لين أودونيل

دعوة مثيرة للجدل للتواصل مع "طالبان" من الناشطة الأفغانية محبوبة سراج

1 نيسان 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

افغانيات ينتظرن تلقّي المساعدات الغذائية من الهيئة الوطنية الافغانية لادارة الكوارث في هرات (افغانستان، 2 أذار 2022)

اختفت النساء في أفغانستان! هذا ما تقوله محبوبة سراج، الصحافية الأفغانية والناشطة البارزة في مجال حقوق الإنسان والمرشّحة حديثاً لجائزة "نوبل" للسلام. هي لم تغادر بلدها حين عادت حركة "طالبان" إلى السلطة منذ 18 شهراً. يُصدِر حكام البلد يومياً مراسيم جديدة على ما يبدو لمحو النساء من الحياة العامة. تقول سراج: "نحن لم نعد موجودات. لا أحد يستطيع رؤيتنا. ولم يعد يُسمَح لنا بفعل أي شيء، أو الذهاب إلى أي مكان، أو متابعة الدراسة، أو العمل".

هي تقول إن الوعود التي أطلقتها "طالبان" خلال محادثات السلام التي جمعتها مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حول احترام حقوق المرأة مجرّد أكاذيب، وقد تكررت هذه المزاعم أمام المسؤولين الغربيين الساذجين منذ عودتها إلى السلطة، علماً أن المطالب الغربية بالتراجع عن القوانين المعادية للنساء تُقابَل "بأكاذيب إضافية" وقواعد أكثر صرامة. مع ذلك، صرّحت سراج (75 عاماً) لصحيفة "فورين بوليسي" بأن الوقت حان كي يتواصل العالم مع "طالبان" بعدما أصبحت أفغانستان على شفير الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.



محبوبة سراج


توضح سراج: "يترافق هرب الأفغان الرائدين والمتعلمين والمؤثرين مع هجرة أدمغة شاركت في حرمان البلد من مستقبله. بعد 18 شهراً من الوحشية، حان الوقت لسماع نسخة [طالبان] من القصة أيضاً. يجب أن نتوصّل إلى شكل من الاتفاق. ويجب أن تبدأ المحادثات مع "طالبان". لا يمكن أن يستمر الوضع الراهن. إذا لم نجلس ونتحاور معهم ونُحدد ما نستطيع فعله وما يستطيعون هم فعله، سيدفع الشعب الأفغاني والنساء والأولاد الثمن، وهم يدفعون ثمناً باهظاً منذ الآن".

سراج هي ابنة أخت أمان الله خان، ملك أفغانستان بين العامين 1926 و1929، وهي المديرة التنفيذية في "مركز تطوير مهارات النساء الأفغانيات"، وتدير في كابول ملاجئ لضحايا العنف المنزلي من نساء وأولاد تريد "طالبان" سجنهم كما تقول. في عهد الحُكم الجمهوري أيضاً، كانت كل فتاة أو امرأة تدخل السجن في معظم الأوقات إذا هربت من والدها أو زوجها الذي يسيء معاملتها أو إذا اشتُبِه بأنها على علاقة بأحد. تقول سراج إن "طالبان" تتوقع منها أن تتابع الاعتناء بالنساء حتى لو دخلن السجن.

قد تكون دعوة سراج إلى التواصل مع "طالبان" مثيرة للجدل لكنها ليست فكرة جديدة. دعا السياسي البريطاني السابق روري ستيوارت إلى الاعتراف بها دبلوماسياً في أواخر العام 2021، تزامناً مع رفع العقوبات المالية لتغيير مسار التجاوزات الإيديولوجية التي ترتكبها "طالبان". في المقابل، كتب ستيوارت في تقريره لصالح "مؤسسة بروكينغز" أن "طالبان" قد تلتزم بحد أدنى من حقوق الإنسان ومعايير الحُكم: "يستطيع المفاوضون أن يكثفوا ضغوطهم لتحقيق أهداف مهمة مثل تعليم الفتيات والنساء، حتى لو استمر الفصل بين الجنسَين، ومنح الفتيات والنساء والأقليات العرقية والدينية حقوقاً قانونية، وتقديم الغذاء والرعاية الصحية وفرص العمل لجميع عناصر المجتمع بالتساوي، وحرمان الإرهابيين من ملاذ آمن هناك".

قد تبدو تلك اللحظة مجرّد ذكرى بعيدة، لكن يتزامن اقتراح سراج مع نفاد صبر الولايات المتحدة من انتهاكات "طالبان" الفاضحة. في الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن زيادة قيود نيل التأشيرة "لبعض أعضاء طالبان الحاليين أو السابقين في الجماعات الأمنية غير النظامية وأفراد آخرين يقال إنهم مسؤولون عن قمع النساء والفتيات في أفغانستان أو متواطئون ضدهنّ". كذلك، دعت واشنطن في الأمم المتحدة إلى إطلاق تحرك دولي مشترك بعد منع النساء من العمل في المنظمات غير الحكومية، رداً على مخاوف من التزام بعض وكالات الأمم المتحدة بتسليم المساعدات عن طريق الرجال حصراً، ما يعني الإمعان في تعريض النساء لسوء المعاملة.

تقول المشرّعة السابقة شكرية باركزاي: "يمنح نوع التواصل الذي تقترحه سراج صلاحيات كاملة لـطالبان ويرسّخ غياب المساءلة الذي استفادت منه الحركة حتى الآن. حان الوقت كي تُحاسِب تلك الدول طالبان على ارتكاباتها بعدما كانت تتواصل معها في السنوات القليلة الماضية (في إشارة إلى باكستان، والصين، وروسيا، وبلدان أخرى). مجرّد التواصل مع طالبان يمنحها شرعية دبلوماسية من دون تعريضها لأي مساءلة. حان الوقت لمحاسبتها على وعودها خلال مفاوضات الدوحة، وعلى كلامها في الاتفاق، وعلى ما فعلته قبل استلام البلد، وما قامت به منذ ذلك الحين، وإلا ستبقى جميع الالتزامات مجرّد وعود فارغة".

قد تكون انتهاكات "طالبان" منذ عودتها إلى السلطة في صيف العام 2021 واسعة النطاق، لكنّ تعاملها مع النساء هو الذي يتصدّر العناوين دوماً. تجددت سياسات من عهد نظام "طالبان" الأخير، بين العامين 1996 و2001، واستُبدِلت قوانين الجمهورية بتفسير مبهم للشريعة الإسلامية. منع أعضاء الحركة ذهاب النساء إلى النوادي الرياضية، والحدائق، والجامعات (وحتى الخضوع لامتحانات الدخول إلى الجامعة). حتى أنهم أقروا قيوداً جديدة لمنع المرأة من العمل في المنظمات غير الحكومية، والعيادات، والمراكز الصحية، ما لم يرافقها محرم. كذلك، تعجز المرأة عن مغادرة منزلها من دون محرم لقطع مسافات طويلة. وفي بعض المناطق، لا تستطيع المرأة إدارة الشركات أو زيارة أطباء رجال، ويجب أن ترتدي البرقع. تُعتبر أفغانستان الدولة الوحيدة التي تمنع الفتيات والنساء من التعليم بعد المرحلة الابتدائية.

في شهر كانون الثاني، ضغط مسؤولون من الأمم المتحدة على "طالبان" للتراجع عن منع النساء من العمل في الجمعيات الخيرية أو الذهاب إلى الجامعة. ثم خرجوا من الاجتماعات وهم يقولون إن التغيير وشيك، لكن سرعان ما أصدرت "طالبان" مراسيم جديدة لزيادة القيود التي تمنع النساء من تلقي التعليم والذهاب إلى العمل. تدعو شخصيات كثيرة من الجمهورية المنهارة في المنفى إلى الرد على ما يحصل وتحث الولايات المتحدة على مطالبة "طالبان" بمحاسبة المرتكبين مقابل المساعدات الإنسانية.

ذهب المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان أبعد من ذلك في تقريره الأخير وتساءل عن أثر المساعدات الإنسانية التي تتجاوز قيمتها المليارَي دولار منذ وصول "طالبان" إلى السلطة، فكتب ما يلي: "يستنتج المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان أن إقدام نظام طالبان على ترسيخ مظاهر سوء المعاملة بحق النساء يطرح سؤالاً أساسياً على صانعي السياسة حول إمكانية أن تتابع الولايات المتحدة تقديم المساعدات إلى أفغانستان من دون أن تفيد طالبان أو تدعمها".

تجني هذه الجماعة المال من المساعدات "على شكل تراخيص، وضرائب، ورسوم إدارية تُفرَض على المنظمات غير الحكومية وموظفيها كشرطٍ للعمل في أفغانستان". قد تمنح هذه المساعدات "عن غير قصد شرعية معينة لحركة طالبان، على المستويَين الدولي والمحلي في آن". وبما أن أكثر من 28 مليون شخص يتكلون على المساعدات الغذائية الدولية، "أدى إصرار طالبان على محو النساء من الحياة العامة إلى إعاقة تأمين معظم المساعدات الإنسانية أو منع وصولها".

يعتبر البعض التركيز على انتهاك حقوق المرأة والمجاعة وسيلة للتغاضي عن تدمير حقوق جميع الأفغان. بدل التشجيع على التواصل مع "طالبان"، تقول شخصيات أفغانية بارزة في المنفى إن العقوبات المفروضة راهناً، معظمها ضد القطاعات المالية والمصرفية، ليست كافية بأي شكل. يظن عبدالله الخنجاني، نائب وزير السلام السابق، أن المساعدات الغذائية لها أولوية أكثر من "الحرية والحقوق"، ويقول إن "طالبان يجب أن تواجه عواقب أفعالها عبر عقوبات مدروسة".

يضيف الخنجاني: "يجب أن نجد طرقاً أكثر ابتكاراً، بعيداً عن العقوبات الاقتصادية وحظر السفر، لمحاسبة طالبان على أفعالها، بما في ذلك مصادرة الأصول وفرض العقوبات على أفراد العائلات بما يشبه تلك المفروضة على الأوليغارشيين الروس بعد بدء الغزو ضد أوكرانيا. ويجب أن نعترف بأن الهدف النهائي من العقوبات الاقتصادية يتعلق بتغيير النظام مع إحداث أقل قدر ممكن من الأضرار الجانبية على المستوى الإنساني".

لكن تظن سراج أن مضاعفة العقوبات لا تُغنِي عن التواصل. هي ليست دبلوماسية ولا تملك فكرة واضحة عن طريقة تنفيذ هذه الخطة. كل ما تستطيع فعله في الوقت الراهن هو إطلاق دعوة من القلب: "يجب أن نقوم بذلك. ما من طريقة أخرى. ليس لدينا خيار آخر. يجب أن نُركّز في المقام الأول على الشعب الأفغاني، وحاجات أفغانستان، والرجال والنساء هناك، ونُحدد أفضل طريقة للمضي قدماً، وإلا سترجع أفغانستان عشر سنوات إلى الوراء مع كل يوم جديد. ويجب أن تتركز معظم الجهود على محاولة إقناع الطرف الآخر بالتناقش معنا نحن النساء والأطراف المعنية وأصحاب المصالح. يُفترض أن يجلسوا معاً ويتحاوروا ويفهموا حقيقة ما يحصل. ويجب أن نسمع نسختهم من القصة أيضاً. حين نتكلم مع عناصر طالبان، هم يسردون قصصاً مؤلمة جداً، ويتكلمون عن تعرّضهم للتجاهل، وقسوة العالم معهم، وعدد القتلى في صفوفهم. إنها قصص حقيقية. يمكننا أن نبدأ من هنا".


MISS 3