د. نبيل خليفه

إسرائيل وإيران... على دروب الحرب النوويّة!

9 آذار 2023

02 : 00

لعلّ ما يثير الاهتمام والخشية في الشرق الأوسط، خلال المرحلة الراهنة هو ازدياد الاحتمال بنشوء صراع بين اسرائيل وايران يؤدي، في ما يؤدي إليه، إلى استخدام اسرائيل للسلاح النووي ضد أهداف ايرانية لمنع ايران من تطوير وحيازة قنابل نووية، تعتبرها الدولة العبرية مهددة لوجودها. هذا الاحتمال بل هذا الشعور المتبادل بين الدولتين ليس امراً جديداً، بل كان كامناً في وعي ولاوعي الجانبين منذ انتصار الثورة الفارسية الشيعية في العام 1979.

يومها، ومنذ نزوله في مطار مهاباد في طهران (فبراير 1979) أعلن قائد الثورة الإمام الخميني أنّ هدف الثورة الأكبر هو «محو اسرائيل عن خريطة العالم». ولم تتأخر اسرائيل في الرد على تهديد ايران وعلى لسان آبا ايبان بالقول «قبل ان تشرع ايران بمحونا من الوجود، نكون قد جعلنا من ايران بقايا نتفٍ مبعثرة في زوايا العالم الأربع». وكان المعنى الواضح لهذا الردّ أن اسرائيل ستدمّر ايران البشر والحجر باستخدام السلاح النووي.

كان هذا في أواخر السبعينات من القرن الماضي. وها إن الأمور تعود من جديد إلى حدّتها وخطورتها بين الجانبين في سياق التحوّلات الاقليمية والدولية وفي مقدمها نتائج الحرب الروسية على أوكرانيا وانعكاساتها الاقليمية والدولية، وبشكل خاص على ايران ودورها الجديد في مسار الحرب الروسية – الأوكرانية وانخراطها في خط الثنائي الدولي: روسيا - والصين وبالتالي احتلال مركز جديد ومهم في النظام العالمي الجديد!

1 - إنّ السمة الجيوبوليتيكية المشتركة بين ايران واسرائيل هي في شعورهما بأنّهما تواجهان مخاطر كبرى يمكن وصفها بالمخاطر الوجودية. وعندما تشعر الدولة أنّها تواجه خطراً وجودياً فإنّها تسارع إلى ايجاد الطرق المناسبة لمواجهة هذا الخطر، وعادة ما تكون الوسيلة مسارعة الدولة إلى حماية نفسها بواسطة أسلحة الدمار الشامل التي تواجه بها القوى والدول التي تهدد وجودها ومصيرها. وهو ما فعلته اسرائيل منذ الخمسينات من القرن العشرين في مواجهة الدول العربية (مصر - وسوريا) كونها دولة حاجز بينهما. وما تسعى لفعله دولة ايران منذ الثمانينات من القرن العشرين في مواجهة العرب، ومن ثم اسرائيل على حدّ سواء ذلك أنّ الهلال الشيعي من ايران إلى المتوسط يمر حتماً على حدود الدولة العبرية ويخترق الدول العربية الثلاث: العراق - سوريا ولبنان.

2 - ولقد كشف وزير الخارجية البريطاني جاك سترو عن علاقة تعاون بل تحالف بين اسرائيل وايران خلال حرب الخليج في ثمانينات القرن الماضي بحيث كانت اسرائيل تمد الثورة الايرانية بالسلاح. ورفضت اسرائيل التوقف عن ذلك بناء لطلب دول غربية لسبب واضح وهو أنّ اسرائيل قدرت «أنه على المدى البعيد ايران ليست عدوتها وهي مشغولة بثورتها وأنّ العدو الأكبر هو العراق. وصدّام هدد اسرائيل مراراً وحرّض الشارع العربي ضدها والعراق أقرب جغرافياً إلى اسرائيل من ايران... سيكون لنجاح العراق في الحرب نتائح كارثية على اسرائيل... خاصة وأنّه يتلقى السلاح من الغرب في حين أنّ ايران غارقة في فوضى الثورة». اكثر من ذلك فإنّ ايران هي التي زوّدت اسرائيل بالمعلومات حول مفاعل تموز الذي جرى تدميره بواسطة سلاح الجو الاسرائيلي على بعد سبعة عشر كيلومتراً من بغداد.

تسعة مراكز تطوير نووي

3 - قامت ايران بإنشاء تسعة مراكز لتطوير السلاح النووي. وكان التنوع مقصوداً كي لا تتمكن اسرائيل من إبادة أماكن محدّدة وبالتالي تدمير كامل المشروع النووي الايراني. ومع أنّ تصرفات المسؤولين الايرانيين كانت سلمية ومهدأة بأنّ الثورة لم ولن تستخدم السلاح النووي تطبيقاً للشريعة الاسلامية التي تحرّم مثل هذا الاستخدام. غير أنّ الوكالة الدولية للطاقة النووية أكدت وجود محاولات ايرانية لزيادة تخصيب اليورانيوم بما يسمح في حال بلوغه حدود 90% بانتاج قنبلة نووية.

لهذا سارعت دول الغرب ومجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة النووية إلى اجراء مناقشات مع ايران استمرت لسنوات وانتهت بتوقيع الاتفاق المعاهدة للعام 2015 وفيها حدود لما يمكن لايران أن تخصّبه من اليورانيوم. ولوجود وسائل تابعة للوكالة يمكنها بواسطتها الاشراف على عمل أجهزة النووية الايرانية وعلى تقيدهما بالمعاهدة. لكن ايران استغلت انسحاب اميركا من المعاهدة زمن الرئيس دونالد ترامب وبدأت برفع نسبة التخصيب. وكان من نتائج ذلك اكتشاف جزيئات من اليورانيوم المخصّب بنسبة 83.7% أي أقل بقليل من نسبة 90% النسبة اللازمة لانتاج قنبلة نووية. وقد تم ذلك في مصنع فوردو الواقع تحت الأرض على بعد مئة كيلومتر جنوب طهران.

4 - كان الأمر من الخطورة بحيث تداعت الدول الغربية، والوكالة الدولية للطاقة النووية إلى مواجهة الأمر. فقام المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية بزيارة إلى طهران في 3/‏3/‏2023 وكان المدير رافاييل غروسي يحمل ملفاً شاملاً عن الوضع النووي لإيران وهو وضع أجمعت الدول الغربية على أنه مقلق جداً.

وسيسعى غروسي إلى احياء اتفاق العام 2015، مع إضافة وسائل تفتيش للوكالة داخل المنشآت النووية الايرانية. وترى الوكالة أنّ التطور الكبير والخطير في الحرب الأوكرانية، زاد من امكانية ايران في تخصيب الاورانيوم مستفيدة من الوضعية الجيو- سياسية لكل من روسيا والصين في هذه الحرب. وبالتالي حاجتهما إلى التعاون مع ايران في نطاق المصلحة المشتركة للدول الثلاث. وهكذا استفادت ايران من الحاجة إليها لكي تذهب في رفع نسبة تخصيب اليورانيوم. وقد أعرب مدير وكالة الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز عن قلقه حيال التقدم المفاجئ للبرنامج النووي الايراني وانهم لا يحتاجون سوى لبضعة اسابيع لبلوغ نسبة 90% من التخصيب.

5 - غير أنّ ما يقلق اسرائيل والغرب هو مدى تأثير موقع ايران الجيو- استراتيجي إلى جانب روسيا والصين ما يسمح لها بالقيام بتطوير برنامجها النووي مستفيدة من وجود دولتين كبريين في مجلس الأمن إلى جانبها. ولعل في ذلك ما يفسّر بروز عدة مظاهر نووية منها مظاهر يورانيوم مخصّب في 3 مواقع غير معلنة. كما تسعى ايران، بالاضافة إلى الضغط السياسي والعسكري إلى اعتماد الضغط الاقتصادي حيث تقوم الدول الغربية برفع العقوبات الاقتصادية عن ايران لكي ينتعش اقتصادها وتخرج من وضع الحصار الاقتصادي المفروض عليها.

6 - في الوقت الذي ترفع ايران من مستوى تخصيب اليورانيوم إلى الحد الذي يسمح بانتاج قنابل نووية، تسعى اسرائيل بالتفاهم مع الولايات المتحدة إلى مواجهة هذا الوضع. فإذا كانت اسرائيل مصرّة منذ فترة طويلة بعدم السماح لايران بامتلاك سلاح نووي فإن الرئيس الأميركي الحالي بايدن أكد في أكثر من مناسبة بأن بلاده لم تسمح لايران بامتلاك سلاح نووي. ورداً على قول مدير الوكالة، بعد عودته من طهران، بأنّ استهداف المنشآت النووية الايرانية عسكرياً هو عمل غير قانوني، رد رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو بكلام مقتضب قال فيه: «إن غروسي شخصية لها قيمة أدلت بتصريحات من دون قيمة» !

إنّ زعزعة النظام الدولي وصعود اليمين الاسرائيلي، ومحاولة ايران الاستفادة من الوضعية الحالية إلى أقصى حد، بحيث تقبض من روسيا اليورانيوم والموقف الداعم في آن وذلك مقابل الطائرات المسيّرة التي تستخدمها موسكو في حربها الأوكرانية، كل ذلك يضع ايران واسرائيل على دروب الحرب النووية... ذلك أنّ كل الدروب... تؤدي إلى ذات الهدف!

(*) باحث في الفكر الجيوسياسي


3