يجدر الدخول في إتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي

بدارو: لحكومة إصلاحية بصلاحيات إستثنائية

02 : 00

روي بدارو

على رياض سلامة التنحّي فوراً وتسليم الحاكمية لنائبه الأول لفترة إنتقالية
الإتفاق مع صندوق النقد تجاهل سياسات الأجور والمداخيل والضرائب...
يجب تنقية الودائع من الأموال المشبوهة... ولنبدأ في التدقيق بأكبر 500 حساب
نحتاج دولة قانون قبل طرح فكرة إستخدام أصول الدولة للخسائر والودائع


«لم يعد مجدياً الحديث عما اذا كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة متهماً أو غير متهم»، هذا ما يؤكده الاقتصادي المخضرم روي بدارو. ويضيف: «رغم ضرورة عدم استباق نتائج التحقيقات والقرارات القضائية، فان ما نشهده من سير للقضايا محلياً واوروبياً، وخصوصاً ما تم التوصل اليه في التحقيقات مع صديقته الأوكرانية في باريس، يتطلب منه افساح المجال وترك الحاكمية فوراً، وليس مهماً الحديث عن طائفة النائب الأول للحاكم». «فليفسح سلامة المجال حفاظاً على ما تبقى من مصداقية لمصرف لبنان وعملاً بدولة القانون وحفاظاً على الحوكمة، وقبل كل شيء حفاظاً على ماء الوجه، عليه التنحي»، كما يؤكد بدارو في الحوار التالي مع «نداء الوطن»:

ماذا عن مرحلة ما بعد رياض سلامة؟

علينا الآن تناول مرحلة ما بعد رياض سلامة والدفع باتجاه استلام النائب الأول مكانه، بانتظار انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة تتمتع بقدرة تشريعية استثنائية، للحؤول دون تكرار التمييع الذي تمارسه لجنة المال والموازنة وغيرها من الفاعليات منذ 3 سنوات الى الآن، بحجة او ادعاء الشفافية، فهناك مجموعة تقارب قضايا الأزمة بشكل غير مستقيم وغير علمي بعيداً عن الأسس المالية والاقتصادية السليمة.

علينا التسليم بحقيقة الأرقام التي ساهمت شركة لازار في اعدادها، ولو كان لدي ملاحظات جدية على خطة حكومة حسان دياب، ثم الآن لدينا فرصة لاتفاق مبدئي جديد مع صندوق النقد مع سلة اصلاحات ببرنامج زمني واضح وصارم. وهنا نتحدث أيضاً عن الإصلاح المجتمعي البنيوي والسياسي والاقتصادي في لبنان وليس المالي والمصرفي فقط.

ماذا عن الاستحقاق الرئاسي وعلاقته بالإصلاح؟

علينا التركيز ليس على رئاسة الجمهورية فقط، بل أيضاً على رئيس حكومة ان يسعى الى تشكيلة وزارية من نوع خاص لهذه المرحلة الدقيقة. دور رئاسة الجمهورية المشاركة الكاملة والتسهيل مع ضرورة وجود رؤية لدى الرئيس. هل سليمان فرنجية هو الشخص المطلوب والمناسب؟ معظم الأطراف لا تعتقد ذلك باستثناء الثنائي الشيعي. لذا يجدر السعي الى رئيسين للجمهورية والحكومة يحظيان بأوسع مروحة من الاتفاق عليهما، وهذا ما يفتقده فرنجية. وعندما نتحدث عن الإجماع او شبه الإجماع، فإننا لا نقصد الجانب السياسي فقط بل والشعبي أيضاً، ولا سيما النخب من الفئات المتنورة والمثقفة التي لا تعمل على التسويق والترويج بأجندات خاصة وضيقة ولا تعمل مدفوعة الأجر من أصحاب المصالح. وهنا اتحدث عما بين 100 الى 200 شخص يشكلون النخبة المستقلة والمؤثرة والتي تعطي او لا تعطي القبول الخاص بالأشخاص الإصلاحيين. وبحسب ما اسمعه فهذه النخب لا ترتاح حالياً الى ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.

من أين يبدأ فعلاً الإصلاح؟

على رأس الهرم الاصلاحي تأتي الأخلاقيات قبل السياسة وقبل الاقتصاد. على الأساس الأخلاقي نبني الاستقرار السياسي المطلوب للإصلاح المشفوع والمعزز بالتوقعات السليمة والرؤية الواضحة والحوكمة الرشيدة. لا ننطلق من فراغ، بل لدينا أساس نبني عليه وهو اتفاق الطائف، ونمنح أنفسنا مدة اقصاها 6 سنوات إضافية لتجريب كل ما يجب تجريبه لمعرفة ما اذا كان ذلك الاتفاق صالحاً للمستقبل أم لا. فاذا كان لا يصلح رغم وجود اصلاحيين في مراكز القرار سيطرح سؤال تطوير الطائف ام تعديله، لكن علينا عدم القفز فوراً الى المادة 95. إذ هناك، تسلسلياً، مواد تسبق هذه المادة يجب العمل على تطبيقها.

أين تكمن الأخطاء في الممارسات؟

في أي اصلاح اقتصادي جدي نحتاج الى استقلالية فعلية للقضاء، فالمرجعيات القضائية ذات الخلفيات السياسية تعرقل الاصلاحات عندما تشاء وكيفما تشاء. وهذا ما نحن فيه اليوم، والجميع يعلم من هم القضاة العاملون في خدمة سياسيين او اجندات سياسية وفي خدمة مصالح دون اخرى. ولتنقية القضاء يجب ان يفعل ذلك القضاء نفسه أولاً وعلينا أن نمنحه الأدوات لذلك.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، من الاخطاء الجوهرية ان مجلس النواب، مصدر السلطات يصادر حصرية تفسير الدستور، التي هي مهمة المجلس الدستوري... هناك طبعاً سجل حافل للاخطاء يتطلب كتاب لذكرها.

ما رأيك بالاتفاق القائم مع صندوق النقد؟

في الاتفاق الحالي مع صندوق النقد بعض النواقص مثل سياسة الأجور والمداخيل والضرائب. لم يدخلوا في عمق هذه القضايا لاعتقاد خبراء الصندوق ان ما ينفذوه في دول اخرى يمكن تنفيذه في لبنان. انها غلطة منهجية، وقلت ذلك لهم وبكل صراحة.

قبل الاتفاق مع الصندوق علينا ان نطرح سؤالاً عن وجهة البلاد والى اين يريدون أخذ لبنان؟ وما الدور الذي نريده للبنان اقتصادياً؟ عند الاتفاق على الأجوبة نعود لنجلس مع صندوق النقد مع استبعاد كل المستشارين المرتبطين بهذا وذاك مثل السياسيين واصحاب المصالح. وانا اقترح دومينيك ستروسكان (DSK)، الرئيس السابق لصندوق النقد صاحب الخبرة العميقة الذي سبق وفاوض بالنيابة عن دول عدة.

ما أفضل سبل توزيع الخسائر؟

قبل الوصول الى توزيع الخسائر، علينا أولاً تحديد الخسائر والفجوة وماهيتها خصوصاً على صعيد الودائع. ثم علينا البدء في عملية تنقية تلك الودائع وفق معايير معينة. فنحن نعلم ان هناك أموالاً عليها شبهات، وهناك فوائد باهظة حصل عليها البعض فتراكمت الثروات بسرعة خيالية، وهناك اموال صفقات فساد، وهناك أيضاً من سدد دينه على حساب المودعين... بعد التنقية نعمل على تراتبية المسؤوليات والحقوق. ولا اعتقد بصحة ودقة وكفاية ضمان صغار المودعين بسقف 100 ألف دولار، بل يجب الصعود ربما إلى 200 و 300 ألف دولار خصوصاً لفئات عمرية معينة متقدمة تحتاج الى رعاية خاصة لا سيما صحياً. وهذا يأخذنا حتماً الى تراتبية وفق الأعمار: مثل الاختلاف الواضح بين من لديه 100 ألف دولار وعمره 70 سنة مقابل آخر عمره 40 سنة. فلدى الأخير متسع إضافي من العمر لإعادة تكوين مدخراته مقابل شبه انعدام ذلك بالنسبة للمتقدم في العمر. وعلى هذا الصعيد وصعيد تنقية الودائع والتدقيق فيها فإن العبء يقع على المصارف وعلى لجنة الرقابة على المصارف التي تملك كل المعطيات.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، ربما يجب البدء في الدخول الى اكبر 500 حساب مصرفي. وهنا لا أقبل النظر الى قانونية او دستورية المسألة بل نحن امام بناء بلد جديد، وأرفض اي عذر قانوني، لأننا نبني من جديد وهذا يتجاوز كل الحواجز القانونية المفتعلة من هذا وذاك لأسباب خاصة، نحن امام مصلحة عامة تقضي ذلك للضرورة القصوى.

ماذا عن استخدام أصول الدولة لإطفاء الخسائر وردّ الودائع؟

يمكن لأصول الدولة أن تساوي صفراً، ويمكن تقييمها مثلا بأكثر من 50 مليار دولار. التقييم يجري وفق الإيرادات المستقبلية المتوقعة منها والمخاطر المرتبطة. إذا دعونا المستثمرين الى لبنان اليوم، فمن سيأتي؟ لن يأتينا الا من لديه ارتباطات داخلية خاصة أو استناداً الى سلطة هيمنة ما يطمئن إليها. في هكذا حالات نأخذ أصول الدولة وإيراداتها لنرميها في حضن نفس المافيا التي عانينا ونعاني منها حتى لو تسترت بأسماء اخرى.

لسنا في دولة قانون بعد، هنا كل المسألة. علينا تثبيت دعائم دولة القانون أولاً، ويجب ان يكون ذلك باعتراف المؤشرات الدولية ذات الصلة. لا يجوز استخدام اصول الدولة في ما خص إطفاء الخسائر في ظل دولة كالتي نحن فيها حيث ينتهك القانون يومياً.

هل النموذج الاقتصادي الذي بني عليه الإتفاق مع الصندوق خاطئ؟

المسألة متعلقة بكيفية نمو الاقتصاد وبأي وتيرة. فإما سنكمل على النحو الذي نحن فيه الآن، أو نبني نموذجاً لنمو أسرع. معدلات النمو التي وضعها صندوق النقد هي بين 3 و4% أي انها في السياق العادي التقليدي مع الاعتقاد ان الاصلاحات مع منظومة الحكم القائمة يمكن ان تخرج البلاد من ازمتها.

أنا اعتبر المسألة عكس ذلك تماماً، لن تستقيم الامور مع هذه المنظومة كما يعتقد صندوق النقد، حتى لو حصلت اصلاحات، لأن هناك دائماً من يستطيع الإفادة من تلك الاصلاحات باستغلالها بطريقة معينة او بتحويرها.

وماذا عن الجانب السياسي والاجتماعي؟

الضرورة تقضي بإعادة النظر بالحوكمة السياسية، وإلا نكون امام نحر شعب كامل. فالمسألة ليست فقط اقتصادية، بل سياسة تهجيرية لشعب واستبداله بالوجود السوري سواء سمينا ذلك بالنزوح او اللجوء. وهذا خطر وجودي لا يراه الناس، لدرجة ان تجاهل هذا الامر يعني ان الناس باتت عمياء. وهذا الاستبدال سيحصل في غضون سنوات قليلة وفقاً للولادات التي هي اليوم 52% للبنانيين و48% لغير اللبنانيين. فالنزيف متسارع باضطراد منذ 2016، ففي 2015 بدأ الحديث علناً عن ان سعر الصرف الحقيقي مكبوت، وان التثبيت بات بكلفة تدفع من الودائع. النزيف اليوم هو ظاهرياً بسعر الصرف، وفي العمق هو بالبعد الديمغرافي والقدرة الشرائية الدافعة نحو الافقار ام الهجرة.

هذا البلد وعلى الواقع الذي هو فيه الآن غير قابل للاستدامة. الطريقة الوحيدة ليستمر بالشكل الهش هي الهجرة. وستتفاقم الهجرة في ظل عدم الاقدام على اصلاحات سياسية واقتصادية عميقة وجذرية.

اذاً الخطر القادم هو من الوجود السوري؟

لو تشكلت جبهة وطنية عريضة متفاهمة على المخاطر لما وصلنا الى هنا. كان هناك عدة طرق أخرى لادخال اللاجئين السوريين الى لبنان. سبق وطرحت في 2011 في اجتماعات «المبادرة المشتركة» فكرة انشاء مدن صناعية على الحدود السورية-اللبنانية، وذلك تحت مسؤولية أممية، برعاية وتمويل الدول المانحة، كل واحدة من هذه تكون مسؤولة عن مدينة، وتلتزم بشراء منتوجات مدينتها... لو اعتمدوا تلك الفكرة ونفذوها كان الغربيون وفروا على انفسهم عناء استقبال هذا الكم الهائل من النازحين السوريين. لم يقرأ الاتحاد الاوروبي جيداً، وهذا يعني ان العالم لا ينقصه سياسيون بل رجال دولة.

ما رأيك بالدعوات الى الفدرالية؟

كل الاسباب الموجبة للفدرالية موجودة، ما عدا قبول الآخر بها، إذ هو يواجه هذا المشروع لأنه يريد الاستمرار في الهيمنة التي تناسبه. انا اتحدث اكثر عن اللامركزية وهي الصيغة الافضل ادارياً ومالياً. واللامركزية المالية تعني التطوير المناطقي على اساس تنمية محلية. الخطأ الكبير هو التشتيت التنموي في 1200 بلدية، الأجدى يكمن في تشكيل 3 الى 4 بلديات في كل قضاء... العدد الأمثل للبنان هو بين 50 و70 بلدية كبيرة قادرة على التطوير المناطقي.

ضرورة إطمئنان المسيحيين والطريق الشيعي الثالث

عن الهجرة، لا يميز روي بدارو بين مسيحي ومسلم ويقول: «الهجرة على حساب كل لبناني متنور. معظم المتنورين ومن كل الطوائف يفكرون بالهجرة. لكني اعتقد انه اذا اطمأن المسيحي الى مستقبل لبنان فان الجميع سيطمئن. ولا تغيير ممكناً في لبنان الا وفق جملة شروط بينها وجود النخبة الشيعية التي عليها كسر احتكار الثنائي للتمثيل الشيعي. اتحدث عن النخبة الشيعية المتنورة والمستقلة القادرة على جر لبنان الى مستقبل افضل، وأفراد هذه النخبة كثر لكنهم الآن في دوائر الخوف او التردد او القمع ويعانون نقص التمويل»... وعن الطريق الشيعي الثالث يقول بدارو ما يلي:

لبنان بحاجة لخط شيعي ثالث خارج هيمنة الثنائي، وهذا لا يعني الطعن بـ»حزب الله» مثلاً، بل مصارحته بأنه لا يمكن للطائفة الشيعية المضي بالطريقة التي كرسها «الحزب» منذ 40 سنة الى الآن، ورأينا الى اين أوصلت الطائفة ولبنان.

للشيعة مصلحة بعيش مسالم وحضاري مع بقية مكونات لبنان. ولـ»حزب الله» مصلحة في النظر الى معيشة بيئته بشكل مستدام وليس خارج أنظمة الدولة او من خلال مساعدات من ايران التي تواجه استحقاقات كيفية عيش شعبها في المستقبل القريب.

شعارات «شيعة شيعة شيعة» التي لم تستنكر من الثنائي دفعت اطرافاً أخرى في المقابل الى التوسع والجرأة في طرح الأفكار والمشاريع الفدرالية، فضلاً عن أن ممارسات المنظومة الامنية لـ»حزب الله» في الداخل باتت تدفع الآخرين الى المطالبة بمشاريع فدرلة وتقسيم.


MISS 3