحظنا أن عدداً جيداً من الخلايا العصبية داخل العضية تجاوب مع اتجاهات محددة للضوء، ما يثبت لنا أن تلك الخلايا العصبية العضوية لم تكتفِ بالاندماج مع النظام البصري، بل تمكنت أيضاً من القيام بوظائف القشرة البصرية الدقيقة".

اقتصرت التجربة على ثلاثة أشهر بسبب حدود التثبيط المناعي المطلوب لمنع أجسام الجرذان من رفض النسيج البشري. نفقت الجرذان في نهاية التجربة عن طريق الموت الرحيم.

وبسبب هذه المدة القصيرة، لم تنضج الخلايا العصبية البشرية بالكامل على الأرجح، وهذا ما يفسّر عدم تجاوب الخلايا العصبية بمستوى أعلى مما تحقق برأي الباحثين.

لكن تبقى نتائج التجربة واعدة في هذا المجال البحثي، ويمكن استعمالها لتصميم تجارب مستقبلية وتحسين معاييرها. يوصي فريق البحث باستخدام قوارض ذات مناعة مُثبَطة وراثياً لإجراء دراسات طويلة الأمد.

في النهاية، يستنتج تشين: "تستطيع الأنسجة العصبية أن تعيد بناء المناطق الدماغية المصابة. نحن لم نكتشف جميع المعلومات اللازمة، لكن تبقى هذه التجربة خطوة أولى مهمة. نرغب الآن في فهم كيفية استعمال العضيات في مناطق أخرى من القشرة الدماغية، لا في القشرة البصرية وحدها، ونريد أن نفهم القواعد التي تُوجّه مسار اندماج الخلايا العصبية العضوية مع الدماغ كي نُحسّن سيطرتنا على هذه العملية ونسرّع إيقاعها".

نُشرت نتائج البحث في مجلة "الخلايا الجذعية".


MISS 3