د. ميشال الشماعي

لماذا الإصرار على استمرار المؤسّسات؟

24 آذار 2023

02 : 00

على وقع التفلّت غير المضبوط لسعر الصرف، عقدت جلسة اللجان المشترَكَة. وتمّت مساءلة نائب رئيس الحكومة ووزير المال من قبل نوّاب «تكتّل الجمهوريّة القويّة» عن الأسباب التي أدّت إلى ذلك. فيما تداعى بعض النوّاب والقيادات في الشارع إلى التّظاهر والاعتراض على ما وصلت إليه الأمور. أمام هذا الواقع، صار الانقسام ثلاثيّ الأبعاد في الوسط السياسي اللبناني:

- فريق يصرّ على العمل المؤسّساتي والتمسّك بالمؤسّسات على علّاتها.

- فريق اتّخذ من التعطيل نهجاً لممارسة الحكم.

- فريق يدعو دوماً إلى ضرب الـSystem، في ما اصطلح على تسميته بالـ»منظومة».

أمام هذا الواقع الانقسامي المتزايد يوماً عن يوم، يقف اللبناني عاجزاً عن الاستمرار في حياته اليوميّة. ولعلّ هذا ما أضاع البوصلة الشعبيّة بين النّاس عامّة. ولم يعد يعرف اللبناني اليوم إذا كان مفروضاً عليه أن ينزل إلى الشارع. فبعضهم يخاف من التفلّت الذي قد يضرّ بمرجعيّته الحزبيّة أو السياسيّة. وهذه حال معظم البيئة الحاضنة لفريق الممانعة. وعلى ما يبدو أنّ هذا الفريق لن يتمكّن من ضبط إيقاع شارعه أكثر وذلك للأسباب الآتية:

1. عامل الجوع لا يستثني أحداً. فهذه البيئة هي لبنانيّة صرفة ومن يقل غير ذلك فهو حتماً مخطئ. والكيانيّة اللبنانيّة التي تجمع اللبنانيّين تحت مظلّتها، إن خرج بعض هذا المجتمع من تحتها، فهو اليوم بات يشعر برصاص المطر ينهمر على رأسه. لذلك، هؤلاء كلّهم يبحثون جدّيّاً في كيفيّة العودة إلى تحت هذه المظلّة.

2. مصدر التمويل الخارجي قد تمّ تجفيفه دولياً عبر العقوبات التي تمّ فرضها على إيران، وإقليميّاً بعد دخول الجمهوريّة الإسلاميّة في تسوية مع المملكة العربيّة السعوديّة.

3. انكسار حاجز الخوف، ولو بطريقة جزئيّة، لكنّها لافتة. وترجم ذلك في خروج بعض القيادات الشيعيّة لتنخرط في الحراك السياسي– الشعبي من خارج عباءة الثنائيّة الفولاذيّة، ما أفقدها هذه الميزة. لذلك، لم تتوقّف الاعتداءات على كلّ مَن تجرّأ واتّخذ المبادرة للترشّح أو لتشكيل أي حركة سياسيّة ضدّ هذا الخيار ومن قلب هذه البيئة نفسها.

مقابل هذه الحالة، يبدو الشارع السيادي الذي يحضن الفريق الذي ما زال مصرّاً حتّى الساعة بالعمل، وفق الأطر المؤسّساتيّة، بحالة تنسيقيّة مع شارعه ليحثّه على الصمود. بغضّ النّظر عن ضعف مقوّمات هذا الصمود الذي يطلبه من جماهيره. وهذا لا يعني بالطّبع أنّ هذا الشارع بعيد من الأزمة الاقتصاديّة - الاجتماعيّة، بل على العكس تماماً. نجح هذا الفريق بخلق حالة من التكيُّف مع القدرة على المقاومة. وهذه المسألة مستمَدَّة من تاريخ هذا الشعب الذي فُطِرَ عبر تاريخه على مبدأ المقاومة الذي بدأه من مقاومة الطبيعة وصولاً حتّى مقاومة أعتى الاحتلالات التي مرّت عبر التّاريخ.

لذلك كلّه، يصرّ هذا الفريق بالتحديد على التمسّك بالدّولة ومؤسّساتها. والهدف بالنسبة إليه هو تحديث وتطوير بنية هذا الـsystem وليس تدميره. وذلك على قاعدة ما لا يتطوّر ينطفئ. من هذه النّاحية بالذات أتت مقاربة هذا الفريق بضرورة التوصّل إلى تركيبة سياسيّة جديدة تمنع أيّ فريق في لبنان من «السلبطة» والتعطيل لأنّ لا أحد بعد اليوم مستعدّ ليعيش في ثلاجة الانتظار كرمى عيون أيّ مشروع إيديولوجي لا يتوافق مع تاريخ وجوديّته في هذه الأرض.

أمّا الفريق الذي يصرّ على العمل وفق قاعدة نسف الـsytem برمّته، فلن يتمكّن من استثمار وجع النّاس أكثر وذلك بكلّ بساطة لأنّه رسب في الاختبار الذي خاضه بعد مرحلة 15 أيّار 2022. كميّة هذا الوجع الشعبي، إن تعاظمت، لا يمكن استثمارها إلا في البناء الصحيح. وهذا ما لن يتمّ إلا بالدّفع للوصول إلى برّ المؤسّسات. وأيّ حديث عن لوائح قد تضعها بكركي أو أيّ مرجعيّة أخرى، لن يتمكّن أحد من ترجمته ما لم يتطابق مع الهدف المؤسّساتي.

فالسباق الحقيقي اليوم بين الذين سيستطيعون ترجمة رؤيتهم لمشروع الدّولة في إعادة بناء هذه الدّولة انطلاقاً من العمل المؤسّساتي. لكن ما يجب عدم إغفاله بالمطلق أيّ إمكانيّة استخدام للشارع، من قبل هذا الفريق بالذات. فبنهاية المطاف كلّنا خسرنا كلّ شيء. وما عاد بإمكان أيّ لبناني القبول بأيّ مشروع يتعارض مع استمراريّة وجوده في هذه الأرض. وهذا المشروع لن يكون إلا عبر وجود دولة تضمنه. لذلك ضرورة التمسّك بالعمل المؤسّساتي والانطلاق منه للوصول إلى التحديث والتطوير. وذلك لن يتمّ إلا بالتحرّر من هذا الدويتّو ما بين المنظومة والمنظّمة.


MISS 3