رفيق خوري

الثائر والحائر الجائر والخائر

22 شباط 2020

10 : 05

لبنان الشعبي ثائر والرسمي حائر، بإدارة تركيبة سياسية معظمها موزع بين جائر وخائر. والبقية من الدهاة الدهريين الذين يتصرفون كأنهم من أساتذة مكياڤيللي ويعرفون في كل شيء أكثر مما في "الأنسكلوبيديا البريطانية". تركيبة أجبرتها الأزمة العميقة والخطيرة، قبل الثورة الشعبية السلمية، على الخروج من المسرح إلى الكواليس، فجاءت بحكومة عليها التعلم باللبنانيين لمواجهة التحديات. تسأل خبراء في الداخل ومن الخارج عن الطريقة الأقل خطورة لتأجيل سداد "اليوروبوندز" وإعادة هيكلة الدين العام. وتطلب من الدول الشقيقة والصديقة مساعدتنا للخروج من هاوية الأزمة.

والكل جاهز نظرياً. أميركا التي تمسك عملياً بمفتاح صندوق النقد والبنك الدوليين والعرب والغرب. فرنسا التي لا تزال "الأم الحنون" الحارسة لاستثمارات "سيدر". السعودية ودول الخليج صاحبة أعلى رقم في المساعدات، وحيث يعمل عشرات الألوف من اللبنانيين. روسيا التي صارت جارتنا بعد دخولها العسكري في حرب سوريا، وكانت أيام القياصرة والسوفيات متعاطفة مع لبنان. وهي سبق لها تقديم مبادرة حول عودة النازحين السوريين تعلقت السلطة بحبالها، ثم تبين أن موسكو أطلقتها لدفع العرب والغرب إلى المساهمة في تمويل إعادة الإعمار في سوريا من دون ربط المساعدات بالتسوية السياسية التي تصر عليها تلك الدول. وإيران التي هي داخل لبنان قبل أن تكون في سوريا. وكانت ولا تزال تعرض تقديم مساعدات لا يستطيع لبنان قبولها تجنباً لعقوبات أميركية، وتقدم المال والصواريخ لـ"حزب الله".

وما ليس جاهزاً هو لبنان الذي جرى أخذه إلى أعمق هاوية مالية واقتصادية من دون أن يتحمل أحد عملياً المسؤولية ويدفع ثمنها. لبنان المطلوب منه كشرط مسبق إجراء إصلاحات جذرية يجب أن يطلبها أصلاً لنفسه، والخائف من الإصلاحات على مصالح النافذين. لبنان الذي مارس مسؤولون فيه على مدى سنين سوء الإدارة والسياسة والفساد والهدر والسطو على المال العام، وغامر مصرفيون فيه بودائع المواطنين واحتجزوها، والعاجز عن إنقاذ نفسه المراهن على الآخرين لإنقاذه.

ليس غريباً أن تتخوف أوساط من "الوصاية المالية" الدولية على لبنان. الغريب تجاهل كون المسؤولين أوصلوا الناس إلى حد من اليأس جعل كثيرين يحنون إلى أيام الإنتداب الفرنسي أو يطرحون فكرة المطالبة بـ"انتداب دولي". والأغرب أن يدعونا العاجزون في السلطة والمعارضة إلى الرهان على من يصح فيهم قول ميلتون فريدمان: "إذا سيطر البيروقراطيون على الصحراء، فسوف يصبح هناك نقص في الرمل".


MISS 3