هل ستغير إيران آليات عملها في لبنان بعد اتفاقها مع السعودية؟ ولماذا يصر الممانعون اللبنانيون على إظهار الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية الصين وكأنّه انتصار لمحورهم وتنازل من جانب السعودية، أو أنه حكمة منها لحفظ مصالحها... وكسب ود إيران قبل فوات الأوان؟
بديهي أن لا شيء مستغرباً في مثل هذه السلوكيات، فالخط الممانع حوَّل اللبنانيين من بيئته ومن خارجها وقوداً لمشروع المحور منذ قيام جمهورية الولي الفقيه، وساهم التزامه بهذا المحور بانهيار الدولة والمؤسسات وصولاً إلى الإفلاس وانعدام الثقة العربية والدولية بلبنان.
وبديهي أن لا ضير لديه في الانقلاب على مواقفه وخطابه وأدائه خلال المرحلة السابقة ليحفظ ماء الوجه ويقنع بيئته بأنه كان على حق وبأنه لا يزال على حق. ويقوم بغسل دماغ جديد لهذه البيئة وفق التوجهات والتطورات التي تناسب المرحلة. نعود إلى السؤال: هل ستغير إيران آليات عملها في لبنان بعد الاتفاق؟ ما الذي سيدفعها إلى التغيير في الأساس؟
هل ستتنازل عن استثمارها في «حزب الله» وتمكينه من القبض على القرار اللبناني ومصادرته السيادة لصالحها؟ أو أنّها ستعمل على إقناع الحليفة الجديدة بأن لا علاقة لها بخيارات «الحزب الإلهي» اللبناني الممثل في البرلمان بموجب انتخابات ديموقراطية، بالتالي هي لا تفرض أحداً أو لا تفرض شيئاً على اللبنانيين؟ وهل ترضى السعودية بمثل هذا الطرح أو تطمئن إليه؟ ولماذا سترضى؟
هنا لا بد من العودة إلى الماضي القريب، فالسعودية جرّبت مع تسوية 2016 رئيساً للجمهورية محسوباً على إيران هو ميشال عون، ورئيساً للحكومة محسوباً عليها هو سعد الحريري، لتأتي النتيجة ببقاء عون في موقعه طوال ستة أعوام منصاعاً بالكامل للخط الممانع ومصالحه التوسعية، التي استوجبت من الحزب اعتداءات عسكرية وأمنية وإعلامية وكبتاغونية على دول الخليج، في حين تمت الإطاحة بالحريري وإحراجه وإخراجه ليس من رئاسة الوزارة، فقط... ولكن من لبنان ومن الحياة السياسية برمّتها.
بالتالي، مثل هذه الصفقة التي تقترح سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية من الخط الممانع، ونواف سلام أو من يشبهه، رئيساً للحكومة من الخط العروبي، إذا صح التعبير، لا ضمانات لها، ولا سبب يشجع السعودية على السير بها، لأنّ المؤمن لا يُلذع من الجحر مرتين.
من جهة ثانية، ماذا عن موقف السياسيين اللبنانيين المصنفين سياديين، والمنضوين تحت راية المعارضة؟ كيف ينظرون إلى الاتفاق وما هي أدواتهم وآليات عملهم في المرحلة المقبلة؟ هل يشعرون بالخيبة لأنهم كانوا ملكيين أكثر من الملك؟ وكيف سيقيِّمون مستقبل لبنان في ظل توافق إقليمي «إسلامي/ إسلامي» كافٍ بأن يقلقهم ويدفعهم إلى الانعزال أكثر فأكثر؟ أم أنهم يراهنون على أنّ الاتفاق سيكون لصالحهم ويحد من تمدد الحزب الحاكم بأمره ويحقق لهم ما لم يتمكنوا من تحقيقه، فيُخرج لهم رئيساً يتطابق مع تطلعاتهم؟
الجواب على هذه الأسئلة سيبقى معلقاً بانتظار تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود لجهة مفاعيل الاتفاق ومردوده على لبنان، وسيبقى الانهيار على تفاقمه، ما دامت القوى المتناحرة بين معارضة غارقة في مستنقع احتساب الأصوات، غافلة عن أن الفرصة متاحة لصياغة تفاهم يؤدي إلى التوافق على من يحمل مشروعاً يصب في صالحها، فتحقق هدفاً قد لا تتيحه الظروف، كما هي الآن.
وعلى هذه القوى التوقف عند قدرة الممانعة التي تعرف كيف تبيع وتشتري بمهارة، هي لا تملك مفاتيحها ومواطن قوتها، وتفاوض الكبار لإنجاز التسوية يكون مع من يمسك بهذه المفاتيح... فمصالح الكبار تبتلع أحلام صغار اللاعبين.