رفيق خوري

خسارة لبنان قوته بضرب الطبقة الوسطى

بيل كلينتون الحاكم المغمور لولاية أركنسوه الفقيرة ربح معركة الرئاسة الأميركية بشعار صكه جيمس كارفيل: «إنه الإقتصاد، يا غبي». اما المنافس الخاسر، فانه الرئيس جورج بوش الأب الذي حشد العالم لاخراج الجيش العراقي من الكويت بحرب «عاصفة الصحراء»، وعلى ساعته كانت نهاية الحرب الباردة والإتحاد السوفياتي، بحيث سماه البعض «ملك الكون». اليوم يصدر جيمس كارفيل نفسه وستاد غريبورغ كتاباً تحت عنوان: «إنها الطبقة الوسطى، يا غبي». وهو في جزء منه يبدو كأنه جواب على سؤال طرحه فرنسيس فوكوياما في مقال نشرته «فورين أفيرز»: «ماذا لو كان التطور التكنولوجي والعولمة يدمران الطبقة الوسطى؟». فوكوياما يعتبر «أن أهم تغيير في أميركا والعالم هو انحدار الطبقة الوسطى»، ويسجّل «أن الهوة بين النخبة وبقية الشعب كبرت كثيراً». ومن هنا كان وعد جو بايدن في معركته الرئاسية السابقة التي ربحها هو إلتزام «سياسة خارجية للطبقة الوسطى».

وإذا أخذنا بتقارير الأمم المتحدة، فإن «نصف سكان العالم صاروا من الطبقة الوسطى». لكن لبنان صار خارج هذا التصنيف وفي آخر سلّم البلدان البائسة.

واذا كانت أزماته متعددة، فإن واحدة من الأخطر بينها هي تدمير الطبقة الوسطى بفعل الحرب وسياسات ما بعدها على مدى 49 عاماً. واذا كانت معوقات العودة الى الإزدهار متعددة، فإن في طليعتها فقدان القوة الكبيرة للطبقة الوسطى. ذلك أن نهضة لبنان قامت على سواعد الطبقة الوسطى وعقولها. وما فعله المتخرجون من الجامعات وأصحاب المشاريع الصغيرة الواعدة، والأدباء والفنانون المفكرون والموسيقيون والأكاديميون هو إعطاء لبنان دور «أثينا» الثقافية والفكرية في العالم العربي. لكن ما فعله المقاتلون من كل الأصناف هو عسكرة البلد والإصرار على ان يكون «أسبارطة» القوة ضد طبيعته وتاريخه وهويته وضد التوجهات العصرية والتنموية والحضارية لأشقائه العرب.

والأرقام فلكية ومرعبة. ما جرى انفاقه على ايدي الحكومات من العام 1991 الى العام 2019 وصل الى 240 مليار دولار، ذهب 88 ملياراً منها الى جيوب الأثرياء والنافذين كفوائد للدين العام. وما أنفقته حكومة واحدة هي حكومة الدكتور حسان دياب كان 12 مليار دولار على دعم عدد من السلع ذهب 74% منها الى المحتكرين والتجار والمهربين، حسب تقرير للأمم المتحدة. الأطباء والمهندسون والخبراء التقنيون الذين هم عماد الطبقة الوسطى والإزدهار يهاجرون للبحث عن حياة كريمة ومعهم آلاف الشباب المتخرج من الجامعات. 80% من اللبنانيين صاروا عند خط الفقر او تحته. وما بقي من مواسم زراعية وسياحية، تعرض للدمار او البوار جراء التورط في حرب مع عدو غادر لإسناد «حماس» في حرب غزة. ولا امل في اغتنام اية فرصة لبدء الخروج من هاوية المأزق إن لم نسارع الى تطبيق سياسات على قياس الطبقة الوسطى بحيث تستعيد الزخم والقوة. وهي، لا السلاح، القوة الحقيقية في لبنان. وقمة المؤامرة هي تحويل بلد الطبقة الوسطى الى بلد فقراء تتحكم بهم مافيا ثرية ومستعدة للقتل دفاعاً عن مصالحها ويحميها «وحش لوياثان» الذي تحدث عنه توماس هوبز.

وفي البلد حراك وكثير من الأفكار للخروج من المأزق. لكن «الأفكار ليست سياسات» كما قال وزير الخارجية الأميركي سابقاً دين راسك.