باسمة عطوي

بحث حثيث عن مخارج إحتيالية آمنة... لكن الأوروبيّين بالمرصاد الشديد الوطأة

إقتراب ساعة حقيقة سلامة... والمنظومة مرتبكة جداً

16 آذار 2023

02 : 01

*سياسيون أخذوا مسافة من القضية والرجل… وآخرون قد يكرّرون مشهد إجهاض تحقيق المرفأ

*هناك من بدأ يقتنع بأن سلامة كبش محرقة وأنه لا بد من محاكمة علنية تُفتح فيها ملفات 30 سنة

*المحاكمة في الداخل أهون الشرور بالنسبة للمتورّطين مع سلامة… فهنا يمكن ضبط إيقاع "الإعترافات"

*المحاكمة في الخارج غير مضمونة النتائج بالنسبة لزعماء وساسة ومصرفيين متورّطين… جدّاً

*هناك تقدير لثروات بنحو ملياري دولار يمكن استرجاعها لشعب فقير ينقصه الدواء والغذاء

*القضاة الأوروبيون فضحوا ألاعيب في القضاء المحلي الذي سارع لحفظ ماء الوجه ولو قليلاً

*مراجع في الخارج تتابع القضية عن كثب وتعتبر أن محاسبة المنظومة تبدأ من مفتاح سلامة 



حضر القضاة الاوروبيون امس الى قاعة قصر العدل في بيروت لاستجواب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تنفيذاً للاستنابة القضائية الأوروبية، كما حضر قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، ورئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر، ولم يحضر سلامة.

وحدد القاضي أبو سمرا العاشرة والنصف من صباح اليوم الخميس، موعداً جديداً للاستماع الى رياض سلامة، بعدما رفضت النيابة العامة التمييزية وقاضي التحقيق أبو سمرا المذكرة التوضيحية التي تقدم بها سلامة، وأثار فيها أن حضوره امام قضاة دوليين في لبنان والتحقيق معه بملفات مالية يتعارض مع السيادة الوطنية، واعتبرا أن تنفيذ الاستنابات الدولية «لا يتعارض مع القانون اللبناني ولا ينتقص من السيادة اللبنانية».

وبعد تغيّب حاكم «المركزي»، أعاد استدعاءه قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا ومن المرجح أن يحضر اليوم كما سربت مصادره، خصوصاً أن أبي سمرا أعلن «أنه في حال عدم حضور سلامة، سينفذ استنابة قضائية، بالتالي يعود للقضاء، اتخاذ القرارالمناسب»، والمقصود هنا القضاء المحلي كما الأوروبي.

تطور جديد



وشهدت محاولات محاسبة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تطوراً جديداً ايضاً يوم أمس الاربعاء تمثّل بتقدم الدولة اللبنانية بشخص رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر بادعاء شخصي بحقه، بجرائم الرشوة والتزوير وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي. وفي تفصيل الادعاء، فهو شمل الى جانب سلامة، شقيقه رجا، ومساعدته ماريان الحويك، وكل من يظهره التحقيق. وطلبت القاضية بموجب الادعاء اتخاذ إجراءات عدة في حق المدعى عليهم، بينها «توقيفهم وحجز أملاكهم العقارية وتجميد حساباتهم المصرفية»، إضافة الى «تجميد حسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين لدى المصارف اللبنانية والأجنبية» ومنعهم من التصرّف بعقاراتهم.

هناك سؤال

والسؤال هو: هل هناك من يجزم بأن هذه الخطوة ستؤدي فعلاً الى الاقتصاص منه أو تحويله الى «كبش محرقة» (كما يقول هو)، أم أنها وسيلة من وسائل اطراف في المنظومة السياسية (الشريكة له في ارتكاباته)، في تأمين مخرج ما آمن له؟

عدم امكانية حسم الجواب نابعة من أن هذه الخطوة تقع في إطار تحقيق محلي بطيء جداً وغير واضح المسار والمآل. وكان بدأ التحقيق قبل عامين بشأن ثروة سلامة ومصدرها، ويسير بشكل منفصل عن التحقيقات الأوروبية التي تركز على العلاقة بين مصرف لبنان وشركة «فوري»، المسجلة في الجزر العذراء والمستفيد الاقتصادي منها رجا سلامة شقيق الحاكم. ولعبت الشركة دور الوسيط لتسويق سندات خزينة ويوروبوندز مقابل عمولات جرى تحويلها من مصرف لبنان إلى حسابات رجا سلامة في الخارج. ثم عادت معظم تلك العمولات الى بيروت ويرجح انها عادت لتدخل او تحول الى حسابات رياض سلامة وآخرين في الداخل والخارج.

مصادر تابعة أكدت لـ»نداء الوطن» أن هناك إرباكاً شديداً لدى عدد من رعاة سلامة في مواقع القرار. بعضهم يحاول التنصل منه لانهم يرون انفسهم براء مما هو منسوب اليه من تهم حتى الآن، والبعض الآخر متوجس جداً لأن هناك ما قد يصل اليه بشكل او بآخر اذا فتحت كل الملفات، فضلاً عن اطراف ترفض محاكمة سلامة لوحده لأنه كان خادم المنظومة كلها منذ 30 سنة. الى ذلك هناك اسئلة كثيرة عن ربط قضية سلامة بنظرة الاوروبيين الى المسؤولين اللبنانيين الساعين لطلب المساعدة من المجتمع الدولي للخروج من الازمة المالية الخانقة. وقال ديبلوماسي: «هناك تقدير لثروة سلامة ومتورطين معه بنحو ملياري دولار، فاسترداد هكذا مبلغ ليس تفصيلاً بالنسبة لبلد غارق في ازمات نقص دواء وقمح!». مصادر أخرى تقول: «بعض الصقور في المنظومة لا يعبأون بهكذا ملف مهما كان فضائحياً، فهم أمراء حرب كانوا ولا زالوا بنفس الذهنية رغم ربطات عنقهم. ولنا في تحقيق المرفأ المثال الذي قد نشهده من جديد وصولاً الى التهديد بالحرب الاهلية. الى ذلك، هناك من يفضل المحاكمة (اذا كان الرجل متهماً فعلاً) في الداخل لأنه أهون الشرور بالنسبة للمتورطين مع سلامة، فهنا يمكن ضبط ايقاع «الاعترافات»، أما المحاكمة في الخارج فغير مضمونة النتائج بالنسبة لزعماء وساسة ومصرفيين متورطين... جداً.

على صعيد متصل، أكد قانونيون أن القضاة الأوروبيين فضحوا ألاعيب في القضاء المحلي الذي سارع لحفظ ماء الوجه ولو قليلاً عندما اصر على حضور سلامة اليوم، كما ان مراجع في الخارج تتابع القضية عن كثب وتعتبر ان محاسبة المنظومة تبدأ من مفتاح سلامة ربما.

الكك: سيستخدم أساليب لكسب الوقت وحفظ الهالة... لكن الحقيقة ستظهر

من جهتها تؤكد أستاذة القانون المتخصّصة بالشأن المصرفي سابين الكك لـ»نداء الوطن» أن «ملف سلامة فتح ولن يتم اقفاله بسهولة»، شارحة أنه «في المسار القضائي هناك دفوع شكلية يتمّ اللجوء اليها، وشهود ومهل وطلبات اخلاء سبيل، والمختصون في القانون يعرفون ان هذه الاجراءات بديهية، وهي تستغل وتستثمر في لبنان، مثل دعاوى الرد لإطالة أمد الدعوى والتهرب من المثول امام القضاء».

وتشدد على أنه «في النهاية، في أي ملف قضائي سواء في لبنان أو خارجه هناك دفوع شكلية يمكن للمتهم استعمالها وهي من وسائل الدفاع، لكن برأيي يمكن للحاكم القيام بالخطوات القانونية التي يريدها، لكن اذا كان ملفه في عهدة أياد أمينة على تحقيق العدالة لللبنانيين، يجب أن تظهر الحقيقة».

تضيف: «يمكن أن لا يحضر اليوم الخميس، وسيحاول المستحيل كي لا يمثل أمام القضاء اللبناني، لأن حضوره يكسر الهالة التي يحيط بها نفسه. سلامة يريد ان يكمل ولايته تحت هالة معينة ومثوله أمام القضاء كسر لهذه الهالة، وهناك كثر لا يريدون كسرها ايضاً وليس هو فقط خصوصاً في هذا التوقيت. والأكيد انه يتم التفتيش عن طريقة للخروج الآمن له وللمتورطين معه».

توضح الكك أنها «ليست متابعة لسير التحقيقات الاوروبية حول تورط سلامة بجرم تبييض الاموال، لكن ردة فعل الوفد الاوروبي في حال رفض سلامة المثول أمامهم، ستكون أقسى من ردة فعل القضاء اللبناني، لأنهم يعملون بجدية واستقلالية اكبر ويضعون حداً للأمور»، مشيرة الى «أنهم يعلمون بأن وسائل الدفوع التي يمكن أن تستعمل بتعسف، الا انها تبقى دليل ادانة للشخص. الوفد الاوروبي لن يتعامل بالليونة نفسها التي تعامل بها القضاء اللبناني مع سلامة».

وتختم: «الأكيد ان ذلك ليس مؤشراً صحياً وليس لصالح سلامة، وهو لا يملك الكثير من وسائل الدفوع بالاساس، لهذا سيكون التركيز على وسائل الدفوع الشكلية لأنها تؤخر الغوص بأساس الملف».

ضاهر: محاكمة كل المنظومة «المجرمة» التي نهبت 100 مليار دولار

من جهته يسأل المحامي الدكتور باسكال ضاهر عبر»نداء الوطن»، «هل سلامة هو وحده المرتكب، وهل هذا الجرم والتعويضات المقدرة التي ستحددها الدولة اللبنانية لاحقاً ستكفي لرد ما نهب من الشعب؟»، لافتاً الى أن «ما يدعو الى طرح هذا السؤال هو أن المنظومة المرتكبة هي من تحاكم حاكم المركزي، وهي من يجب ملاحقة أعضائها برمتهم مع سلامة، كما ان السؤال الثاني الذي يطرح هو: هل سيتم رد ما تم نهبه من مبلغ يفوق 100 مليار دولار، أم أن الدعوى التي رفعتها الدولة اللبنانية ضده هي وسيلة لوقف الملاحقات الخارجية (لدى القضاء الاوروبي)، لأنه من الناحية القانونية لا يجوز ملاحقة أي شخص عن الجرم الا مرة واحدة؟».

أكثر من سيناريو اليوم

يرى ضاهر أن «عدم حضور سلامة أمام التحقيق اللبناني امس (الاربعاء)، والتسريب أنه سيحضر اليوم الخميس، يدل على أن لا انتظام قانونياً في البلد، لا سيما وانه بمجرد عدم الحضور يتم اصدار مذكرة توقيف، وهذا ما لم يحصل».

يضيف: «نحن إذ نعول على القضاء والحكم بالعدل، الا ان المتهم في الحقيقة هي المنظومة السياسية بكاملها، التي حكمت منذ تسعينات القرن الماضي الى الآن، وشريكها هو اللوبي المصرفي والسلطات الحاكمة هم جميعهم المجرمون، وبالتالي لا يجوز اختصار الكل بواحد»، لافتاً الى «انه في حال حضور سلامة اليوم أمام القضاء اللبناني، هناك أكثر من سيناريو يمكن أن يحصل، أوله الاستماع اليه ويترك، وثانيه أن يتم توقيفه، وثالثه، يمكن أن تتابع جلسات الاستماع، لأننا ما زلنا أمام القضاء الواقف أو قضاء الملاحقة او الادعاء، والمحاكمة امام القضاء الجالس تحصل لاحقاً».

مراكز مسؤولية

ويوضح أن «للقضاء الواقف الحق بتوقيف شخص ما بناء على الشبهة والظن، اما القضاء الجالس فيمكن أن يبرئ المشتبه به بناء على الشك، وبالتالي أي شخص يتم الاشتباه به بريء حتى تثبت ادانته»، شارحاً أن «هذا الامر ينطبق ايضاً على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، المشتبه به هو الآخر أمام القضاء في امارة موناكو، وبغض النظر عن مبدأ البراءة الا ان هناك مراكز مسؤولية لا سيما العامة منها، لا تحتمل ان يكون من يتولاها موضع شبهة، ومنها رئاسة الحكومة وحاكمية مصرف لبنان وسوى ذلك من مناصب حكومية، لأنها تفترض النزاهة التامة والعمل الشفاف التام، مما يقتضي اقالتهم وتعيين رجال غير متصلين باللوبي السياسي والمالي الحاكم».

العبرة في كشف كل الأوراق

يضيف: «بما ان الملفات التي يتم تناولها وصلت الى مرحلة الملاحقة في أوروبا، فانه من المفترض أن يكون صاحب المنصب منزّهاً عن ارتكاب اي فعل، أو ان يعمد الى الاستقالة من تلقاء نفسه كما يحصل في الدول الغربية».

يشدد ضاهر على انه لا يمكن التكهن بردة فعل المحققين القضائيين الاوروبيين على مماطلة سلامة وعدم تجاوبه مع دعوتهم للاستماع اليه. لكن العبرة تبقى في ان يكشف الحاكم كل أوراقه المخبأة، والتي تدين جميع من تعاقب على الحكم من المتآمرين على حقوق واموال الشعب اللبناني واعادتها عبر مصادرتها في لبنان والخارج، لأنها ملك اللبنانيين جميعاً والحق يعود اليهم»، مشدداً على أن «هذا ما يثبت ان سلامة ليس المرتكب بمفرده، والدليل قول المنظومة انه لا يمكن تغيير «جنرال في أرض المعركة»، كما سبق وقال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عندما سئل عن امكانية اقالته من منصبه».