لوسي بارسخيان

الـStreet food يدخل زحلة... من البولفار

11 آذار 2023

02 : 00

تحيك زحلة علاقة عضوية مع الطعام، وتتقدّم سمعتها في صناعته على سائر خصوصيّاتها. فموقع المدينة، ودورها الإداري، والخدمات التي تحتضنها، بالإضافة إلى بيئتها المنفتحة على سائر مكوّنات المجتمع، كلّها عوامل جذبت إليها الإستثمارات في القطاع. وقد شكّلت تنافسيّتها في الماضي وجهة لطالبي التميّز من مختلف أنحاء العالم العربي، بالإضافة الى استقطابها الزبائن من سائر مدن لبنان، قبل أن تبني كلّ منها سمعة مستقلّة في الخدمة المطعمية لاحقاً.

إلا أنّ ما يلفت أخيراً في زحلة هو إتّساع دائرة الإستثمار في الأكل والشرب، وإنما بمفاهيم حديثة، ساهم في إدخال بعضها الشباب، في محاولة لملء الساحة بما يتناسب مع أذواقهم المتبدّلة، ويتماشى مع القدرات المالية المحدودة. «نخاعات» وSALTY هما نموذجان عن هذه المفاهيم الحديثة التي اخترقت السوق التجارية منذ بداية شهر آذار. الأوّل كما يشير إليه اسمه يستنبط أطباق الماضي المفضّلة، ويحوّلها سندويشات سريعة باردة. والثاني يدخل للمرة الأولى فكرة street food إلى خيارات الخدمة المطعمية المتوفّرة في زحلة.

وإذا كان المطعمان هما من أحدث المطاعم بما يقدّمانه، وبتوقيت افتتاحهما في المدينة المصنّفة من ضمن شبكة الأونيسكو للمدن العالمية المتميّزة بالتذوّق، فهناك تحضيرات متزايدة على بولفار المدينة تحديداً لإطلاق تجارب مشابهة. وهذا ما يتناغم أيضاً مع توجّه بلدية زحلة للتوسّع سياحياً في منطقة مقاهي البردوني، عبر تلزيم محيطها لإقامة «كيوسكات» يتوقّع أن تشكّل محطة جامعة لنماذج مختلفة من خدمة street food، وتسهم بالتالي في تنشيط الحركة السياحية واستقطاب الزبائن على مدار أيام السنة.

ما يسترعي الإهتمام في هذه الإستثمارات، هو زمن إطلاقها في ظلّ أزمة إقتصادية خانقة، جعلت من ارتياد المطاعم حتى ولو لشراء سندويش، رفاهية لا يسمح بها معظم الميزانيات. كما أنّ اختيار مواقع هذه الإستثمارات الجديدة بالوسط التجاري للمدينة يثير الفضول، وخصوصاً في ظلّ الشكوى المتزايدة من تراجع حركة روّاده .

فمحلات الطعام المستحدثة تحتلّ أبواباً كانت في الماضي مخصّصة لبيع الملبوسات والأحذية، وهذا ما يعكس رؤية فردية لدور بديل يمكن أن تؤديه زحلة عبر تقديم هذه الخدمات. فبولفار زحلة لم يعد وجهة حصرية لطالبي التزوّد بالملبوسات والأحذية، بينما عدد المقاهي التي نشأت فيه الى جانب الحانات والمطاعم، بات مقصداً لمحيط المدينة، وخصوصاً بالنسبة إلى الأجيال الشابة.

بالنسبة إلى رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب، زبون الإستثمارات المطعمية في زحلة حاضر، وهو برأيه من كل أبناء البقاع الذين يجدون في المدينة متنفّساً من الحرّية. أمّا الأزمة الإقتصادية بالنسبة للمستثمرين في هذا القطاع، فتشكّل نقطة إيجابية لمصلحة زحلة، وخصوصاً بسبب موقع المدينة الوسطي، والذي من شأنه أن يختزل من كلفة الإنتقال عبر المحافظات لارتياد الحانات والمقاهي والمطاعم.

مخاطر الإستثمار

ولكن ماذا عن المخاطر التي يحملها الإستثمار في هذا القطاع بظلّ عدم الإستقرار المالي الذي يهدّد إستمرارية مختلف القطاعات؟

طرحنا السؤال أولاً على فؤاد مسعد، وهو وريث مطعم جورج مسعد، واحد من أقدم المطاعم التي نشأت على بولفار زحلة منذ سنة 1963، بعدما كانت عائلته أول من اخترق عالم صناعة المأكولات منذ سنة 1950. فالمطعم الذي لا يزال يقدّم الأطباق الشعبية منذ أكثر من ستين سنة، نشأ حينها لإرضاء أذواق أجياله الشابة، فصارت المشاوي وصحون الفول والحمص والبليلة والفتّة والفلافل، التي يقدّمها حتّى اليوم بالنكهة نفسها، تقليداً مفضّلاً لدى الأجيال المتعاقبة.

على رغم الكثير من الظروف الصعبة التي مرّ بها لبنان، وزحلة تحديداً التي حوصرت خلال الأحداث اللبنانية، يصف فؤاد مسعد الظرف الذي نعيشه اليوم بالأصعب، والأكثر خطورة على صعيد الإستثمارات. والسبب كما يقول «لا يتعلّق فقط بارتفاع سعر الدولار وتراجع القدرات المالية للناس، وإنما أيضاً بعدم استقرار سعر الصرف الذي يبتلع أرباح المؤسسات». وبرأيه «الحفاظ على الإستمرارية في ظل هذا الواقع يبدو بطولة بحدّ ذاتها»، ولهذا يرى أنّه «ليس مهمّاً عدد المطاعم التي تفتتح حالياً بالمدينة، وإنّما المهمّ من سيصمد منها».

يشجّع مسعد مع ذلك الإستثمار في قطاع تقديم الطعام، ويعتبره الأقل خطورة. ويقول «الناس يحتاجون لأن يأكلوا أيا كانت أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، خلافاً لمعظم الكماليات التي يمكن الإستغناء عنها ولو ظرفياً». ويحدّد مسعد ثلاثة مبادئ أساسية للنجاح والإستمرارية: «الإستقامة والجودة والنظافة»، ويعتبر أنها معايير لا يمكن المسّ بها، وهي التي تكسب المكان زبائن دائمين، مشدّداً على أنّه «حتى بظلّ الأزمة التي نعيش لا أحد يرغب في تناول طعام أقلّ جودة ممّا يتوقّعه».

إنطلاقاً من هذا الواقع تشرح روديكا عطالله واحدة من صاحبتي مطعم SALTY أنّها كانت وشريكتها لبيبة صالح أمام خيار واضح، إما أن تمضيا بحلمهما في تأسيس مطعم يرضي ذوقهما في ما يرغبان بتناوله، وإما أن تنتظرا الظرف المناسب الذي لا تعلمان موعد حلوله.

مراعاة نمط الشباب

وروديكا ولبيبة هما من المستثمرات الشابات في هذا القطاع، لا خبرة سابقة لهما في عالم المطاعم، إلا أنّ فكرتهما إنطلقت كما تقول روديكا من حاجة لملء الفراغ الذي لمستاه في تقديم خدمة مطعمية أكثر مراعاة لنمط حياة الشباب. فكانتا المبادرتين لإدخال «الستريت فود» الى زحلة للمرة الأولى. وتعتبر روديكا «أنّ هذا النوع من الخدمة يمكن أن يضيف حيوية على بولفار زحلة، خصوصاً أن معظم المحلات التي تبيع المأكولات السريعة تغلق باكراً، بينما نحن سنفتح حتى ساعة متأخرة من الليل». بالنسبة لها «المغامرة أفضل من أن نغرق في فكرة «ماذا لو». ولذلك طحشنا بمشروعنا، مع أنّ الوضع ليس جيداً، وقد تسبّب في عرقلتنا في كثير من المحطات، ولكنّنا وضعنا هدفاً بأن ننجح وسنفعل ذلك».


MISS 3