وليد شقير

إتفاق بكين: تقاسمٌ للنفوذ أو لاستعادة التوازن؟

17 آذار 2023

02 : 05

بخلاف الاستنتاج النظري الذي ذهب إليه كُثر، بأنّ الاتفاق السعودي الإيراني، وتسارع التدهور النقدي في البلد، سيعجّلان في اتفاق الفرقاء اللبنانيين على إنهاء الشغور الرئاسي، يقول مطلعون على حقيقة موقف «الثنائي الشيعي» إنّ التطورات أخذت ترجّح التريث في حسم مسألة الرئاسة اللبنانية، شهرين على الأقل.

فمهلة الشهرين التي أعطاها اتفاق بكين نفسه للرياض وطهران كي تمهّدا الطريق أمام عودة سفيري البلدين، وفتح السفارتين، ليست مجرد فسحة من الوقت لإنجاز الترتيبات اللوجستية عندهما كي يباشر كلّ منهما تنفيذ الشق الدبلوماسي، بل هي أيضاً من أجل اختبار مدى تجاوبهما في اتخاذ الخطوات السياسية التي تساهم في تطبيع العلاقة، وبينها قضايا سياسية شائكة على الصعيد الإقليمي، أولاها في اليمن الذي تجري محادثات في جنيف وعُمان في شأنه حول تبادل السجناء والعودة إلى تمتين الهدنة الهشّة التي يخرقها الحوثيون. ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود قال بعد الإعلان عن الاتفاق، إنه لا يعني حل كل الخلافات.

ليس المقصود انتظار معالجة الخلافات كافة، من أجل أن يبادر الفرقاء اللبنانيون إلى تسريع إنهاء الفراغ الرئاسي، لأنّ أياً من الدولتين لا يربط هذه بتلك، كما عبّر عن ذلك بن فرحان نفسه، وعاد السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني واقتبس كلامه عن أنّ المطلوب توافق لبناني - لبناني وليس اتفاقاً سعودياً إيرانياً على لبنان، في تغريدة له.

من يميل إلى أخذ الوقت في هذين الشهرين هو «الثنائي الشيعي»، لأنّه لم ييأس بعد من السعي لترجيح خياره الرئاسي عبر المراهنة على إمكان الإفادة من الدينامية التي خلقها اتفاق بكين لتثبيت أرجحيته في موازين القوى اللبنانية المستندة إلى موازين الإقليم.

هل انّ الاتفاق هو تعبير عن هذا الرجحان (إقليمياً) أم أنه انعكاس لتغيير ما فيه؟ وهل أنّ الاتفاق هو توطئة لتقاسم النفوذ الإقليمي بين المملكة والجمهورية الإسلامية، يطمح الثنائي الشيعي من خلاله إلى انتزاع الاعتراف السعودي بالأرجحية الإيرانية في البلد الصغير، أم أنّه حافز من أجل استعادة التوازن فيه؟ لربما يتصرّف «الثنائي» على أساس أنّها اللحظة المناسبة ليحصل على اعتراف يشرّع أرجحيته في التركيبة اللبنانية، وهذا سبب للتمهل في ترجمة الاتفاق في لبنان لمصلحته، كي يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أو الرمادي.

في انتظار اتضاح ما ينتظره فريقا اتفاق بكين خلال مهلة الشهرين، هناك حاجة للعودة إلى بعض البديهيات: بما أنّ «الاتفاق» الذي يجرى مبدئياً على قاعدة تنازلات من الفريقين على الصعيد الإقليمي، يفترض ترجمته في لبنان «توافقاً» لا أرجحية لفريق على آخر فيه، فكيف يمكن أن يحصل التوافق الذي يدعو إليه «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري إذا كان لا يعني تنازلاً من الفريقين؟

على الرغم من التكهنات بأنّ الفريق المؤيد لرئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية يحتاج إلى الوقت وظهور معطيات خلال الشهرين المقبلين، فإنّ الانطباع الذي يتركه «الثنائي» أنه ينتظر تسليماً بمرشحه مراهناً على تبدلات في مواقف بعض الفرقاء المعارضين لخياره بدعم فرنجية، بالاستناد إلى أن لا فيتو سعودياً على أي مرشح. لكن المعطيات لا تشير إلى أنّ الرياض بدّلت موقفها من ترشيح فرنجية على أنّه عودة إلى ترجيح إمساك «حزب الله» بزمام السلطة كما كان الأمر في عهد الرئيس السابق العماد ميشال عون.

بقيت المصادر السعودية تردد الموقف نفسه الذي كانت تردده بدبلوماسية تتجنب شخص فرنجية بذاته، قبل اتفاق بكين، وبعد الإعلان عنه، بحيث ما زالت الوقائع تعاكس التمنيات التي تشيعها أوساط «الممانعة». فالرياض ظلت على رفضها الانغماس بالأسماء وتنصح باختيار رئيس إصلاحي ليس طرفاً ولا يشكل تحدياً لفريق من اللبنانيين يعارض توليه المنصب، إصلاحي وإنقاذي وغير منغمس بالفساد وسيادي.

هذه الجملة لا تنطبق على فرنجية حسب فهم من يستمعون إلى الجانب السعودي. لم يقتصر إبلاغها لمن يلزم من الفرقاء اللبنانيين، بل تبلغه الجانب الفرنسي بدوره، الذي تؤكد مصادره من دون مواربة، بعد اتفاق بكين، أنّ الرياض عارضت طرح باريس المقايضة بأن يأتي فرنجية رئيساً على أن يكون رئيس الحكومة من حصة خصوم «الحزب» والسعودية، وفق معادلة فرنجية ونواف سلام، مع ضمانات من فرنجية بألا يعرقل لرئيس الحكومة تشكيله الحكومة، وألا يضع العصي في دواليب الإصلاحات التي سيقدم عليها، وألا ينحو باتجاه طهران ودمشق في السياسة الخارجية.... وهي معادلة يردد الجانب السعودي، (بصرف النظر عما إذا كان يحبّذ السفير والقاضي سلام أو غيره حيث يتردد أيضاً إسم الرئيس السابق تمام سلام)، الحجة التي يكررها سياسيون لبنانيون، بأنها غير مرغوبة، أولاً لأنّ الخلل فيها قائم بذاته، لمصلحة رئيس يبقى في موقعه ست سنوات، ورئيس للبرلمان يستمر في منصبه 4 سنوات، فيما رئيس الحكومة غير ثابت في موقعه ويمكن للرئيسين التعاون لإزاحته، والتجارب في هذا المجال لا تعد ولا تحصى (تجربة السين- سين)، ولا ضمانات بالتزام بقائه وتسهيل مهمته بوجود رئيسين مقابل رئيس واحد في تركيبة السلطة. فالضمانات التي أعطيت سابقاً انتهت إلى تطيير حكومة سعد الحريري عام 2011 ، ثم منعه من تشكيلها عام 2020- 2021 فضلاً عن تعطيلها. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل انتهى بتنصيب حسان دياب رئيساً للحكومة... فكيف يمكن للرياض أن تقبل بتلك المعادلة؟

في هذه الحال يجب عدم انتظار تأييد سعودي للتركيبة القائمة، ولا استثمارات في لبنان مقدّرة بزهاء 20 مليار دولار... استناداً إلى 22 مشروعاً جاهزة للتوقيع بين البلدين فور قيام سلطة يمكن الركون إليها.


MISS 3