رفيق خوري

معركة جدولة الدين وحرب الإقتصاد والسياسة

26 شباط 2020

10 : 31

بعثة صندوق النقد الدولي كشفت ما يراه ويقوله الطفل اللبناني: الامبراطور بلا ثياب. ما فاجأها هو عدم وجود خطة عملية متكاملة للإنقاذ، وإن سمعت آراء متعددة. وما كان من السهل إدراكه مع التكتم عليه، هو أن الآراء الجيدة من منظار علمي متجرد تواكبها آراء مرتبطة بالمصالح لا بالخبرة. وليس عن عجز كان غياب الخطة بل بالقصد والتصميم. فلدينا خبراء أكفياء قادرون على رسم خطة. لكن الخطة الإصلاحية الفعلية تعني المس بما لا يمس: مصالح النافذين الذين جمعوا الثروات باستغلال السلطة والصفقات والسطو على المال العام وحماية التواطؤ بين المصارف ومصرف لبنان على توظيف 76 مليار دولار من أموال المودعين في قروض للدولة العاجزة عن ردها. فما قادنا إلى هاوية الأزمة ليس قرارات وخطوات عشوائية بل سياسة سيئة مستمرة منذ سنين، هي عملياً خطة. والمعادلة واضحة: لدى أهل السلطة خطة للأزمة، لا خطة للحل.

ولا أحد يعرف ما الذي ينتظره المسؤولون للتوقف عن التشاطر الذي لم تبق له سوق. لا في الداخل حيث ضربت الأزمة كل مفاصل الحياة لدى الناس. ولا في الخارج، حيث صارت المعادلة هي الفصل بين الحرص على لبنان وبين الموقف البارد من التركيبة الحاكمة. فما أعلنه مؤخراً وزراء المال الأميركي والفرنسي والسعودي يبدو مثل تقديم الموقف إلى المسؤولين بالملعقة: الإصلاحات تسبق المساعدات. السعودي تحدث عن التزام الدعم وتنسيقه على "أساس إصلاحات اقتصادية". الأميركي ركّز على "تلازم الإستقرار السياسي والإستقرار الإقتصادي" وربط تطبيق البرنامج الإقتصادي بـ "صندوق النقد الدولي". والفرنسي لمس موضوعاً دقيقاً بالتحذير من "خلط التعافي الإقتصادي ومواجهة أميركا لإيران في المنطقة". لكن الظاهر أن المسؤولين يريدون التعامل مع صندوق النقد على طريقة "ألا كارت" بسبب قوة الفريق الرافض وشروطه. وإذا كانوا يطالبون واشنطن، عن حق، بألا تربط المساعدات بمعركتها مع طهران، فإن عليهم بالمقابل إقناع صاحب الحكومة الفعلي بفك الإرتباط بين حاجتنا إلى العرب والغرب وبين الوقوف مع إيران في مواجهة أميركا.

والكل يعرف أن جدولة الدين ليست نهاية الأزمة بل معركة في حرب الإقتصاد والسياسة. فالأساس هو إخراج الإقتصاد من الركود وضمان خلق الثروة وفرص العمل وتغيير السياسة الضريبية الظالمة في اتجاه العدالة في إعادة توزيع الثروة. والسؤال هو: متى تأتي التركيبة السياسية بخبراء من دون الإصرار على إلغاء عقولهم؟

الرجاء ألا نجد أنفسنا نردد ما جاء في أوبرا "جيلبرت وسوليڤان" الساخرة: "لم أفعل شيئاً على وجه الخصوص، لكني فعلته بشكل جيد جداً".