جنى جبّور

صوم اللاتين يبدأ غداً

الموارنة يتماهون مع اللاتين ويتميّزون عن كاثوليك الشرق

25 شباط 2020

04 : 00

طقس ماروني
صحيح أنّ الموارنة ينتمون الى الكنيسة الكاثوليكية الجامعة، الّا أنهم يختلفون بعاداتهم عن كاثوليك الشرق، فعبارة "اذكر يا إنسان أنك من التراب والى التراب تعود"، ترجمــت بالأمــس بـرتبة "اثنين الرماد" الذي يغيب عن بقية الطوائف الشرقية والغربية باستثناء اللاتين الموجودة عندهم ولكن بصيغة مختلفة.


أذكر يا إنسان


أمس، بدأ الصوم عند الموارنة، مع رتبة تبريك الرماد ورسمه بشكل صليب على جباه المؤمنين. رتبة نقلتها الكنيسة المارونية المشرقية عن الكنيسة اللاتينية، لارتباطها مباشرةً بروما، كتقليد مسيحي لا علاقة له بالليتورجيا نهائياً.

ولم تنشأ هذه الرتبة من قبيل الصدفة بل نتجت عن تقليد عريق في الكنيسة ينبع من الكتاب المقدّس، فالمراحل الصياميّة الكبــيرة في العهد القديـــم، كان يرافقها رشّ الرماد على الرأس وبكاء ونحيب. أمّا وضع الرماد على الرأس فهو علامة توبة وحزن في العهد القديم، وزمن الصوم هو الزمن المؤاتي للتوبة. يرسم إثنين الرماد طريقاً نحو الجلجلة والموت والحزن، ومن ثم الانتصار والقيامة والفرح، ويذكرنا المطران بولس الصيّاح بصيغة سفر التكوين عندما قال الرب لآدم، بعد الخطيئة الأصلية: "بعرق جبينك تأكل خبزك، إلى أن تعود للأرض التي خرجت منها: لأنك تراب وإلى التراب تعود" (تك 3، 19).

ويقول: "لهذه الجملة التي نرددها عند رسم اشارة الصليب على جبين الموارنة غاية أساسية تكمن بأعمال التقوى والحصول على غفران الخطايا والابتعاد عن الخطيئة والعادات السيّئة. أمّا الرماد المرافق فهو رمزٌ إلى سرعة عطب الإنسان وإلى إمكانية عودته كلّ لحظة إلى التراب".

أربعاء الرماد

يختلف موعد بداية الصوم الأربعيني في الكنيسة اللاتينية التي تتبع التقويم الغربي عن الكنيسة المارونية، فغداً الأربعاء، هو اليوم الأول للصوم الكبير عند اللاتين، وبدل "إثنين الرماد"... "أربعاء الرماد".



...ولكبار السنّ صليب من رماد (رمزي الحاج)



كذلك، يستخدم الكهنة صيغة أخرى في خلال "ترميد" المؤمنين، فيرسمون شارة الصليب قائلين "توبوا وآمنوا بالانجيل". وعن سبب بدء الصوم يوم الأربعاء (اليوم 46 قبل يوم القيامة)، يفسر الأب ميشال عبّود أنّ "الصوم الكبير عند اللاتين يمتدّ على أربعين يوماً تُذكّر في العهد القديم بالأربعين عاماً من زمن خروج الشعب العبري من مصر إلى "أرض الميعاد"، وتذكّر أيضاً بالأربعين يوماً من صيام يسوع المسيح في الصحراء قبل بداية رسالته.

ولكي تتطابق فترة الصوم مع الأربعين يوماً فعلياً دون احتساب الآحاد (لانه يوم الرب) حيث لا صوم فيها، تم تأخير بداية فترة الصوم من الإثنين إلى يوم الأربعاء الذي يليه، ودعي أربعاء الرماد، بما أنّ صومنا يبدأ بالرماد (رمز التوبة الذي استعمل كثيراً في العهد القديم) ويتكلل بالصليب والقيامة.

تنوع التقاليد المسيحية وتعددها، يغني الكنيسة، وفي وقت "يَترمد" الموارنة مع بداية الصوم، يحافظ الروم الكاثوليك على الطابع الشرقي للكنائس التي انبثقوا منها، بكل بساطة لانّ "الطقوس اللاتينية لم تدخل الى كنيستهم"، بحسب المطران الياس حداد، الذي أثنى على الرمزية الروحية "لاثنين الرماد"، مشيراً الى أنّه "لا يوجد بديل عن إثنين الرماد بالنسبة للروم الكاثوليك، ونكتفي بالصوم فقط، فهو يبعد الانسان عن الأمور الأرضية ويحفزه لاستبدالها بالأمور الروحية".

موعظة الجبل

للروم الأرثوذكس، نظرة مختلفة لرتبة تبريك الرماد غير الموجودة في تقاليدهم، وبرأي الأب ابراهيم سعد أنّ "الرماد يرمز الى الموت بينما الصوم عندنا يتعلق بالقيامة. في القديم، كان يرمز الرماد المنثور على الوجوه الى الصوم، الّا أنّ يسوع المسيح انقد هذه الخطوة في موعظة الجبل بحسب انجيل متّى( 21-16:6): قالَ الربُّ يَسوع: «مَتَى صُمْتُم، لا تُعَبِّسُوا كَالمُرَائِين، فَإِنَّهُم يُنَكِّرُونَ وُجُوهَهُم لِيُظْهَرُوا لِلنَّاسِ أَنَّهُم صَائِمُون. أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُم قَدْ نَالُوا أَجْرَهُم،

أَمَّا أَنْتَ، مَتَى صُمْتَ، فَٱدْهُنْ رَأْسَكَ، وَٱغْسِلْ وَجْهَكَ لِئَلاَّ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّكَ صَائِم، بَلْ لأَبِيكَ الَّذي في الخَفَاء، وأَبُوكَ الَّذي يَرَى في الخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيك

لا تَكْنِزُوا لَكُم كُنُوزًا على الأَرْض، حَيْثُ العُثُّ والسُّوسُ يُفْسِدَان، وحَيْثُ اللُّصُوصُ يَنْقُبُونَ ويَسْرِقُون

بَلِ ٱكْنِزُوا لَكُم كُنُوزًا في السَّمَاء، حَيْثُ لا عُثَّ ولا سُوسَ يُفْسِدَان، وحَيْثُ لا لُصُوصَ يَنْقُبُونَ ويَسْرِقُون".

مضيفاً: "يدل الصليب المرسوم على جبين المؤمن أنه صائم، وهذا لا يجوز. وتختلف التقاليد الشرقية عن تلك الغربية، فمثلاً، يقوم أهالي بعض القرى اليونانية بنزهة في الطبيعة في اليوم الأول من بداية الصوم للدلالة على فرحهم ببداية هذا الزمن المقدس".





كذلك، إنّ رتبة الرماد غير موجودة عند الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، فبحسب المطران جورج قصارجي "تندرج ضمن العادات اللاتينية، ولكنها رتبة روحية طيبة، تذكر الانسان بضرورة التوبة والتجرد والابتعاد عن الشر".

"إثنين المسامحة"

"إثنين المسامحة" بدل الرماد... رتبة خاصة بالكنيسة السريانية الأرثوذكسية في اليوم الأول من بداية زمن الصوم، حيث يجتمع جميع الكهنة والإكليروس والمؤمنين في الكنيسة، لمسامحة بعضهم البعض، برمزية واضحة للتوبة ليكون الصوم مقدساً على الجميع.

أمّا رتبة الرماد، فغير موجودة حرفياً عند السريان الأرثوذكس، ولكنهم يصومون "صوم نينوى"، بحسب المطران دانيال كوريه، الذي فسر قائلاً "يصوم شعبنا 3 أيام من دون أكل أو شرب، في الاثنين الثالث قبل الصوم، تشبهاً بيونان الذي صام 3 أيام، وهو بمثابة تنبيه المؤمنين الى ضرورة الاستعداد للصوم الكبير، ولتذكر أهل نينوى الذين تابوا وأتوا من التراب".