طوني عطية

في بيت عنيا "صومٌ" سياسيّ و"توبيخٌ" روحيّ: ماذا فعلتم؟

6 نيسان 2023

01 : 59

خلال القداس

في «بيت عنيا» أو «بيت البؤس» كما ورد معناها في التسمية الآرامية، أراد السيّد المسيح اجتراح معجزة الرّجاء والحياة قبل أسبوع من آلامه وموته وقيامته. نادى القبر بصيغة الأمر قائلاً لصديقه لعازر: «أُخرج». على خطى مُعلّمها، اختارت البطريركية المارونية «عليّة» بيت عنيا في حريصا، طارحة الصوت على النوّاب المسيحيين، الضّالين منهم والمهتدين، السائرين على دربها والتائهين عنها، لعلّها تُخرج الوطن من سباته ورقاده.

في «أربعة أيوب» الذي تتأمّل فيه الكنيسة المارونية بـ»أيّوب» الرازح تحت المآسي والصابر عليها، لبّى 53 نائباً دعوة البطريرك الماروني بشارة الرّاعي، مُكرّساً مرجعية بكركي المسيحيّة في زمن المحل والتّيه في «وادي ظلال الموت» السياسيّ والإقتصادي والإجتماعي. نوّاب موارنة، روم أورثوذكس وكاثوليك، أرمن، وأقليّات، من مختلف المذاهب والإنتماءات الحزبية والسياسيّة، اختلوا روحيّاً تحت عباءة البطريرك.





أمّا الذين قاطعوا، فتراوحت أسبابهم بين الإرتباط بمواعيد مُسبقة خارج البلاد كميشال معوّض وأسعد درغام، أو بداعي المرض كجورج بوشيكيان، وبين الرافضين أي اجتماع «طائفي»، كالنوّاب بولا يعقوبيان وسينتيا زرازير وميشال الدويهي والياس بو صعب، مع التذكير أنّ هؤلاء ترشّحوا عن مقاعد مسيحيّة في دوائرهم... فيما رفضت يعقوبيان الصعود إلى «بيت عنيا» لتتحاشى مخالطة زملائها «الأشرار» الذين تلتقيهم في مجلس النوّاب، إذ سألت: «كيف بدنا نقول نجّنا من الشرير والشرير واقف حدك وما في خلاص بلبنان إلا ما نخلص منن كلّن سوا». أمّا النائبان المعتصمان في مجلس النوّاب، نجاة صليبا وملحم خلف، فقد نُقل عنهما أنهما اتّصلا بالبطريرك الراعي عشيّة اللقاء وتمنّيا مشاركته الصلاة من «صومعتهما» البرلمانية، وقد أبدى الأخير تفّهماً إيجابيّاً لموقفهما».

احتجبت السياسة عن المجتمعين. لا مواقف ولا رئاسيّات، بل صلاة وتأمل وتوبة. خلوة يتكلّم فيها الروح، لعلّه يُحيي ما قتلته حروف الإنقسامات بين القوى المسيحية. أن يعصف مواهبه السبع في عقولهم وضمائرهم وهي: الحكمة، والفهم، والمشورة، والقوّة، والعلم، والتقوى، ومخافة الله. تحت أنظار سيّدة لبنان دخل السادة النوّاب جلستهم الروحيّة، وتولّى النائب البطريركي المطران أنطوان عوكر القراءات والتأملات تحت عنوان «الخلاص بين عمل الله وأعمال المؤمن» وقراءة من «سفر حزقيال» ثم كانت قراءة وتأمل حول «أعمال المؤمن بين الأبعاد الداخلية والأبعاد الخارجية».

وفي اجتهاد جانبي، يُعرف حزقيال بأنّه النبي الذي أراد الله بواسطته أن يُسمع كلامه إلى شعبه المسبي والمشرّد، فيكون لهم مؤنّباً على خطاياهم وقساوة قلوبهم. وبعد تهديم أورشليم وهيكلها، أراده الله أن يكون حاملاً رسالة خلاص إلى شعب غلبه اليأس وفقد كلّ أمل بالعودة إلى أرضه. «أرش عليكم ماء طاهراً، فتطهّرون من كل نجاستكم، وأطهّركم من جميع قذاراتكم». مضيفاً: «وأعطيكم قلباً جديداً وأجعل في أحشائكم روحاً جديداً وأنزع من لحمكم قلب الحجر، وأعطيكم قلباً من لحم، وأجعل روحي في أحشائكم: وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها».

بعضهم أنهكتهم الرياضة الروحية في قدرتهم التحمّلية على الصمت والإصغاء، فلجأوا إلى هواتفهم الخلوية من باب تقطيع الوقت، كما كشف مصدر كنسي لـ»نداء الوطن». وشدّد على أن الملف الرئاسي غاب كليّاً عن مداولات النوّاب في أوقات الاستراحة. فيما علم أنّ خلوة جمعت الراعي برئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل. ولفت المرجع إلى أنّ البطريرك الراعي سيسعى إلى استثمار الخلوة لتعزيز التعاون والتواصل، قائلاً: «لن تنتهي الخلوة عند هذا الحدّ». همّ البطريرك «عدم كسر المسيحيين حفاظاً على لبنان». ورغم أن بكركي لا تضع «فيتو» على أي اسم رئاسي، ذكّر المصدر الكنسي بمواقف البطريرك والمواصفات الرئاسية التي وضعها.

ثمّ توجّه النوّاب إلى مزار السيّدة العذراء للسجود أمام القربان المقدّس والدخول في توبة وغفران. وإذا كانت المصادر لا تستطيع كشف اعترافاتهم (هذا سترٌ بينهم وبين الله)، أتى «توبيخ» الرّاعي في عظة القدّاس الختامي، ليضع كلّ مسؤول أمام امتحان مكشوف، قائلاً: «ليطرح كلّ واحد منّا وكلّ سياسيّ صالح هذه الأسئلة على نفسه: بماذا جعلت الشعب يتقدّم؟ أيّ طابع تركت في حياة المجتمع؟ أي روابط حقيقيّة بنيت؟ أي قوى إيجابيّة حرّرت؟ كم سلاماً إجتماعياً زرعت؟ ماذا أنتجت في المسؤوليّة التي أُسندت إليّ؟ (البابا فرنسيس: «كلّنا إخوة»، 197). ماذا فعلت لتسهيل انتخاب رئيس الجمهوريّة، وإحياء المؤسّسات الدستوريّة بعد خمسة أشهر من الفراغ الرئاسيّ ودمار شعبنا؟.

واعتبر الراعي أنه «في الزمن العصيب الذي يحتاج إلى شهود أبطال للحقيقة والعدالة ولسموّ الله فوق أي إعتبار نختم بطلب شفاعة القدّيس توماس مور، المستشار البريطاني (Chancellor) الذي أعدمه الملك هنري الثامن لرفضه التوقيع على الإعلان بانفصال كنيسة بريطانيا عن سلطة بابا روما والإقرار بالملك هنري الثامن رئيساً أعلى عليها. وذلك بسبب رفض البابا إبطال زواجه ليتزوّج عشيقته وليكون له منها وريث. فكان أن اتّهم مور بالخيانة وألقي في السجن ولاقى العذاب. ثمّ أصدر الملك حكماً بقطع رأسه. ولـمّا صعد على المنصّة قال كلمته الأخيرة الشهيرة: «هأنذا أموت في سبيل الكنيسة، خادم الملك الأمين، ولكن خادم الله أوّلاً». كان ذلك في 6 تمّوز 1535. طوّبته الكنيسة سنة 1885، ورفعته قدّيساً على مذابحها سنة 1935. وفي عام 2000 بمناسبة اليوبيل العام أعلنه القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني شفيعاً لمسؤولي الحكومات ولرجال السياسة».


MISS 3