عماد موسى

14 آذار: كان زمان

13 آذار 2023

02 : 00

في ذلك اليوم العظيم، قبل ثمانية عشر عاماً، شاهد مرشد الجمهورية اللبنانية الأعلى وصاحب السماحة حجم الحشد الذي ملأ وسط بيروت والشوارع المحيطة به، وتأكد بما لا يقبل الشك، أن تنظيمه الحديدي، بروافده الشعبية، بعقيدته الغيبية، وبمقدّراته المالية، وبامتداداته الإيرانية، بإيديولوجيته الصلبة، بوحداته النظامية، بمقاتليه، بمتطوعيه، بتحالفاته الثابتة والظرفية، لا يمثّل قطعاً أكثرية اللبنانيين. وجاءت إنتخابات الـ 2005 لتؤكد المؤكد، وانتخابات الـ 2008 كذلك. ومُنعت الأكثرية من ترجمة تفوقها في انتخابات الرئاسة، خلفاً للرئيس الممددة ولايته إميل لحود.

في ذلك اليوم العظيم. أردتُ أن يشهد ولداي المولودان قبل العام 2005 على حدث مجيد في تاريخ لبنان المعاصر، يوازي إستقلال 1943، كانا دون القدرة على استيعاب المعنى، لكن الصورة سترافقهما كل العمر. لم نتمكن، كعيلة، من الوصول إلى قلب المشهد الإحتفالي.عشناه في وجوه الآخرين وعبر الأثير.

هناك فرق بين أن تشاهد كطفل بأم العين غابة الإعلام، وتسمع صدى الحناجر، وبين أن تتفرج على صور وفيديو أو تصغي الى ما يرويه الوالد "المنحاز"، كما أصغت ابنتي المولودة بعد ثورة الأرز، أي كلام يُقال اليوم عن 14 آذار، فيه مقدار من الخيبة. فالجمهورية، بفضل تراكم الإنتصارات واوهام العظمة، تكاد تصير خارج العصر، عصر العلم والحرية والإنفتاح والحب والثقافة والإنفتاح والعدالة والتقدم. جمهورية متحللة فاشلة.

في ذلك اليوم العظيم، كان جماعة 8 آذار غير مصدّقين ما يرونه، والنظام السوري غير مصدّق، ورئيس الجمهورية اللبنانية غير مصدّق أن الحشد المليوني يريده أن "يفلّ" وأن النواب الذين أُجبروا على التمديد له يريدونه أن "يفلّ"، وكانوا أكثرية. تشبث بالكرسي وخرج من القصر إلى عزلته. كالجنرال شارل ديغول. الفارق أن ديغول ما كان عنده حوض سباحة على سطح البيت.

ذهب ذلك اليوم ولن يعود. أمرٌ طبيعي ألّا يعود. ذهب 14 آذار آخذاً معه روح جبران غسّان تويني، وشجاعة سمير قصير، وهامة الشيوعي الديمقراطي جورج حاوي ونبض بيار الجميل وكاشف هوية "القديسين/القَتَلة" وسام عيد... وغيرهم ممن حذفهم الحقد من الوجود، وأوجدهم الموت في التاريخ المعاصر أسماء تورق ورق الكتب.أسماء لا تموت.

14 آذار كان زمان. خوفي أن يكون كذلك.


MISS 3