رفيق خوري

"الحكم بالشوكة" مهمة مستحيلة

5 نيسان 2023

02 : 00

ليس أخطر من تراكم الإنهيارات فوق رؤوس اللبنانيين سوى تصاعد العصبيات الطائفية والمذهبية. ولا أسوأ من التلاعب بهموم الناس وحاجاتها الملحة سوى لعب المافيا الحاكمة والمتحكمة بمصير البلد. ومتى؟ بعد سنوات طويلة من إتفاق الطائف والرهان على النهوض الإقتصادي والعد التنازلي للطائفية على الطريق الى دولة المواطنة. ولا شيء بالصدفة. فنحن أسرى حسابات سياسية ضد السياسة بمفهومها الطبيعي الذي هو فن الإدارة الحكيمة لشؤون الناس. وما يراد لنا أن نحمله في هاوية الأزمات هو أثقال مشروع معاكس للطائف لا تتحمله هوية لبنان وحقيقته التاريخية والإجتماعية ولا تقبله المنطقة العربية.

ذلك أن دعوات المافيا الى الحوار والتفاهم تكشف ما تحتها حادثة صغيرة أو سجال حتى في المجلس النيابي. وخطاب الوفاق الوطني والعيش الواحد والمشاركة لا يغطي ما يدور بالفعل داخل السلطة والمجتمع. فلا حوار غايته الموافقة على موقف مأخوذ سلفاً من طرف واحد. ولا مشاركة إن لم تكن بين شركاء متساوين يعملون معاً ضمن الإحتكام الى الدستور وتسوية الأزمات وتجسيد الوفاق والعيش الواحد، بصرف النظر عن تعدد الآراء والمواقف، ثم التفاهم على أفضل ما يخدم لبنان واللبنانيين.

ولا أسرار أو ألغاز في الواقع الطائفي والإندفاع المذهبي لتكريس الهيمنة على مراكز السلطة. من رئاسة الجمهورية الى رئاسة المجلس النيابي ورئاسة الحكومة. ولا يبدل في الأمر سواء كان الإمساك بالمؤسسات طموحاً سياسياً محلياً تفرضه موازين قوى متغيرة أو جزءاً من مشروع إقليمي يتم العمل له على المكشوف في العواصم العربية الأربع التي تفاخر طهران بأنها تحكمها. لكن مشروع الهيمنة، محلياً كان أو مرتبطاً بمشروع إقليمي، هو في النهاية ضد طبائع الأشياء في لبنان وضد الواقع في العالم العربي، وإن بدا ممكناً في المراحل الأولى.

ولا حاجة الى إنتظار المفاعيل الجيوسياسية والإستراتيجية المفترضة للإتفاق السعودي-الإيراني في بكين. حتى إعتداد فريق لبناني بأن طهران ليست في حاجة الى صفقة مبادلة مع الرياض لتكريس نفوذها عملياً عبر "حزب الله"، فإنه نوع من القراءة في المرآة. فلا الرياض وطهران هما اللاعبان الوحيدان في لبنان والمنطقة، حيث يتعدد اللاعبون الإقليميون والدوليون. ولا تركيبة لبنان وتضاريسه السياسية والإجتماعية هي المكان الملائم لرهانات "الحكم بالشوكة" على طريقة الأصوليات، مع الحفاظ على الشكل الديمقراطي من دون محتوى. والكل يعرف لماذا عجزت حرب دامت 15 سنة عن تغيير النظام، بصرف النظر عن إهتراء الدولة وإنقسام الجيش خلالها، وإن أحدثت تسوية الطائف تغييراً في بعض الصلاحيات داخل النظام. وهو نظام يطالب كثيرون بتغييره، لكنه لا يسقط، لا بالأزمات ولا بالقوة، ولا بالديموغرافيا.

من الأقوال المأثورة في باريس "إن فرنسا تتغير دائماً وظهرها الى الحائط". لكن لبنان الذي يحتاج الى التغير نحو الأفضل لا يتغير نحو الأسوأ ولو أوقفته فرقة الإعدام أمام الحائط.


MISS 3