التقاعد... حسب الدولة والمجتمع والإقتصاد

02 : 00

هل يجب رفع سن التقاعد أم الإبقاء عليه كما هو؟... يبقى هذا أحد أهم الأسئلة التي يتم طرحها في العديد من المجتمعات وتختلف إجابتها بينهم وفقاً للتركيبة الديموغرافية والثقافية لهذه الدول.

فعلى سبيل المثال تظاهر أكثر من مليون شخص مؤخراً في فرنسا ليعبّروا عن رفضهم لخطة الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» لرفع سن التقاعد في البلاد إلى سن 67 لاستحقاق نسبة الضمان الاجتماعي بالكامل، أي الحصول على مكافأة نهاية الخدمة والمعاش كاملين إلا أن الحكومة رفضت بشكل قاطع التراجع عن خطتها في هذا المجال.

ويشير الخبراء في هذا المجال إلى أن أهم عامل يجب وضعه في الاعتبار هو مدى توافر وظائف لهؤلاء بين سن 60-70 سنة بشكل طبيعي وليس مد سن التقاعد فقط، بمعنى أن الوظائف لهذا السن يجب أن تكون مستندة الى خبرات كبيرة.

ولذا فإن استمرار البعض في وظائفهم التي لا تتطلب خبرات أو ما تُعرف بالوظائف محدودة المهارة لسن فوق 60 عاماً سيكون مضراً بالاقتصاد، لأن هذا يعني بقاء الكثير من الشباب دون عمل، بما يزيد الكلفة على الاقتصاد بحصول بعض الشباب على إعانات بطالة.

وعلى الرغم من أن كبار السن يحصلون على معاشهم دون عمل، فإنه يكون حصيلة مساهمات سابقة في الاقتصاد وادخارهم لسنوات، ولذا فإن الأمر يختلف عن إعانات البطالة للشباب.

ويمكن القول إن رفع سن التقاعد هو بمثابة محاولة من جانب المجتمعات التي تعاني الشيخوخة والتي يقل عدد الداخلين فيها لسوق العمل عن الخارجين منه للمحافظة على حجم جيد لقوة العمل لا يجعل عنصر العمل في الإنتاج مرتفع التكلفة إلى الحد الذي يضحي بالميزة النسبية لإنتاج الدولة خارجياً.

أما في الدول التي تتمتع بمجتمع شاب وتزيد نسبة الزيادة السكانية فيها عن 2% فإن زيادة سن التقاعد قد يكون ضاراً بالاقتصاد، لا سيما في ظل تاثيرات تنامي نسب البطالة بين الشباب الضارة بالمجتمع بشكل يفوق أي تاثيرات إيجابية محتملة لتوسيع قاعدة القوة العاملة في المجتمع.

ولذلك فإن سن التقاعد الاختياري الموصى به في الاقتصادات الشابة 56 عاماً وليس 60 حتى، أما في الاقتصادات التي تعاني من التعامل مع مجتمع يشيخ فيزيد سن التقاعد الاختياري ليصل إلى 62 عاماً كاملة أي بفارق 6 أعوام كاملة.

وهذا يعني إطالة العمر الافتراضي الأدنى للموظف (العمر الوظيفي) في تلك الدول الشائخة بنسبة 20% عن مثيلها في الدول الشابة في محاولة لحفظ التوازن ومراعاة استمرار الاقتصاد في النمو، بينما يُنصح بإقرار سن تقاعد إجباري 60 عاماً في الدول الشابة، و65-67 في الدول التي تعاني شيخوخة سكانها.

وتحاول بعض الدول حل تلك المعضلة بإبقاء الأمر اختيارياً بصورة كاملة، لا سيما في ظل رغبتهم في تلافي مضار عمل كبار السن مرغمين على الرغم من رغبتهم في التوقف عن العمل والاستمتاع بمدخراتهم، أو في المقابل رغبة البعض منهم في العمل حتى رغم تجاوز سن التقاعد.

وعلى الرغم من أن هذا الخيار يعد جيداً من الناحية النفسية والإنسانية فإنه في المقابل يقدم خياراً لا يمكن الاعتماد عليه لصناع القرار، سواء في الشركات أو في الدولة ككل حول حجم قوة العمل في الدولة ومدى التغير المنظور فيها على المدى القصير بالذات، لأن الأمر هنا يتوقف على اختيارت شخصية وجمعية لا يمكن الاستناد إليها أو الاعتماد عليها اقتصادياً أو إحصائياً.



MISS 3