يوسف مرتضى

للنائبين نجاة صليبا وملحم خلف تُرفع القبّعة

6 آذار 2023

02 : 00

إذا عدنا إلى الأوراق السياسية لمعظم المجموعات الثورية التي ولدت من رحم ثورة 17 تشرين، نجد أنّ مقدماتها جميعاً تبدأ بالدعوة إلى التزام تطبيق الدستور من دون استنسابية أو اجتزاء، كمدخل أساسي لبناء دولة القانون والمؤسسات على أنقاض دول «المزرعة» التحاصصية والزبائنية التي أدارتها المنظومة الحاكمة الفاسدة طيلة العقود الماضية وقادتنا إلى الحالة الجهنمية التي نعيش.

وكانت نتائج انتخابات العام 2022 التي تمخضت عن فوز اثني عشر نائباً تغييرياً ترجمةَ للخيار الشعبي التغييري الملتزم بمشروع دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية وبعيداً من الاستقطابات الزعامتية والطائفية. واستبشرنا خيراً بأنّ هذه النتيجة رغم سوء قانون الانتخابات تؤشر فعلياً إلى إمكانية توسيع قاعدة التغيير الوطنية في الاستحقاقات المقبلة.

وكي يتجاوز تأملنا هذا حدود الرغبة إلى الترجمة العملية، يفترض بقوى التغيير المثابرة والبناء على ما أنجز عبر تطوير عملية التنسيق في ما بينها وتصليب جبهتها وفق الرؤى السياسية التي انطلقت منها في خوض الانتخابات النيابية السابقة. وهذا الافتراض أو الدعوة، تشمل نواب التغيير أنفسهم أيضاً والمجموعات التي يمثلونها. لكن للأسف هذا المسار يشوبه حتى الآن الكثير من العثرات، فانعكس تعثّره إحباطاً في الشارع التغييري.

لقد جاءت مبادرة النائبين ملحم خلف ونجاة صليبا لتكرّس معنى الإلتزام بالتعهد المنسجم مع خيار القوى التغييرية الداعي إلى احترام مواقيت الاستحقاقات الدستورية والعمل وفق ما يمليه الدستور، الأمر الذي كنا ننادي به من خارج قبة البرلمان، والتصدي للتعطيل والتلاعب بالدستور الذي دأبت على ممارسته المنظومة بقيادة المايسترو نبيه بري. أما وقد أصبحنا نواباً يقول ملحم ونجاة، فعلينا أن نبادر إلى ممارسة واجبنا في ما طالبنا به عندما كنا خارج الندوة البرلمانية.

على مدى 45 يوماً حتى الآن، النائبان خلف وصليبا، التزما القاعة العامة للمجلس النيابي ومكثا فيها ليلاً ونهاراً مضحيين براحتهما وصحتهما وفاءً لما التزما به أمام ناخبيهما، وتصويباً للعملية الدستورية والممارسة الديمقراطية الحقة في إدارة شؤون البلاد. وجميعنا يدرك أنّ لإطالة أمد الفراغ عواقب وخيمة قد تطيح بما تبقى وهو أقل القليل من الاستقرار الاجتماعي والأمني. فتحية لهما على ثباتهما وعلى ما يقدمانه من نموذج في التربية الوطنية الدستورية.

وللذين يتساءلون عما حققته مبادرتهما، أزعم أنّها أوقفت مسرحية بري «الخميسية»، وكسرت النمطية التي كانت تدار بها الجلسات النيابية، حيث دأب بري على التصرف بالمجلس النيابي كأنه محمية خاصة، أو ملكية فردية.

فضلاً عن أنّها أحرجت العديد من الكتل النيابية التي تتوافد إلى المحلس النيابي دعماً وتأييداً، والمؤسف أنّ 46 نائباً اكتفوا بتوقيع نداءٍ داعمٍ لخطوة ملحم ونجاة من دون الالتزام بمشاركتهما الحضور إلا القليل من نواب التغيير بينهم نائبة التحالف بولا يعقوبيان.

والأهم أنّ مبادرة ملحم ونجاة ترسي ثقافة دستورية عند الرأي العام وهذا أمر أساسي يعوّل عليه في رفع منسوب الوعي بالمواطنة كعامل لا بدّ منه كفعل تراكمي على طريق مسيرة بناء دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية العادلة.

وفي هذا المجال لا بد من توجيه التحية والشكر لـ»تحالف وطني» الذي يثابر على مواكبة صمود ملحم ونجاة ويحشد أسبوعياً قادة رأي من إعلاميين ومثقفين وفنانين وبمشاركة عدد من نواب التغيير وحضور ممثلين لعدد من المجموعات الثورية، في لقاءات حوارية تنشر على أوسع نطاق إعلامي، ما يُسهم في رفع منسوب الضغط على المعنيين من أجل الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية، كمدخل إلزامي لإعادة أحياء دور مؤسسات الدولة المهترئة والتصدي لمعالجة الأزمة المعيشية التي باتت تطبق الخناق على المواطنين.


MISS 3