أحمد الأيوبي

هكذا استثمر معسكر الممانعة "فتنةَ الساعة" سياسياً ورئاسياً

28 آذار 2023

02 : 00

هزّة ضربت قواعد الشراكة الوطنية (فضل عيتاني)

أسفرت جلسة مجلس الوزراء عن نزع وتفكيك «ساعة الفتنة» وإعادة عقاربها إلى القرارات الحكومية المعتادة والمتعلقة باعتماد التوقيت الصيفي بقرار صادر عن اجتماع حكوميّ شاركت فيه مكوّنات مجلس الوزراء، فرجعت الأمور إلى نصابها في الشكل والمضمون بعد هزّة ضربت قواعد الشراكة الوطنية وصدّعت أعمدتها وأصابت الكيان اللبناني باضطرابٍ خطر نتيجة إشعال أركان المنظومة فتنة حملت أهدافاً سياسية تصبّ في خانة سياسة «فرِّق تَسُد» وتصديع البنيان الوطني المناقض لمشروع الدويلة.

تعرّض لبنان إلى كمين سياسي عن طريق المسرحية المكشوفة التي لعبها الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي في عين التينة ومسارعة الأخير إلى تصوير القرار بشأن التوقيت على أنّه ناتج عن تشاورهما المشترك، وتشكل فريق المتلاعبين بالعقول ليشمل مع الرئيسين النائب جبران باسيل، وقد تبادلوا الأدوار لتسعير النار الطائفية كلٌ على طريقته، لكنّهم في النتيجة شكلوا فريقاً متكاملاً.

من دلائل «الفتنة المحضّرة» ظهور مقاطع مصوّرة تصدر في أحدها شعارات «شيعة، سنيّة والساعة حركيّة» في محاولة للإيحاء بوجود تحالف سني – شيعي ضدّ المسيحيين، بينما جرى تسويق مقطع استفزازيّ آخر باسم «المقاومة المسيحية» يحمل مضموناً تحريضياً وكلا المقطعين مصدرهما واحد عمل على تسعير نار الاشتباك الطائفي.

لا ينبغي تصوير ما جرى على أنّه هزيمة للمسلمين وانتصار للمسيحيين لأنّ المسألة في الأصل إجرائية ولا سمة دينية لها رغم كلّ ما شهدناه من إثارة مفتعلة، وهناك ضرورة لإزالة آثار هذه «الغزوة» لمنع استغلالها في السياسة ومنع الاستدلال بها لتحويلها إلى محطة لضرب فكرة الشراكة الإسلامية المسيحية. فالحقيقة أنّ ما فعله الرئيسان نجيب ميقاتي ونبيه بري كان خطأ دستورياً غير مقبول كما أنّ انزلاق مرجعية دينية بمقام بكركي للاشتباك بالشكل الذي حصل أيضاً لم يكن موفقاً أبداً، فيما نجحت دار الفتوى في حماية موقعها كمساحة الحياد وإلا كنّا أمام أزمة غير محدودة الأفق. كانت «فتنة الساعة» مدخلاً لإعادة طرح أفكار مثل الفدرالية أو حتى التقسيم، مع أنّ هذه الطروحات لم تحصل في ذروة الحرب الأهلية عندما امتلكت أغلب الطوائف جيوشها الخاصة، كما أنّ التهرّب من مواجهة الواقع لا يسمح بحلّ الأزمة الوجودية التي يعاني منها لبنان، وهي أزمة السلاح غير الشرعي وضربه للحياة الوطنية واحتلاله المواقعَ الدستورية وهو احتلالٌ لا يمكن مواجهته إلّا بالتماسك الوطني الذي نجح في لحظة 14 آذار في خلق تفوّق نوعيّ على السلاح، وهذا ما يبقى ممكناً إذا عادت روح الوحدة الوطنية الشاملة.

تضرّرت فكرة الشراكة الإسلامية - المسيحية كثيراً بفتح هذا السجال، واستعاد جبران باسيل شيئاً من زخمه في الشارع المسيحي، كما نجح الثنائي الشيعي في افتعال إشكال سني - مسيحي بينما التزم «حزب الله» موقف المتفرّج المستفيد والمستثمر في إعادة المتاريس الطائفية بين اللبنانيين.

في كلّ هذه الأزمة أبقى الرئيس بري النائبَ الأسبق سليمان فرنجية وتياره خارج حفلة المزايدات، وحقّق الرئيس بري بذلك نقطة هامة من حيث الشكل لصالح فرنجية، وهي تصويره بصورة المعتدل والمتوازن الذي لا يتأثّر بموجات التحريض بعكس «التيار الوطني الحر» وحتى «القوات اللبنانية» التي جرت مساواتها في الإعلام الممانع مع «التيار الحر» رغم اختلاف موقفها في المنطلقات والمقاصد. أراد الرئيس بري بعث رسالة للداخل والخارج الإقليمي والدولي أنّ فرنجية يراعي المسلمين محلياً وعربياً، وأنّه متّزن وقادر على النأي بنفسه عن المشاكل الطائفية.

في السياق ذاته، عملت حملات التحريض على ادعاء المساواة بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» وتصوير أنّ خطابهما وسلوكهما كان واحداً في هذه الأزمة لزيادة الاحتقان ووضع الشارع المسيحي في ضفّة واحدة، وضرب ما تطرحه «القوات» من توجهات سيادية ترفض فيها الاصطفاف الطائفي، وهو ما ظهر في مضمون بياناتها الصادرة حول الموضوع تطلب فيها العودة إلى مؤسسسة مجلس الوزراء وترفض اختصار المؤسسات الدستورية في جلسة الكوميديا الرئاسية التي أنتجت الأزمة.

سيعمل فريق الممانعة لاستثمار ما جرى في تحريك التوازنات السياسية والنيابية، وخاصة لدى النواب السنة وتحديداً نواب «تكتل الاعتدال» والتغييريين الذين ساند بعضهم ميقاتي، والبناء على هذا الموقف لاستدراجهم نحو تأييد فرنجية في حمأة أجواء الاستقطاب الطائفي على أساس استعادة التحالف بين السنة والشيعة في وجه المسيحيين، وهذا يفرض على القوى السيادية أن تُظهِّر مشهداً سياسياً ونيابياً إسلامياً مسيحياً مشتركاً لكسر صورة الاصطفاف ومنع تأثيره على الرأي العام وتعطيل الاستثمار السياسي لكمين السلطة وإماتة الفتنة، فلعن الله من أيقظها ورضي عن مُطفئيها.


MISS 3