سيلفانا أبي رميا

"خضرجيّة" تجول بفانها الملوّن في شوارع بيروت

فيرونيكا نمر: أحاول نشر الإيجابية

8 آذار 2023

02 : 01

هي مناضلةٌ من نوعٍ آخر، وصبية شغوفة لا تقابل أمثالها أينما ذهبْت، تواعد الفجر بابتسامةٍ وتنطلق بفانها الملوّن منذ ساعات الصباح الأولى لتجول في شوارع العاصمة وتبيع الخضار والفاكهة المنتقاة والمرتبة بدقة، وتصدح موسيقاها المفضلة أينما حلّت زارعةً البسمة على وجوه المارة والزبائن. "نداء الوطن" حاورت "الخضرجية" الشابة فيرونيكا نمر إبنة بلدة الرميلة التي اختارت هجر الغربة والعودة إلى وطنها والعيش هنا بعرق جبينها، فباتت سيرتها على كلّ لسان، وقصة لا بدّ من تناولها بمناسبة يوم المرأة العالمي.

كيف ولماذا قرّرت العودة إلى لبنان؟

بعدما أنهيت دراستي الجامعية وتخرّجت بشهادة إدارة أعمال، أيقنت أنني لم أُخلق لهذا المجال خصوصاً أنه يستدعي منّي الجلوس والانطواء في مكتب خلف شاشة الحاسوب. قرّرت حينها أن أتبع شغفي الذي يراودني منذ طفولتي ألا وهو الطبخ، وعليه سافرت إلى رومانيا في أول فرصة سنحت لي وعملت هناك في أحد المطاعم. إلا أن طريقة التعامل السيئة مع المغترب وساعات العمل الطويلة والتعليقات السلبية هناك جعلت من الغربة سجناً لي، فحزمت أمتعتي وقرّرت العودة إلى لبنان... فمهما كانت الظروف الصعبة، فهُنا وطني والناس التي أحبّ.

كيف خطرت لك فكرة بيع الخضار؟

لدى عودتي إلى بلدي، التقيت ببائع الخضار الذي اعتدت رؤيته في حيّنا طوال 20 عاماً، وراودتني الفكرة المجنونة من دون سابق تصميم، فقرّرت خوض المجال وبيع الخضار على طريقتي الخاصة التي تشبهني.

أخبرينا عن التجهيزات.

كانت صعبة ومعقدة وطويلة من منطلق أنني أدخل مجالاً لا أعرف عنه شيئاً أبداً. بحثت كثيراً حتى وجدت الفان الذي أحلم به. كان في حالةٍ يرثى لها، فأخضعته لكل التصليحات اللازمة، وتعلّمت أصول قيادته، وتركت للفنانة المبدعة نورا داغر مهمّة تلوينه وتزيينه بلوحات الغرافيتي الرائعة والألوان المفرحة التي تبث الأمل والراحة والسعادة، وكتبنا عليه "حِزّك مِزّك" العبارة التي بُتّ أشتهر بها على مواقع التواصل الاجتماعي، على اعتبار أنني أجول الشوارع ذهاباً وإياباً طوال اليوم.

كيف كانت ردة فعل عائلتك تجاه الموضوع؟

على عكس مخاوفي وتوقعاتي، تلقيت الدعم الذي أحلم به وأكثر من عائلتي وأصدقائي وكل من حولي. شكّلوا جميعهم مشكورين حلقة سند لي ودفعةً إلى الأمام.

ماذا عن ردة فعل الناس في الشارع؟

أوّل ما توجهت إلى الشارع كانت الناس تقترب، تستغرب، تضحك وتنهال عليّ بالأسئلة الغريبة العجيبة. أغلبهم كان مشجِّعاً ومقدِّراً لفكرتي وعزيمتي، وباتوا اليوم زبائن دائمين ينتظرون قدومي لشراء احتياجاتهم من الخضار والفاكهة.

هل يعاملك التجار بطريقة مختلفة لأنك امرأة؟

في سوق الخضار، كانت الصعوبة الوحيدة التي واجهتها هي اختيار المحال التي سأجمع منها بضاعتي، إلا أن التجار هناك ابدوا كامل الاحترام والتقدير لما أقوم به. نعم كانوا يعاملونني بطريقة مختلفة لكن إيجابية، فكوني من الجنس اللطيف تنهال علي المعنويات والعبارات المشجِّعة وعروض المساعدة في اختيار وتحميل البضائع ورفع الصناديق.

ماذا عن يوميات "حِزّك مِزّك".

أستيقظ في الصباح الباكر، أنظّف الفان وأجهّزه وأفرغه، ثم أقصد سوق الخضار لاختيار البضاعة وتحميلها وترتيبها في الصناديق. وفي تمام الساعة التاسعة صباحاً أنطلق في بيروت، وأختار كل يوم وجهة معيّنة، أغلبها الأشرفية وسن الفيل وحرج تابت والحمرا والمنصورية. وبموسيقى عالية وألوان فاني المفرحة والضحك والمزح والدردشة مع الزبائن أقضي نهاري ولا أعود إلى حين بيع كل بضاعتي.

هل واجهت سخرية أو انتقادات؟

لن تصدّقوا إن قُلت إنني لم أتعرّض لأي انتقادات أو سخرية، باستثناء واحدة فقط من شخص يبدو أن يومه لم يكن يسير على ما يرام، امتعض من موسيقاي العالية وطلب مني إطفاءها. غير ذلك أنا لا أتلقى من الناس سوى التشجيع والتقدير والإعجاب، حتى أن كثراً يشاركونني النكات والرقص والغناء في الشارع، وهذا ما يعطيني الحافز للاستمرار يومياً بما أقوم به وتحسين مهنتي والتعلّم منها.






هل هذه المهنة كافية لتأمين مصروفك؟

في ظلّ الظروف الصعبة التي نعيشها والغلاء المتزايد في كل شيء وخصوصاً في البنزين، أحاول جاهدةً مراعاة وضع الناس بأسعار السلع التي أبيعها كما والإبقاء على ربحٍ يكون كافياً لتأمين مصروفي والاستمرار في المهنة التي أقوم بها والتي بتّ متعلّقة بها كثيراً، وأصبحت تشكل جزءاً لا يتجزأ من يومياتي.

هل تعتبرين أن مهنتك هذه تنتقص من صورتك كامرأة؟

أبداً، فأنا لا أقوم بهذه المهنة مرغمةً، على العكس، أجول وأبيع بفرح وسعادة وحب لما أختبره فيها. أنا أستمتع بمهنتي هذه وأحاول من خلالها نقل طاقتي الإيجابية للناس التي أقابلها خلال يومي.

ما سرّ النجاح في أي مهنة كانت؟

أؤمن بأن النجاح في أي مهنة، صغيرة كانت أم كبيرة، من المدراء إلى أصغر العمّال، لا يتحقق سوى بالإيجابية والمحبة ومساعدة الآخر.



تجوب بألوانها والضحكة شوارع العاصمة



إلى أين تتجه فيرونيكا بعد بيع الخضار؟

حلمي الأول أن أؤسس نفسي بنفسي، وأن أبرهن أنني أستطيع الوصول لكلّ ما أطمح له. هدفي الأساسي أن أتمكن من عكس طاقتي على من حولي.

أما مهنياً، فأحلم بتحسين القطاع الزراعي في لبنان، وتأسيس شركتي الزراعية الخاصة برؤية جديدة وغريبة. سأصل إلى هناك يوماً ما.



محبوبة الزبائن


ماذا تقولين للنساء في يومهن العالمي؟

في يومها العالمي أقول لكلّ إمرأة: أَحبّي نفسك كثيراً كثيراً، ثقي بها، وأكملي الطريق الذي اخترته بالرغم من الخوف الذي قد يتملّكك ويحملك على التوقف أحياناً، لتحقيق ذاتك. مهما كان عمرك ووضعك الاجتماعي، بالإرادة والعزيمة والإيمان تصلين ولا شيء يمكنه إيقافك.


MISS 3