سناء الجاك

صاحبنا وصاحبهم

15 آذار 2023

02 : 00

لا صلابة لصبغة الانتصار التي نشطت أبواق محور الممانعة في تلوين الاتفاق السعودي/ الإيراني بها. تبدو مائعة، غير أصلية، تبوح بها نبرة يشوبها قلق وتوجس لاحت من عبارة «صاحبنا لا يغدر». وكأنّ فيها اتهاماً لصاحب الآخرين أنه يغدر. مع أنّ التاريخ القريب يؤكد عكس ذلك، وتحديداً في لبنان، حيث طغى الغدر والاغتيالات والالتفاف على التوافقات والانقلاب على التعهدات في سيرة الأذرع والأبواق.

أو كأنّها جرعة من الاطمئنان وطرد الشك والريبة يرددها قائلها لنفسه أولاً، ولمن انساق معه في شعارات التكفير والتهديد والتشنيع بصاحب الآخرين الذي بات في حسابات مشغِّله، أكثر من صاحب. هو الشريك القوي الذي يفرض شروطه، ويراقب بعقل وروِّية وثقة تنفيذها والتزام الطرف الآخر بها ليبني على الشيء مقتضاه.

والأهم، هو المنقذ من الانهيار الوشيك، ومن الانعزال والحصار. فالإشارات جليَّة، والمنتعش اقتصادياً بمجرد الإعلان عن الاتفاق لن يراهن على الإخلال بالشروط. على الأقل ليس في المرحلة الراهنة. مصلحته تتطلب ذلك، وعليه الالتزام بما يتطلبه الاتفاق لينجح. فالفرصة الذهبية الراهنة قد لا تتكرر. وهذه الفرصة ليست مقايضة سخيفة بين طرفي الاتفاق، قوامها أنّ ما يعطى في اليمن يؤخذ مقابله في لبنان.

لا شيء يشي بمثل هذه المعادلة. والتوافق الأولي بشأن لبنان قد يربك «المنتصرين» أكثر مما هم مرتبكون. وليس تفصيلاً أن يغرد السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني بما يصب في مضمون تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عقب الاتفاق بأنّ «لبنان يحتاج إلى أن يعمل على تقارب لبناني/ لبناني وليس على تقارب إيراني سعودي».

بالطبع، لا يعني هذا التوافق أنّ إيران ستتخلى عن لبنان، فهو لا يزال ورقتها وساحتها وبابها إلى البحر المتوسط، ولكن يمكن تطويع هذه الورقة بما لا يسبب التصادم مع المصالح المستجدة المشتركة بموجب الاتفاق، وبما ينزع من درّة تاجها وذراعها الأقوى في المنطقة بعض الصلاحيات التي كانت مطلوبة.

وعلى «المنتصرين» أن يتوقفوا ويعقلوا، لا أن يجنحوا إلى التشبث بمكتسبات فائض القوة وإرغام الأطراف السياسية على التوافق بالإكراه، والإمعان في شل البلد وتوليد الأزمات، والانتقال من مرحلة القتل البطيء للشعب بالإفقار والتنكيل بسعر صرف الليرة والقضاء على قدرة الناس على الاستشفاء والتعليم، حتى يصبح على القوى الداخلية والخارجية القبول بإملاءاتهم سعياً إلى الإنقاذ ووقف هذه الجرائم الموصوفة.

وإن كان التسرع غير مطلوب في المرحلة الراهنة، يبقى أنّ عاملَين اثنين لطالما ابتز بهما المحور المجتمعَين العربي والدولي، قد بهت وهجهما، وأدواتهما فقدت جدواها: الأول المعلق بمواجهة إسرائيل من جنوب لبنان، بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين الجارتين العدوتين، الذي أصبح وثيقة برتبة المعاهدة في وثائق الأمم المتحدة. والثاني الاعتداء على السعودية، سواء على خلفية الادعاءات الكاذبة في ملف اليمن أو ملف الإرهاب، بعدما بطلت مفاعيل مثل هذه الادعاءات، وبعدما بدأت طريق الحرير تصبح حريرية بالفعل والقول.

بالتالي، يصبح فائض القوة فائضاً لا وظيفة له، ويبدأ عده التنازلي. وقد يتحول عبئاً على «صاحبه» إن هو أخلّ بالتوازنات التي تتطلبها المرحلة المقبلة. وعلى رأس المنظومة في لبنان أن يتعظ. عليه كذلك أن يتوقف عن نغمة «صاحبنا وصاحبهم»، «فالزلزال السياسي»، كما وصف الاتفاق مستشار المرشد الإيراني، الجنرال يحيى رحيم صفوي، يرسي معادلة «صديق صديقي»، الناسفة لجدوى الشحن الغرائزي والاستفزازي في البيئة الحاضنة. فهذه البيئة باتت معرضة لزلزال عقائدي في ضوء الانقلابات على المواقف المعلبة والخطاب التحريضي الذي لم يعد من متطلبات خط الحرير وأصحابه.


MISS 3