عبده جميل غصوب

نتائج عدم التقيّد بأحكام قانون تعديل بعض مواد قانون السرية المصرفية

6 آذار 2023

18 : 11

كثر الكلام مؤخراً على مدى جواز اعطاء التعديلات الحاصلة بموجب القانون رقم 306/2022، تاريخ 3/11/2022 مفعولا رجعيا. لكن الأمور تمّ طرحها في نقاشات سياسية بعيدة كل البعد عن مدلولها القانوني الصحيح، وبعيدا عن المفاهيم القانونية الصحيحة، ما جعلنا نبتعد أكثر فاكثر هذه الايام عن القواعد العلمية الصحيحة. وقد ساهمت " الطلاّت " الاعلامية لبعض الحقوقيين واطلاق العنان من قبل بعض الاعلاميين لأفكار قانونية لا تمت الى العلم القانوني بصلة، في اضفاء جو من الضبابية على نقاط قانونية واضحة لا يُفترض ان تثير اي جدل علمي، سوى ان البعض وضعها في " بازارات " سياسية واعلامية، كنا بغنى عنها، لو تدخل رجال القانون الحقيقيون في كل مرة " يهان " فيها القانون لإعادة تصويب الامور في اتجاهها العلمي الصحيح.


فقانون تعديل السرية المصرفية الجديد أبقى على مبدأ السرية المصرفية وعلى استثناءاته. لكنه ادخل بعض الاستثناءات الجديدة. ورتّب نتائج على عدم التقيد بأحكام القانون الجديد، بعضها ذات طبيعة جزائية وبعضها الآخر ذات طبيعة مدنية.

لقد أثيرت هذه المسألة مؤخرا بالنسبة الى المصارف التي امتنعت عن رفع السرية المصرفية، بناء لطلب صادر عن النائب العام في جبل لبنان القاضي غادة عون ، لناحية تمديد العمل برفع السرية المصرفية عن البعض، حتى بعد تاريخ استقالتهم او انهاء خدماتهم او احالتهم على التقاعد، وذلك طيلة الفترة التي كانوا يتولون فيها مهامهم اعلاه ولمدة خمس سنوات اضافية بعدها. كما تسري على كل من تولى سابقا، أيّا من المسؤوليات الواردة فيها في 23 ايلول 1988 ولغاية تاريخه، بمن فيهم من احيلوا على التقاعد او اصبحوا خارج الخدمة، وذلك وفقا لأحكام كل من القانون رقم 44، تاريخ 24/11/2015 وتعديلاته ( مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب ) والقانون رقم 189 تاريخ 16 تشرين الاول 2020 ( قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الاثراء غير المشروع ) والقانون رقم 175 تاريخ 8 أيار 2020 ( قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وانشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ).

كما نص القانون الجديد على بعض الاستثناءات الجديدة المتعلقة برفع السرية المصرفية بناء لطلب هيئات محددة.

سنعمد في مرحلة أولى الى عرض هذه الاستثناءات لمعرفة طبيعتها القانونية وطرح مسألة مدى جواز اعطاء بعض المسائل التي تضمنها القانون الجديد مفعولا رجعيا. يتم عندها وضع الامور في اطارها العلمي الصحيح ونضع حدا لبعض الاخطاء القانونية الفادحة المرتكبة من بعض الاعلاميين وبعض الحقوقيين ( مع الاسف الشديد ) على وسائل الاعلام، طالبين من المعنيين وضع حد " للطلات الاعلامية" من قبل اهل القانون. فالقانون يكتب ولا يُحكى، كما قلنا سابقا ونكرره الآن؛ لان " الحكي " يبقى متفلتا من كل الضوابط العلمية، فنسيء الى المجتمع كرجال قانون، بدلا من ان نساهم في حمايته عبر الادلاء بالآراء العلمية السديدة.

القسم الاول: الاستثناءات القديمة والمستحدثة على السرية المصرفية

ان الغاية من تعديل قانون السرية المصرفية تتلخص في ثلاثة اهداف:

- تعزيز اجراءات ووسائل مكافحة تبييض الاموال لتمويل الارهاب.

- تعزيز اجراءات ووسائل مكافحة الفساد.

- تعزيز الامتثال الضريبي والحد من التهرب.

ان تحقيق هذه الاهداف الرئيسية الثلاث يشكّل شرطاً اولياً لإعادة لبنان الى الخريطة الاقتصادية الدولية والاّ سيبقى معزولا يتخبط في أزمته التي طالت وبدأت تقضي على أسسه الوطنية والاجتماعية والانسانية كافة.

لم يتخلَ المشترع في التعديل الحاضر عن السرية المصرفية كمبدأ ( أولا )، لكنه ادخل عليه جملة استثناءات ان لجهة دائرة توسيع الاطراف المستثنين منه، أو لجهة رفع السرية، ولجهة عدم سريانها على الادارة الضريبية، بناء لطلب هيئات محددة في القانون ( ثانيا ) ثم حصّن المشترع القانون عبر ترتب نتائج على مخالفته، سواء في مجال افشاء السر المصرفي او في مجال الامتناع عن اعطاء المعلومات المطلوبة من الهيئة التي اولاها القانون صلاحية طلبها ( ثالثا ). وكان لا بد من تعديل الاحكام السابقة التي ترعى " الحسابات المرقمة " ( رابعا ) .

اولا: الابقاء على مبدأ السرية المصرفية

أبقى المشترع في المادة الاولى الجديدة، على مبدا السرية المصرفية معمولا به في التشريع اللبناني. ولكنه، كما في قانون 3/9/1956، لم يطلق على المبدأ تسمية " السرية المصرفية "، بل اخضع المصارف لمبدأ " سر المهنة"؛ وكان الاجدر به الاّ يستعمل مصطلحين يؤديان ذات المعنى، فتعدد المصطلحات ذات المدلول الواحد، غير محبذ في منهجية التشريع السليمة.

وكان المشترع في قانون 3/9/1956 قد أخضع السرية المصرفية لشرط حصول المصارف اللبنانية والاجنبية العاملة في لبنان لموافقة خاصة يعطيها وزير المال لهذه الغاية. الا انة هذا الشرط قد الغي لاحقا، باحكام المادة 139 من قانون النقد والتسليف؛ فأبقي المشترع في التعديل الحاضر على النص المعدل في حالته السابقة .

واستعاد المشترع في القانون الجديد حرفيا احكام المادة 2 من القانون القديم، فذكر في الفقرة (أ) منها ان مديري ومستخدمي المصارف المشار اليها في المادة الاولى وكل من له اطلاع بحكم صفته او وظيفته باية طريقة كانت على قيود الدفاتر والمعاملات والمراسلات المصرفية، يلزمون بكتمان السر لمصلحة زبائن هذه المصارف.

ولا يجوز لهم افشاء ما يعرفونه عن اسماء الزبائن واموالهم والامور المتعلقة بهم لاي شخص فردا كان ام سلطة عامة: ادارية او عسكرية او قضائية، الا اذا اذن لهم بذلك خطيا صاحب الشأن او ورثته او الموصى لهم او اذا اعلن افلاسه او اذا نشأت دعوى تتعلق بمعاملة مصرفية بين المصارف وزبائنها او وفقا للاستثناءات المعددة في المادة السابعة من القانون الجديد.

ثانيا: الاستثناءات:

هناك الاستثناءات القديمة المنصوص عنها في قانون 3/9/1956 (أ) والاستثناءات الجديدة (ب) التي حصرها المشترع بأطراف محددين (1) او بناء لطلب هيئات محددة (2).

كما اكد عدم سريان السرية المصرفية على الادارة الضريبية (3) وعدم تأثيرها على عمل ادارات وموظفي البنك المركزي ولجنة الرقابة على المصارف (4)، والتزام الاشخاص بإبلاغ الادارة الضريبية على المعاملات التي لديهم (5).

أ ـ الابقاء على الاستثناءات القديمة المنصوص عنها في قانون 3/9/1956

استثنى المشترع في القانون القديم، في الفقرة الثانية من المادة الاولى من احكام السرية المصرفية " مصرف التسليف الزراعي والصناعي والعقاري". وقد ابقى على هذا الاستثناء في الفقرة الثانية من المادة الاولى الجديدة . كما أبقى في المادة 2 الجديدة، على الاستثناء المنصوص عنه في المادة الثانية من قانون 3/9/1956، المتمثل بالإذن الخطي المعطى من صاحب الشأن او ورثته او الموصى لهم او اذا اعلن افلاسه او اذا نشأت دعوى تتعلق بمعاملة مصرفية بين المصارف وزبائنها . وأبقى التعديل الجديد على المادتين الخامسة والسادسة من قانون 3/9/1956، حيث نصّت المادة الخامسة منه على جواز الاتفاق مسبقا على اعطاء الاذن المنوه عنه في المواد السابقة في كل عقد من اي نوع كان، وعدم جواز الرجوع عن هذا الاذن الا بموافقة جميع المتعاقدين. ونصّت المادة السادسة من القانون القديم على جواز تبادل المصارف فيما بينها فقط وتحت طابع السرية، المعلومات المتعلقة بحسابات زبائنها المدنية، وذلك صيانة لتوظيف اموالها .

ولكن المشترع في القانون الجديد وسّع مروحة الاستثناءات، فادخل استثناءات جديدة، بموجب المادة السابقة من القانون الجديد.

ب ـ الاستثناءات بموجب القانون الجديد

1 ـ الاستثناءات الجديدة المتمثلة بتوسيع دائرة الاطراف المستثنين من السرية المصرفية

نصّت المادة 2 الفقرة (ب) الجديدة انه لا تطبق السرية المصرفية بالنسبة الى:

- الموظف العمومي: وقد عرفه المشترع في القانون الجديد بانه اي شخص ملزم بتقديم تصريح الذمة المالية المنصوص عنها في القانون رقم 189/2020. ويؤدي وظيفة عامة او خدمة عامة سواء أكان معينا ام منتخبا، دائما ام مؤقتا، مدفوع الاجر ام غير مدفوع الاجر، لدى اي شخص من اشخاص القانون العام او القانون الخاص، على المستويين المركزي واللامركزي، وبشكل عام اي شخص يؤدي عملا لصالح ملك عام او منشأة عامة او مرفق عام او مؤسسة عامة او مصلحة عامة او مال عام، سواء اكان مملوكا، كليا او جزئيا، من احد اشخاص القانون العام، سواء تولاها بصورة قانونية ام واقعية، بما في ذلك اي منصب من مناصب السلطات الدستورية او اي منصب تشريعي او قضائي او تنفيذي او اداري او عسكري او مالي او امني او استشاري والازواج والاولاد القاصرين، والاشخاص المستعارين و / او المؤتمنين و/ أو الاوصياء ، و/أو صاحب الحق الاقتصادي.

- رؤساء الجمعيات والهيئات الادارية التي تتعاطى نشاطا سياسيا وهيئات المجتمع المدني، كما وازواجهم واولادهم القاصرين، والاشخاص المستعارين و/أو المؤتمنين و/أو الاوصياء – و/ أو صاحب الحق الاقتصادي، والمرشحين للانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية كافة، من خلال تملكات متسلسلة او وسائل سيطرة غير مباشرة متسلسلة اخرى او خارجها، عملا بالقوانين المرعية.

- رؤساء واعضاء مجالس ادارة المصارف ومدراؤها التنفيذيين ومدققي الحسابات الحاليين والسابقين، ورؤساء واعضاء مجالس ادارة الشركات التي تدير او تملك الوسائل الاعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة والالكترونية.

تبقى مفاعيل هذه الفقرة سارية على المذكورين فيها حتى بعد تاريخ استقالتهم او انهاء خدماتهم او احالتهم على التقاعد، وذلك عن طيلة الفترة التي كانوا يتولون فيها مهامهم اعلاه ولمدة خمس سنوات اضافية بعدها. كما تسري على كل من تولى سابقا أي من المسؤوليات الواردة فيها في 23 ايلول 1988 ولغاية تاريخه، بمن فيهم من احيلوا على التقاعد او اصبحوا خارج الخدمة، وذلك وفقا لأحكام كل من القانون رقم 44، تاريخ 24/11/2015 وتعديلاته ( مكافحة تبييض الاموال وتمويل الإرهاب )، والقانون رقم 189 تاريخ 16 تشرين الاول 2020 ( قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الاثراء غير المشروع)، والقانون رقم 175 تاريخ 8 أيار 2020 ( قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وانشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ).

2 ـ الاستثناءات الجديدة المتعلقة برفع السرية المصرفية بناء لطلب هيئات محددة

نصّت المادة السابعة من القانون الجديد انه مع مراعاة احكام المادة الثانية منه، لا يمكن للمصارف المشار اليها في المادة الاولى ان تتذرع بسر المهنة او بسرية المصارف المنصوص عنها في هذا القانون، وعليها ان تقدم جميع المعلومات المطلوبة فور تلقيها طلبا من:

ـ القضاء المختص في الدعاوى المتعلقة بجرائم الفساد والجرائم الواقعة على الاموال وفقا لاحكام قانون العقوبات، والجرائم المنصوص عنها في المادة 19 من قانون اصول المحاكمات الجزائية، والجرائم المحددة في المادة الاولى من القانون رقم 44 تاريخ 24/11/2015 وتعديلاته ( مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب ) ، دعاوى الاثراء غير المشروع المقامة استنادا الى القانون رقم 189 تاريخ 16 تشرين الاول 2020 ( قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الاثراء غير المشروع ).

ـ هيئة التحقيق الخاصة بموجب قانون مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب الانف الذكر.

ـ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، استنادا الى القانون رقم 175 تاريخ 8 أيار 2020 ( قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وانشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد )، لا سيما المادة الرابعة منه والمادة الثالثة عشرة من القانون رقم 189 تاريخ 16/10/2020 ( قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الاثراء غير المشروع ).

ـ الادارة الضريبية بهدف مكافحة التهرب الضريبي والالتزام الضريبي والتدقيق، وذلك وفقا لأحكام القانون رقم 44 تاريخ 11 تشرين الثاني 2008 وتعديلاته ( قانون الاجراءات الضريبية ).

ـ كل من مصرف لبنان المنشأ بموجب القانون المنفذ بالمرسوم رقم 13513 تاريخ 1/8/1963 وتعديلاته ( قانون النقد والتسليف )، ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع المنشأتين بموجب القانون رقم 28/67، تاريخ 9/5/1967 وتعديلاته ( تعديل واكمال التشريع المتعلق بالمصارف وانشاء مؤسسة مختلطة لضمان الودائع المصرفية )، وذلك بهدف إعادة هيكلية القطاع المصرفي وممارسة دورها الرقابي عليه. ويمكن للجهات الواردة اعلاه تبادل المعلومات فيما بينها لهذه الغاية. كما يمكن لهذه الجهات، بهدف اعادة هيكلة القطاع المصرفي والقيام بالأعمال الرقابية عليه، ان تطلب معلومات محمية بالسرية المصرفية دون تحديد حساب معيّن او عميل معيّن، بما في ذلك اصدار طلب عام بإعطاء معلومات عن جميع الحسابات والعملاء من دون اسمائهم. ويتم تحديد المعايير والضوابط التطبيقية المتعلقة بالطلبات المقدمة من هذه الجهات بموجب مراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية.

الا ان هذه الطلبات الاخيرة تبقى قابلة للاعتراض امام قاضي الامور المستعجلة من قبل الاشخاص الطبيعيين والمعنويين المعنيين بها. ويكون الاعتراض خاضعا للأصول المقررة بشأن الاوامر على العرائض.

يوقف الاعتراض تنفيذ الطلب الصادر عن احدى هذه الهيئات، الى حين صدور الحكم بشأنه، ما لم يقرر القاضي الناظر بالطلب خلاف ذلك، خلال مدة خمسة عشر يوما.

وفي حال تم استئناف قرار قاضي الامور المستعجلة، يتوقف تنفيذ الطلب بالنسبة للمتضرر المستأنف فقط دون الاخرين، الواردة اسماؤهم في الطلب العام؛ خلافا للنتيجة الناشئة عن الاعتراض، اذ يتوقف عندها تنفيذ الطلب الصادر عن احدى الهيئات اعلاه، بالنسبة لجميع الواردة اسماؤهم في الطلب سواء أكانوا معترضين أم لا .

ثالثا: نتائج عدم التقيّد باحكام القانون الجديد

تترتب على عدم التقيد بأحكام القانون الجديد طائفتان من النتائج: جزائية (أ) ومدنية (ب). تقسم النتائج الجزائية بدورها الى قسمين: النتائج الناشئة عن افشاء المعلومات (1) والنتائج الناشئة عن الامتناع عن تقديم المعلومات (2).

اما النتائج المدنية، فتتمثل في تجميد اموال الزبون والقاء الحجز الحكمي عليها.

أ ـ النتائج الجزائية لعدم التقيد باحكام القانون الجديد

1 – النتائج لناشئة عن افشاء المعلومات

نصّت المادة الثامنة الفقرة (أ) من القانون الجديد ان كل من أفشى او حاول افشاء معلومات محمية بالسرية المصرفية او بيانات استحصل عليها بمعرض تطبيق القانون الجديد وخلافا لأحكامه، يعاقب بالحبس من شهر حتى ثلاثة اشهر، وبغرامة تساوي مئة وخمسين ضعفا للحد الادنى للرواتب والاجور، لغاية ثلاثماية ضعفا للحد الادنى للرواتب والاجور. ويعاقب على الشروع بالجريمة بالعقوبة ذاتها. وتضاعف الغرامة في حال تكرار المخالفة او التمادي فيها.

2 – النتائج الناشئة عن الامتناع عن تقديم المعلومات

نصّت المادة الثامنة، الفقرة (ب) من القانون الجديد ان كل من امتنع عن الاستجابة للطلبات الصادرة وفق المادة السابعة من القانون الجديد، يخضع للعقوبة المنصوص عنها في البند (1) من المادة الثالثة من القانون رقم 44، تاريخ 24/11/2015 وتعديلاته ( مكافحة تبييض الاموال وتمويل الإرهاب ). وتشدد العقوبة، كما تقضي احكام المادة 257 من قانون العقوبات، في حال عدم الاستجابة لأي من هذه الطلبات لفترة تتجاوز الثلاثين يوما من تاريخ ورودها، او في حال التكرار.

لا تحول الملاحقة دون الاستحصال على المعلومات المطلوبة وفق الاصول المنصوص عنها في قانون اصول المحاكمات الجزائية . تحيل اي من الهيئات المنصوص عنها في المادة السابعة من القانون الجديد على الهيئة المصرفية العليا المنشأة لدى مصرف لبنان، المصارف التي ترفض عمدا تقديم المعلومات المطلوبة خلال الفترة المحددة في الطلبات الموجهة اليها لاتخاذ الاجراءات القانونية بحقها، لا سيما تلك المنصوص عنها في المادة 208 من قانون النقد والتسليف، وذلك في مهلة اسبوعين من تاريخ الاحالة. لا تحول الملاحقة القضائية دون حق الهيئات الرقابية والتنظيمية بفرض العقوبات التأديبية والادارية وفقا لأنظمتها وللقوانين التي ترعاها.

ولا تتحرك دعوى الحق العام الا بناء على شكوى المتضرر او الجهات المختصة بطلب المعلومات عن الحسابات المصرفية.

ب ـ تجميد اموال الزبون والقاء الحجز عليها

كانت المادة الرابعة من القانون القديم تنص عن عدم جواز القاء اي حجز على الاموال والموجودات المودعة لدى المصارف، الا بإذن خطي من اصحابها.

كما كانت تنص المادة الخامسة من القانون القديم ذاته عن جواز الاتفاق مسبقا على اعطاء الاذن المنوه عنه في المواد السابقة في كل عقد من اي نوع كان. ولا يجوز الرجوع عن هذا الاذن الا بموافقة جميع المتعاقدين.

أضاف المشترع، بموجب القانون الجديد، الى المادة الرابعة من القانون القديم، فقرة جديدة هي الفقرة (أ) التي نص بموجبها انه، تجمد الاموال بقرار صادر عن هيئة التحقيق الخاصة وفقا لقانون مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب.

كما يلقى الحجز على الاموال بقرار صادر عن القضاء المختص، بحسب المادة السابعة من هذا القانون.

ماذا يعني ذلك ؟

يعني هذا التعديل ان تجميد الاموال بقرار صادر عن " هيئة التحقيق الخاصة " وفقا لقانون مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، اصبح مكرسا ايضا بقانون السرية المصرفية الجديد. فهل هذا التعديل كان لازما ام انه يأتي من قبيل لزوم ما لا يلزم ؟

1 – اضافة صلاحية تجميد الاموال من قبل "هيئة التحقيق الخاصة"

ان هذا التعديل كان لازما لأنه تضمن توسيعا لصلاحية " هيئة التحقيق الخاصة "، اذ ـ بموجب التعديل الجديد ـ اصبحت مختصة بتجميد الاموال، باي دعوى مهما كان نوعها، تتطلب التجميد المذكور وليس فقط في حالة الدعاوى او الملاحقات المتعلقة بمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب؛ اي بعبارة اخرى، اعطيت الهيئة المذكورة صلاحية اضافية، تتجاوز في مداها إطار الملاحقات المتعلقة بمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، لتمتد الى اي حالة اخرى، تستوجب اتخاذ هذا الاجراء. وليست الاحالة الى قانون تبييض الاموال وتمويل الارهاب، سوى احالة اجرائية، اذ تتبع الهيئة ذات الاجراءات ـ في إطار قانون السرية المصرفية ـ المتبعة في مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب. فتكون " هيئة التحقيق الخاصة " قد اعطيت لأول مرة، اختصاصا يخرج عن إطار الغاية الاساسية التي تم انشاؤها لأجلها، وهي مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، لتعطى اختصاصا اشمل يمتد الى اي حالة أخرى، غير الحالة المذكورة، كما بينّاه اعلاه.

كما أضاف المشترع الى المادة الرابعة من القانون الجديد فقرة جديدة هي الفقرة (ب)، تضمنت الحجز على الاموال بقرار صادر عن القضاء المختص، بحسب المادة السابعة من القانون الجديد الى تطرقنا اليها اعلاه.

2 ـ توسيع مدى القاء الحجز على الاموال بقرار صادر عن القضاء المختص

كان القانون القديم في مادته الرابعة ينص ـ كما ذكرنا اعلاه - عن عدم جواز القاء الحجز على الاموال والموجودات المودعة لدى المصارف الا بإذن خطي من اصحابها.

وكان ينص في مادته الخامسة على جواز الاتفاق مسبقا على اعطاء الاذن المنوه عنه اعلاه في المادة الرابعة، في كل عقد وعدم جواز الرجوع عن الاذن المذكور الا بموافقة جميع المتعاقدين.

فاصبح الحجز يلقى - بموجب الفقرة (أ) المضافة الى المادة الرابعة - بقرار صادر عن القضاء المختص.

وهنا نتساءل عن الفائدة من الابقاء على المادة الرابعة من القانون القديم واضافة فقرة جديدة ( الفقرة ب ) فيما يخص القاء الحجز على الاموال والموجودات المودعة لدى المصارف ؟

برأينا وطالما ان التعديل الجديد، اعطى هذه الصلاحية للقضاء المختص، بدون تقييدها باي شرط آخر، فانه كان يقتضي ـ على مستوى المنهجية التشريعية ـ الغاء المادة الرابعة وليس الاكتفاء بإضافة فقرة جديدة عليها ( الفقرة ب )، اذ اصبح الاذن المذكور في المادة الرابعة بصياغتها القديمة من قبيل لزوم ما يلزم. ولذات الاسباب، المتعلقة بالمنهجية التشريعية، كان يقتضي الغاء المادة الخامسة وليس الابقاء عليها عبر عدم التطرق اليها لا من قريب ولا من بعيد.

بقي ان نشير الى ان التعديل الجديد تكلم على حجز الاموال دون حجز" الموجودات " التي تناولها في القانون القديم، كما انه لم يحدد في القانون الجديد – خلافا للقانون القديم – عمّا اذا كانت الاموال الجائز القاء الحجز عليها هي الاموال المودعة لدى المصارف ام جميع اموال المدين ؟

برأينا ان الاموال القابلة للحجز – بمقتضى التعديل الجديد الذي ادخله المشترع على المادة الرابعة بصيغتها القديمة – يشمل جميع اموال الجهة المقصودة بالحجز وليس فقط امواله المودعة لدى المصارف؛ اذ ان النص بصيغته المعدلة، لم يذكر ما يفيد بان الاموال المقصودة بالحجز هي فقط المودعة لدى المصارف، ما يقتضي معه ترك النص على اطلاقه، عملا بالقاعدة الكلية القائلة بان " المطلق يبقى على اطلاقه "؛ فضلا عن الغاية من التشريع الجديد، والحكمة منه Ratio legis المتمثلة في التوسع بمفهوم ونطاق رفع السرية المصرفية.

كما ان تعمد المشترع شطب كلمة " موجودات " من التعديل الجديد، يحملنا على تأكيد موقفنا هذا؛ اذ ان الاموال بصورة عامة Les biens تشمل الموجودات. بينما " الاموال المودعة لدى المصارف"، لا تشمل " الموجودات "، اذ ان هذه الاخيرة، تشمل ودائع الزبون لدى المصارف وما هو عائد له من مقتنيات مودعة في صناديق المصارف الحديدية.

في الخلاصة نقول، بان المشترع في القانون الجديد استحدث " تجميد الاموال"، كأحد آثار الحد من السرية المصرفية وهو اجراء كان غائبا عن القانون القديم. كما أرسى نظاما قانونيا جديدا ومختلفا للحجز على الاموال؛ فألغى – ولو بصورة ضمنية وغير موفقة تشريعيا – الاذن المسبق، ليمنح هذه الصلاحية للقضاء المختص بدون قيد او شرط. وهذا ما ينفي الحاجة العملية تماما الى المادة الخامسة من القانون القديم، التي كان يقتضي على المشترع الغاءها، لعدم الجدوى منها طالما ان صلاحية " القضاء المختص" لم تعد مقيدة باي قيد او شرط.

القسم الثاني: مدى جواز اخضاع بعض الاستثناءات الجديدة لمفعول رجعي:

نصّت المادة 2 الفقرة (ب ) الجديدة انه لا تطبق السرية المصرفية على جملة اشخاص ومن بينهم رؤساء واعضاء مجالس ادارة المصارف ومدراؤها التنفيذيين ومدققي الحسابات الحاليين والسابقين ورؤساء واعضاء مجالس ادارة الشركات التي تدير او تملك الوسائل الاعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة والالكترونية .

وان مفاعيل هذه الفقرة تبقى سارية على المذكورين فيها حتى بعد تاريخ استقالتهم او انهاء خدماتهم او احالتهم على التقاعد وذلك طيلة الفترة التي كانوا يتولون فيها مهامهم اعلاه ولمدة خمس سنوات اضافية بعدها. كما تسري على كل من تولى سابقا أيّا من المسؤوليات الواردة فيها في 23 ايلول 1988 ولغاية تاريخه، بمن فيهم من احيلوا على التقاعد او اصبحوا خارج الخدمة، وذلك وفقا لأحكام كل من القانون رقم 44، تاريخ 24/11/2015 وتعديلاته ( مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب ) والقانون رقم 189 تاريخ 16 تشرين الاول 2020 ( قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الاثراء غير المشروع ) والقانون رقم 175 تاريخ 8 أيار 2020 ( قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وانشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد).

لا بد بادئ ذي بدء من توضيح نقطة اولية وهي ان الجرم المسند الى المخالفين هو جرم "الامتناع عن تقديم المعلومات غير المشمولة بالسرية المصرفية "، وليس جرم تبييض الاموال، كما جاء في ادعاء القاضية غادة عون، اذ ان المادة الثامنة ، الفقرة (ب) من القانون الجديد نصّت ان كل من امتنع عن الاستجابة للطلبات الصادرة وفق المادة السابعة من القانون الجديد، يخضع للعقوبة المنصوص عنها في البند (1) من المادة الثالثة من القانون رقم 44 تاريخ 24/11/2015 وتعديلاته ( مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب ) الخ ؛ ما يعني بان المشترع نص عن الحاق عقوبة جرم تبييض الاموال وتمويل الارهاب بالممتنع عن اعطاء المعلومات. ولم ينزل به الجرم المذكور، اذ ان الجرم يبقى جرم الامتناع عن تقديم المعلومات غير المشمولة بالسرية المصرفية .

اما لجهة المفاعيل الناشئة عن عدم الامتثال لطلب تقديم المعلومات غير المشمولة بالسرية المصرفية، فانه يقتضي التمييز، كما أشرنا اليه اعلاه بين النتائج الجزائية وتجميد اموال الزبون والقاء الحجز عليها. فبينما لا تثير هذه الاخيرة اي مشكلة على مستوى الاثر الرجعي، تنحصر المشكلة في النتائج الجزائية لمعرفة ما اذا كانت جائزة ام انها متعارضة مع مبدأ عدم جواز الاثر الرجعي للقوانين ؟

قبل الاجابة على السؤال، لا بد من وضع المسألة القانونية في اطارها العلمي الصحيح، عندها تأتي الاجابة تلقائية بعيدا عن التعقيد والكلام غير القانوني الصادر في غير محله الصحيح.

فالمسألة محكومة بمبدأين مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات (أ) ومبدأ عدم رجعية القوانين (ب).

أ ـ مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات:

هذا المبدأ منصوص عنه في المادة الثامنة من الدستور اللبناني وهو يشمل على حد سواء الجرم والعقوبة؛ فكل منهما منصوص عنه في نص مستقل في قانون العقوبات.

فالمادة الاولى من قانون العقوبات تنص عن مبدأ شرعية الجرائم، اذ جاء فيها وتحت عنوان "في شرعية الجرائم " انه " لا تفرض عقوبة ولا تدبير احترازي او اصلاحي من اجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه".

اما مبدأ شرعية العقوبات فمنصوص عنه ايضا في المادة الثامنة من الدستور اللبناني. وقد أتى النص عنه في المادة السادسة من قانون العقوبات، تحت عنوان " في شرعية العقوبات "، فجاء فيها انه " لا يقضى باي عقوبة لم ينص القانون عليها حين اقتراف الجرم ".

هذا يعني انه يقتضي توخي الدقة وعدم الخلط بين المبدأين: مبدأ شرعية الجرائم ومبدأ شرعية العقوبات.

فعلى ذلك، وعلى المستوى الجزائي فقط ( دون المدني ) لا يمكن تجريم الامتناع عن اعطاء المصرف معلومات عن افعال حصلت قبل دخول القانون الجديد حيّز التنفيذ وكانت مشمولة بالسرية المصرفية في ظل القانون القديم المعدّل، واصبحت غير مشمولة بالسرية المذكورة في القانون الجديد، عملا بمبدأ شرعية الجرائم.

اما الافعال الحاصلة بعد دخول القانون الجديد حيّز التنفيذ، والتي كانت في ظل القانون القديم المعدّل مشمولة بالسرية المصرفية، وهي لم تعد كذلك في ظل القانون الجديد، فان عدم اعطاء معلومات عنها من قبل المسؤولين في المصرف للقضاء المختص، يشكل جرما جزائيا يخضع للعقوبة المنصوص عنها في البند (1) من المادة الثالثة من القانون رقم 44 تاريخ 24/11/2015 وتعديلاته ( مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب ).

ان ما ذكرناه اعلاه، ليس رأيا قانونيا، بل هو مجرد تطبيق صحيح وتلقائي لمبدأ شرعية الجرائم المنصوص عنه في المادة الاولى من قانون العقوبات.

ان ما قلناه بالنسبة لمبدأ شرعية الجرائم ينطبق ايضا على مبدأ شرعية العقوبات، المستقل عن مبدأ شرعية الجرائم والمنصوص عنه في مادة مستقلة هي المادة السادسة من قانون العقوبات.

فالعقوبة المنصوص عنها في المادة الثامنة، الفقرة (ب ) من القانون الجديد، التي تجرّم كل من امتنع عن الاستجابة للطلبات الصادرة وفق المادة السابعة من القانون الجديد، يخضع للعقوبة المنصوص عنها في البند (1) من المادة الثالثة من القانون رقم 44 تاريخ 24/11/2015 وتعديلاته ( مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب ). الخ.

ان قراءة دقيقة للنص، تعكس حقيقته الواضحة وغير المعقدة ؛ فالممتنع عن اعطاء معلومات عن افعال ، حصلت بعد دخول القانون الجديد حيّز التنفيذ، ولم تعد مشمولة بالسرية المصرفية، كما كانت عليه في ظل القانون القديم، تنزل به عقوبة جرم تبييض الاموال.

اما الافعال الحاصلة قبل دخول القانون الجديد حيّز التنفيذ والتي كانت مشمولة بالسرية المصرفية في ظل القانون القديم ولم تعد مشمولة بها في ظل القانون الجديد، فانه لا يمكن انزال اي عقوبة بشأنها من جراء الامتناع عن اعطاء معلومات عنها، عملا بمبدأ شرعية العقوبات.

هذا في الشق الجزائي، اما في الشق المدني، فيجوز للمشترع اعطاء مفعول رجعي لاي قانون ذات طبيعة غير جزائية، كما سنرى ادناه عند التطرق الى مبدأ عدم رجعية القوانين.

ب ـ مبدأ عدم رجعية القوانين:

ان مبدأ عدم رجعية القوانين قائم في لبنان بالرغم من عدم النص عنه صراحة، لانه مبدأ مسلم به في جميع القوانين بدون حاجة الى نص يقرره.

تتقيد السلطات الادارية والقضائية بهذا المبدأ. ولا يجوز لها اطلاقا ان تخرج عليه. اما المشترع فتختلف سلطته في الخروج على هذا المبدأ في المواد الجزائية، عنها في المواد الاخرى.

في المواد الجزائية، يتقيد المشترع بهذا المبدأ. فلا يمكن النص في تشريع يقرر جريمة جديدة او يشدد عقوبة سابقة، على سريان هذا التشريع على ما ارتكب من افعال قبل نفاذه.

ان تقييد سلطة المشترع بعدم الرجوع الى الماضي بالنسبة للمسائل الجزائية هو من المسائل المسلم بها في الدول الحديثة. وهو يهدف الى ضمان حرية الافراد. وهذا ما يمكن استخراجه من نص الدستور اللبناني على مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في المادة الثامنة منه بقولها انه لا يمكن تحديد جرم او تعيين عقوبة الا بمقتضى القانون. كما نص عنه قانون العقوبات اللبناني في المادتين الاولى والسادسة منه، كما سبق بيانه.

ونص عن المبدأ الاعلان العالمي لحقوق الانسان، الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 10/12/1948، اذ جاء فيه انه يمتنع على الدول والحكام اصدار اي قانون او انزال اي عقوبة بصورة رجعية. فالدول التي وقعت على هذا الميثاق، ومنها لبنان ، ملزمة باحترام هذا النص، مع الملاحظة بانه استثناء على هذا المبدأ ، تسري القوانين الجزائية الجديدة بأثر رجعي اذا كانت أصلح للمتهم .

اما في غير المواد الجزائية، فيجوز للمشترع الخروج على مبدأ رجعية القوانين. فينص صراحة على ان يكون للقانون أثر رجعي، يجعله يسري على الماضي، لانه اذا كانت دواعي العدل والاستقرار في نطاق المعاملات وبث الثقة بالقانون في النفوس، توجب الاخذ بعدم سريان القوانين على الماضي، فان المصلحة العامة للمجتمع، قد تقضي في بعض الاحيان بان يكون للقانون أثر رجعي. فقد يكون في تطبيقها على الماضي فائدة للمجتمع هي أولى بالرعاية من بعض المصالح الخاصة. من الامثلة على ذلك:

في عهد الانتداب الفرنسي، أصدر المفوض السامي قرارا في 31/3/1921، تحت رقم 797، أجاز بموجبه فسخ عقود بيع العقارات التي تمت خلال الحرب العالمية الاولى ( 1914 – 1918 )، لعلة ان غالبية هذه العقود أبرمت في زمن اشتد فيه الضيق والعوز وحصلت مجاعة اودت بحياة الآلاف من الناس. فأضطر الكثيرون الى التفرغ عن عقاراتهم بأبخس الاثمان لدفع خطر الموت عن عائلاتهم. فجاءت تلك العقود مشوبة بعيب الاكراه المعنوي الذي من شأنه افساد الارادة وتعطيلها.

كذلك، نص المرسوم الاشتراعي رقم 7/77 تاريخ 8/2/1977، المتعلق بتنظيم علاقات المالك مع المستأجر على أثر الاحداث الناشئة عن الحرب الاهلية في لبنان، في المادة 24 منه انه "تكون باطلة عقود الايجار المعقودة بين 1/1/1976 وتاريخ العمل بهذا المرسوم الاشتراعي والتي يثبت ان المالك اكره على تنظيمها رغما عن ارادته. وتكون باطلة ايضا كل زيادة طرأت بدون سبب على عقود الايجار خلال الفترة المذكورة في هذه المادة ...".

كما تنص المادة 27 من ذات المرسوم الاشتراعي اعلاه انه " يحدد بدل الايجار بالعملة اللبنانية واذا خالف المتعاقدون هذا الموجب حق لكل من المالك والمستأجر ان يحدد بدل الايجار على اساس سعر النقد الاجنبي المعتمد في تاريخ العقد بتاريخ سعره في سوق بيروت يوم تاريخ العقد ويدفع البدل على هذا الاساس. اما العقود السابقة لتاريخ نشر هذا القانون، فيتم تحويل بدلاتها المحددة بعملة اجنبية بسعرها بتاريخ العمل به".

بعد هذا الشرح التوضيحي ننتقل الى الاجابة على السؤال المطروح، مبدين ما يلي:

1 – ان المفعول الرجعي لا يشمل الفعل بذاته ـ بمعزل عما اذا كان جزائيا او مدنيا ـ بل يشمل اعطاء المرجع القضائي المختص، بعض المعلومات التي كانت مشمولة بالسرية في القانون القديم واصبحت غير مشمولة بها في القانون الجديد.

وهذا تعديل تشريعي يعود للمشترع الحق المطلق في اقراره وفقا لمقتضيات الحال وتلبية للحاجات الاقتصادية والمالية الراهنة.

اذ ان المشكلة تكمن في عدم تطبيق السرية المصرفية، بمقتضى القانون الجديد، على رؤساء واعضاء مجلس ادارة المصارف ومدراؤها التنفيذيين ومدققي الحسابات الحاليين والسابقين الخ. ( وليس المصارف بحد ذاتها )، وان مفاعيل هذه الفقرة من القانون تبقى سارية على هؤلاء حتى بعد تاريخ استقالتهم او انهاء خدماتهم او احالتهم على التقاعد، وذلك طيلة الفترة التي كانوا يتولون فيها مهامهم ولمدة خمس سنوات اضافية بعدها الخ.

اي بعبارة أوضح ان المفعول الرجعي لا يشمل الفعل بحد ذاته، الذي هو الامتناع عن اعطاء المعلومات، بل الفترة التي نشأت فيها هذه المعلومات. وهذا بذاته جائز قانونا. ولكن لا يصح ترتيب اي عقوبة جزائية عن الامتناع عن اعطاء معلومات، كانت سابقا مشمولة بالسرية في ظل القانون القديم واصبحت اليوم غير مشمولة بها في ظل القانون الجديد، لان عدم اعطاء المعلومات في حينه لم يكن بشكل جرم كتم المعلومات، اذ كان مشمولا بالسرية المصرفية، فلا يصح اليوم ترتيب عقوبة جزائية عليه، بعد ان رفع المشترع السرية المصرفية عن المعلومات التي كانت مشمولة بالسرية واصبحت غير مشمولة بها الان في ظل القانون الجديد.

اذن نخلص الى القول بانه يصح للمشترع، في القانون الجديد، كشف السرية المصرفية عن معلومات كانت في ظل القانون القديم مشمولة بالسرية واصبحت اليوم غير مشمولة بها، بمقتضى القانون الجديد.

ولكن لا يجوز ترتيب اي عقوبة جزائية بمقتضى القانون الجديد، عن الامتناع عن اعطاء هذه المعلومات، بل يجب الاكتفاء بترتيب نتائج مدنية عليها منصوصا عنها في القانون الجديد، كما أسلفنا. وقد نص القانون الجديد على جملة تدابير مدنية لا سيما القاء الحجوزات اللازمة وتجميد الاموال، فالمشترع استحدث جرما جزائيا جديدا هو جرم الامتناع عن اعطاء المعلومات بمواضيع لم تعد مغطاة بالسرية المصرفية، كما كانت عليه في القانون السابق. هذا فضلا عن ان القانون السابق لم يكن يجّرم سوى فعل الافشاء عن المعلومات المشمولة بالسرية، دون الامتناع عن اعطاء المعلومات، التي استحدثها القانون الجديد. وهذا جائز للمشترع الذي يملك حرية التشريع في المجالات التي يراها لازمة لخير المجتمع. ويعود له اعطاءها أثراً رجعياً مدنياً وليس جزائيا، اذ لا يمكنه انزال اي عقوبة بصورة رجعية عن عدم اعطاء معلومات، كانت في حينه مشمولة بالسرية ولم تعد اليوم مشمولة بها بمقتضى القانون الجديد، خصوصا وان مبدأ عدم الرجعية قائم في لبنان بالرغم من عدم النص عنه صراحة، لأنه مبدأ عام مسلم به في جميع القوانين بدون حاجة الى نص يقرره. ولكنه يقيّد السلطات الادارية والقضائية ولا يقيّد المشترع الا في المواد الجزائية، كما أتينا على ذكره اعلاه. هذا فضلا عن ان عدم جواز إنزال اي عقوبة بصورة رجعية مخالف للإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 10/12/1948 الذي وقـّع لبنان عليه.

وهذا يحملنا ايضا على القول بانه يحق للمشترع النص عن جرم جديد هو جرم الامتناع عن اعطاء معلومات غير مشمولة بالسرية. ولكنه لا يستطيع ان يعطيه مفعولا رجعيا، بل يطبق على الافعال اللاحقة لتاريخ صدوره . فالمسؤول المصرفي الذي يمتنع عن اعطاء معلومات لم تعد مشمولة بالسرية المصرفية يرتكب جرما جزائيا بهذا الخصوص اذا كانت المعلومات قد نشأت بعد تاريخ دخول القانون الجديد حيّز التنفيذ. اما اذا كانت المعلومات نشأت في ظل القانون السابق حيث كانت مشمولة بالسرية، فان الامتناع عن اعطاء معلومات عنها، لا يرتب سوى نتائج مدنية، دون اي عقوبة جزائية عملا بمبدأ عدم الاثر الرجعي المقتصر على القوانين الجزائية، دون المدنية منها. اي ان الامتناع عن اعطاء معلومات نشأت بعد صدور القانون الجديد ولم يشملها هذا الاخير بالسرية المصرفية، يشّكل جرما جزائيا ( او شبه جرم ). اما الامتناع عن اعطاء معلومات نشأت في ظل القانون القديم حيث كانت مشمولة بالسرية ورفعت عنها في ظل القانون الجديد، فلا يشكل جرما جزائيا، بل فعلا تقصيريا مدنيا، وهو ما يسمى بالجرم ( او شبه الجرم ) المدني.

ان توضيح المفاهيم القانونية ووضع المسألة القانونية المطروحة في اطارها الصحيح، يؤديان الغاية المطلوبة بعيدا عن الغوغائية الحقوقية – الاعلامية ، فنحن رجال القانون، رجال علم قبل ان نكون " ابطال شاشات ". اللهم أبعد عن رجال القانون كأس الاعلام ؟

عبده جميل غصوب

MISS 3