كلير شكر

لبنان على جدول أعمال اللقاء السعودي - الإيراني المرتقب؟

5 نيسان 2023

01 : 59

الإستحقاق الرئاسي وُضع على النار (فضل عيتاني)

يبدو جلياً أنّ الاستحقاق الرئاسي وضع على النار. قد لا تكون هذه النار حامية، لكنها بلا شك مشتعلة. الفرنسيون مصممون ومصرّون على إحداث خرق من شأنه أن ينهي حالة الشغور في الرئاسة الاولى، ولا يزالون مقتنعين أنّ رئاسة سليمان فرنجية قابلة للحياة، وعلى هذا الأساس يقودون مبادرتهم التي تتمحور في هذه المرحلة، على مبدأ الضمانات التي قد تريح السعوديين وتجعلهم شركاء في التركيبة والتوازن اللبنانيين.

بالتوازي، أدار القطريون محركاتهم، فحلّ وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد عبد العزيز الخليفي ضيفاً على المسؤولين اللبنانيين ليوسّع مروحة لقاءاته ومشاوراته، بشكل يشي بأنّ ما يطبخه القطريون قد لا يكون متطابقاً مع الطبق الفرنسي، ولو أنّ بعض المعلومات تؤكد أنّ زيارة الموفد القطري مجدولة منذ فترة وقد تمّ تأجيلها بعد تعيينه منذ نحو أسبوعين وزير دولة. ما يعني أنّ توقيتها غير مرتبط أبداً بالمسعى الفرنسي، لا من باب نقضه ولا استكماله.

الأكيد أنّ أجواء التهدئة التي فرضها الاتفاق السعودي- الإيراني فتحت الباب واسعاً أمام المشاورات الاقليمية والدولية لمعالجة الملف اللبناني، ولو أنّ الملف اليمني لا يزال يتصدر جدول أعمال أطراف الاتفاق الصيني. وهنا تفيد معلومات دبلوماسية أنّ المفاوضات بهذا الشأن قطعت شوطاً مهماً وينتظر اعلان وقف اطلاق نار شامل في وقت قريب، للانتقال بعد ذلك إلى البند الثاني من جدول الأعمال. ويفترض أن تكون الأولوية للملفين العراقي والسوري.

ومع ذلك، تفيد المعلومات أنّ الجانب الإيراني يفضّل تسريع وتيرة المشاورات لا سيما في ما خصّ الملف اللبناني، حيث ينقل عن بعض المواكبين إشارتهم إلى أنّ الدبلوماسية الايرانية طلبت ادراج بند لبنان على جدول أعمال اجتماع اللقاء المرتقب بين وزيري خارجية السعودية وإيران. ونقلت وسائل إعلام إيرانية وسعودية ان وزيري الخارجية السعودي والإيراني سيلتقيان في بكين غداً الخميس.

ولكن بالانتظار، عاد سليمان فرنجية من باريس مرتاحاً. هو يعرف تمام المعرفة أنّ المشوار لا يزال طويلاً، ولكن يكفيه أن تقود الإدارة الفرنسية مشروع ترئيسه لكي يرتفع منسوب الإيجابية في ذهنه، فيما الثنائي الشيعي، وتحديداً «حزب الله» يخوض معركته على قاعدة عدم وجود «خطة ب». يتصرف رئيس «تيار المردة» وفق منطق أنّه مقبول أوروبياً، ولا ممانعة أميركية تحبط مسعاه (أقله بالعلن)، فيما السعودية تعتصم بالصمت. وهذا ما يجعله متحمّساً للسير قدماً في مشروعه.

لكنه بالمقابل، متيقّن أنّ الصمت السعودي الذي يتّخذ من المواصفات التي يطلقها السفير السعودي وليد البخاري، عنواناً له، لا يكفيه لكي ينتقل إلى «القصر» في حال نجح في تأمين الشرطين العدديين: أغلبية الـ65 صوتاً تصويتاً، وأغلبية الـ86 حضوراً... لأنّ شراكة السعودية لا بدّ منها، لجملة من الأسباب، تبدأ بالانهيار المتمادي ولا تنتهي بالجغرافيا السياسية التي يتمّ رسمها في المنطقة على ضوء الاتفاق السعودي- الإيراني.

السعودية تتلقى

حتى الآن، لا تزال السعودية في مربّع المتلقي، بمعنى أنّها لم تفصح أبداً عما تريده من لبنان، أو من اللبنانيين، ومن تركيبتهم السياسية. تكتفي برفع البطاقة الحمراء من دون أن تشرح بالتفصيل ما تريده لكي تشعل الضوء الأخضر. ولهذا راحت الإدارة الفرنسية تعمل على ابتكار المعادلات الواحدة تلو الأخرى علّها بذلك تقتنص الموافقة السعودية، لكنها إلى اللحظة لم تنجح في ذلك.

هنا، تنقسم الأآراء حيال قرار المملكة حين سيصل الدور إلى الملف اللبناني. ثمة من يعتبر أنّها ستكتفي بقاعدة المقايضة لكي لا توجع رأسها بالمستنقع اللبناني، فتترك لإيران الغلبة في التوازن السياسي على الرقعة اللبنانية. وينطلق أصحاب وجهة النظر هذه من فرضية تقول إنّ السعودية لن تقدم في مطلق الأحوال على مساعدة لبنان. وهي غير مكترثة أصلاً برماله وزواريبه.

في المقابل، ثمة من يعتقد أنّ ثمة سلوكاً جديداً كرسته المملكة السعودية خلال المرحلة الأخيرة ولن يفضي إلا إلى شراكتها الكاملة في التركيبة اللبنانية تبدأ من خلال انتخاب رئيس من خارج الاصطفافين ولا تنتهي بالإصلاحات التي تحول دون استثمارها المجاني في «منخل» اللبنانيين الذي ضيّع على مرّ السنوات، هباء كل استثماراتها وتوظيفاتها السياسية... وإلا فهي ستهمل الملف اللبناني برمته.

ومع ذلك، ثمة سؤال جوهري يطال موقف الولايات المتحدة التي طبعاً ستتعامل مع أي رئيس سينتخبه النواب اللبنانيون. وهنا يؤكد بعض المواكبين للسياسة الأميركية أنَّ «الصفقة» التي لم تتم أركانها بعد، ستكون أميركية - إيرانية وأوسع من الجزء المتعلِّق بلبنان بكثير. رئاسة لبنان، بهذا المنظار، جزءٌ من المشهد الكليّ، وهي جِزءٌ أساسيٌ وليس ثانوياً. تالياً، إنَّ اسم رئيس الجمهورية المقبل مُهِمٌ خصوصاً أنه سيكون «الضامن» للتوازنات في أبعادٍ ثلاثة لا بدّ أن تتبلور في سِياق الوصول إلى الإتفاق العتيد بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وهيَ:

البُعد المحلي في لبنان: العقد الوطني الجديد ونتائجه دستورياً وسياسياً واقتصادياً، والأهم طائفياً؛ البُعد الإقليمي: التوازن بين مصالح السعودية وإيران ومصر وتركيا وقطر والإمارات، والأهمّ سوريا في لبنان؛ والبُعد الدولي: التوازن بين مصالح أميركا والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا في لبنان. كما سيدير رئيس الجمهورية العتيد، «الآليات» التي ستُوَفِّق بين كلّ المصالح «المتلاطمة» للحفاظ على «التوازنات» المعقّدة أعلاه.

وما العقوبات التي فرضت أمس على الأخوين رحمة إلا واحدة من حجارة الولايات المتحدة التي ترمي بها عن بُعد للتحكم بالملف الرئاسي في لبنان، وتصويبه في التوقيت الذي يناسبها.

خلافات المسيحيين ودورهم

وعشية الخلوة التي دعا إليها البطريرك الماروني بشارة الراعي، يتجدد السؤال حول احتمالات تفاهم القوى المسيحية لكي تستعيد زمام المبادرة. إلى الآن، التقاطع الوحيد بين مجموعات المعارضة من جهة و»التيار الوطني الحر» من جهة ثانية هو على رفض سليمان فرنجية. لكن في المقابل، ثمة ضغط يمارس لتوسيع هذا التقاطع لكي يتحول من سلبي إلى ايجابي أسوة بتجربة تفاهم معراب، ولو أنّ الفريقين المعنييْن يشكوان من مرارة الاتفاق. ولهذا لا يزال جسر الثقة المقطوع بين ميرنا الشالوحي ومعراب، يحول دون التقائهما عند خطّ وسطي.

إنّ الاتفاق على قطع الطريق أمام فرنجية، هو مصلحة مشتركة، لكن «القوات» تحاذر انعاش اتفاق معراب وترفض استنساخ التجربة، لهذا تريد من باسيل أن يلاقيها من دون أن تتكبد أي ثمن أو أن تقدم على أي خطوة. فيما يراهن باسيل على أنّ الاتفاق على خيار وسطي هو قرار حتمي سيضطر سمير جعجع إلى اتخاذه عاجلاً أم آجلاً.

لكن هذا لا يحجب واقع حاجة الفريقين كما يرى بعض المسيحيين، إلى الترفّع عن خلافاتهما ووقف تبادل الاتهامات، والتخلي عن منطق المحاصصة، ليلتقيا عند رؤية مشتركة لا بدّ منها في هذه اللحظة المفصلية، لتحديد دور المسيحيين في المرحلة المقبلة، ووجهة البلد وخارطة انقاذه، ومكانته... ومن بعدها يتمّ اسقاط اسم المرشح.