وليد شقير

عن التوجّه نحو الصين... والسعودية

24 آذار 2023

02 : 00

لا يحتاج الاتجاه شرقاً إلى أمر عمليات. فلبنان، لم يكن بعيداً من هذا الاتجاه في إطار مصلحته الاقتصادية منذ عقود، وفقاً لما يقتضيه منطق التطور والتكيّف في التعاطي التجاري والاستثماري بين الدول. سبقت «رائحة الشم» عند المستثمرين والتجار والمصرفيين اللبنانيين تلك النصائح بأشواط وسنوات. ووُضعت أسسٌ وقواعد واتفاقات بين لبنان وروسيا والصين مثلاً قبل أن يعلن الصينيون عن مشروعهم لطريق الحرير والحزام بسنوات، وقبل أن يكتشف البعض فوائدها.

للعلم فقط هناك 24 اتفاقاً للتبادل والنقل موقعة بين العام 1955 والعام 2016، بين لبنان والصين، بعضها جرى تفعيله منذ زمن طويل والبعض الآخر قائم ويجري تحريكه بين الفينة والأخرى.

وغرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، التي تضم رجال أعمال بعضهم كان سباقاً منذ خمسينات القرن الماضي، في عقد العلاقات مع الصناعات والمستوردات الصينية، تصدر إحصائيات ودراسات عن العلاقات التجارية والاستثمارية مع الصين في شكل دوري، قد لا يعرفها بعض من لهم علاقة استثمارية طارئة تستهدف العمولة، مع بكين.

يقول تقرير صادر منذ أشهر عن الغرفة إنّ الصين تبوأت المرتبة الثالثة على لائحة أهم مصادر الاستيراد اللبناني عام 2022، وشكلت المستوردات اللبنانية من الصين 9،3 بالمئة من إجمالي المستوردات اللبنانية. في المقابل كانت الصين في المرتبة 36 على لائحة أهم أسواق الصادرات اللبنانية واستأثرت بحوالى 0،4 في المئة من إجمالي الصادرات. وسجل الميزان التجاري عجزاً لصالح الصين منذ العام 1993، وبلغ قيمة قياسية عام 2014 حين سجل 2،47 مليار دولار...

يمكن ذكر سيل من الوقائع التي تشير إلى أن تنويع لبنان في تعاملاته التجارية والاستثمارية يقع في صلب حرية اقتصاده، مثلما يحصل ذلك في أي بلد «طبيعي»، ينتظم فيه اقتصاده، وبالتالي استثماراته حسب مقتضيات السوق ومصالحه الوطنية والسياسية. وفي حالة لبنان الذي شكل مرفأه تاريخياً، جاذباً للتجارة العالمية كممر بين الشرق والغرب، لم يكن الانفتاح على سائر الدول مشكلة إذا خضعت خطواته لحسابات منطقية. وثمة وزارات كانت في عهدة فرقاء من خصوم فريق «الممانعة»، وضعت في الأعوام الأخيرة، مشاريع تقوم على التمويل الصيني.

في خطابه الأخير عاد الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله إلى الدعوة للاتجاه شرقاً، وإلى استدراج الاستثمارات الصينية إلى البلد لأنّ الاستثمار هو الذي يجد حلاً للتدهور المالي الذي يعانيه البلد، ولارتفاع سعر صرف الدولار الجنوني على غرار ما حصل مطلع هذا الأسبوع من تلاعب في الأسواق... وقال إن الصين «جاهزة»، كما لو أن الأمر يتوقف على أن يطلب لبنان منها أن تفتح الاعتمادات، فتستجيب. وهو دعا إلى حوار اقتصادي طالما «لسنا قادرين على انتخاب رئيس جمهورية ‏مختلفين عليه ولسنا قادرين على تشكيل حكومة». واستخدم التعاون الاقتصادي من قبل السعودية مع الصين، حجّة.

إلا أن التوجه نحو الشرق والصين لجذب الاستثمار، يحتاج الى قيام سلطة فعلية في البلد، رئيساً للجمهورية وحكومة، هي التي بدا نصر الله يؤجلها معتبراً أن «المساعي مستمرة»... لعل الهدوء الإقليمي يساعد في إنهاء الفراغ. من المحال الظفر بأي استثمار من دون انتظام عمل المؤسسات الدستورية في البلد، حتى لو كان ذلك لأهداف سياسية ومن أجل الانتصار لتوجهات محور «الممانعة». فالدعوة من هذا القبيل تبقى في إطار الدعاية السياسية فقط. وهي دعوة تتجاهل أنّ الصين، العضو في «مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان» تتفق مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية على الدعوة إلى التعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية وقيام حكومة تنفذ الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي. وأزمة لبنان واحدة من قضايا دولية قليلة جداً يتفق عليها الشرق والغرب، بعد الانقسام الذي عمّقته حرب أوكرانيا. والدبلوماسية الصينية تعتمد الموقف نفسه لدول الغرب في شأن الفراغ الرئاسي في لبنان.

التعامل الاقتصادي السعودي- الصيني مبني على المصالح. والدور الذي لعبته بكين في الاتفاق السعودي- الإيراني مبني على عامل اقتصادي سياسي- أمني- استراتيجي، هو أنها دعت إيران إلى التنازل عن تصعيدها التوتر الذي يطال الممرات المائية في منطقة الخليج العربي، وهي الممرات التي يعتمد الاقتصاد الصيني على عدم المس بانسياب السفن التجارية والنفطية عبرها لنقل الطاقة من المنطقة.

قد يكون على «حزب الله» أن يتمثل في مقاربته المأزق الاقتصادي من زاوية مثل آخر هو المتعلق بالاستثمارات السعودية في إيران التي يبشر بها ويتلهف إليها الجانب الإيراني، بعد اتفاق بكين. فهذا التوجه لم يكن ليحصل لو لم تقرر طهران وقف العدائية التي مارستها ضد الرياض. وهذا ما يجري اختباره حتى آخر أيار.

بات السؤال متى سيتكيف «الحزب» في لبنان مع هذا التوجه في تركيبة السلطة في البلد بحيث يمكن جذب الاستثمارات السعودية إليه؟


MISS 3