جان الفغالي

نجيب ميقاتي إنْ... اعتكف

30 آذار 2023

02 : 00

قبل «حرب الساعة»، كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في حالِ قرفٍ وإحباط غير مسبوقيْن، وأسرَّ إلى محيطين به، من أفراد عائلته ومستشارين، أن الأمور تزداد صعوبةً، وأن الجميع تقريباً يتنصَّل من تحمل المسؤولية. لكن بعد طولِ نقاش، قُرَّ الرأي على عدم الإقدام على خطوة الاعتكاف، وإعطاء فرصةٍ إضافية، علَّ جدار المأزق تُفتَح فيه كوَّة.

جاء قرار إرجاء بدء العمل بالتوقيت الصيفي، وردود الفعل عليه، بمثابة النقطة التي فاض بها الكوب، ففي مقابل الرفض العارم للقرار، خلَد الرئيس ميقاتي بينه وبين نفسه، ليتخذ القرار: «دقَّت ساعة الاعتكاف». هل»حسبَها صح»؟ في الإجمال، الرئيس ميقاتي «شاطر» في الحساب، يعرِف جيّداً أنّ الاعتكاف مرادِفٌ للانهيار، لكن، وعلى قاعدة المثل القائل «احترنا يا قرعة من وين بدنا نبوسِك»، كان يُطلَب من الرئيس ميقاتي الشيء وعكسَه: طُلِب إليه عقد جلسات لمجلس الوزراء، فجُهِّزَت له «قوة ضاربة وزارية» من وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار الذي أرسِل لافتعال مشكلة في بداية الجلسة لتطييرها، وكاد المشكل أن يصل إلى تشابك بالأيدي.

منذ تلك الجلسة، دوَّن الرئيس ميقاتي أمامه كلمة «اعتكاف»، بقيت الكلمة «حبراً على ورق» إلى أن صدر «قرار التوقيت» وما لحقه من ردود فعل، فكان «قرار الاعتكاف».

أدرَك ميقاتي أنّ الاعتكاف له نتيجتان: إمّا الانهيار الكامل والشامل، لأنه لن يعود هناك أي سلطة لتتخذ أي قرار، وإمّا انتخاب رئيس للجمهورية، للبدء بإعادة تكوين السلطة. أدركَ جيداً كلفةَ كلِّ نتيجة، ومَن يدقق في البيان الذي تلاه بعد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، يجد أن بعض سطوره مأخوذة من «بيان الإعتكاف» الذي أعدَّه ووضعه في جيبه ولم يقرأه... بعد.

الرئيس نجيب ميقاتي في ورطة دستورية، فلا هو قادر على الإستمرار كما هو، ولا هو قادر على الاستقالة لأنه مستقيل، ولا هو قادر على المثول مع حكومته أمام مجلس النواب الذي لا يستطيع طرح الثقة بها، لسحبها او لتجديدها، فلم يبقَ له سوى خيار الإعتكاف، وهو عملياً في هذه المرحلة.

الجميع، من موالاة ومعارضة، باتوا في هذه الصورة، وهذه المرة الرئيس ميقاتي لا يناوِر، وربما يملك الورقة الأخيرة لحث الجميع على الإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية، لأنه في حال الاعتكاف، يكون البلد قد أصبح في حال الإرتطام الكبير والأخير: لا رئيس جمهورية، لا حكومة، يعني عملياً لا سلطة تنفيذية، وهذا واقع لا سابقة له، لا قبل الطائف ولا بعده، وكل ذلك متوقف على ما إذا كان الرئيس ميقاتي سيستمر يداوم في السراي، أم يغادره ولا يعود، ربما إلى منزله في بيروت أو طرابلس أو... لندن.

ورقة الاعتكاف في جيبه، وهي سلاحه الوحيد الذي سيحسب له الآخرون ألف حساب، من الآن فصاعداً، ولسان حاله يقول: «لا تُجرِّبوني».


MISS 3