مجيد مطر

العقوبات الأميركية: نعرف من أين تبدأ ولا نعرف أين تنتهي

7 نيسان 2023

02 : 00

برز أمران لافتان في العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الشقيقين ريمون وتيدي رحمة، الأمر الأول يتعلق بتوقيت إدراجهما على لوائح العقوبات، أما الثاني فيكمن في مضمون البيان الصادر عن الخزانة الأميركية، الذي جاء فيه: «في الوقت الذي يواجه فيه الشعب اللبناني ضائقة اقتصادية كبيرة وأزمة طاقة حادة وخللاً سياسياً غير مسبوق، استخدم الأخوان رحمة امبرطوريتهما التجارية وعلاقاتهما السياسية لإثراء نفسيهما».

بالنسبة للتوقيت، من الصعوبة بمكان عزله عن بعده السياسي، ولا يمكن قراءة عقاربه إلا من خلال هذا البعد. فكل عقوبة اقتصادية، أياً تكن الدولة التي تصدرها، لا بد وأن تحمل مضموناً سياسياً. وتأكيد نائب وزير الخزانة الأميركية براين نلسون عدم وجود أي رسالة سياسة لهذه العقوبات، وأن لا علاقة بين العقوبات الأخيرة والاستحقاق الرئاسي، لا يعدو كونه من قبيل تقاليد الكلام الدبلوماسي.

فالسياسة بأحد تعريفاتها: هي ليس كل ما يقال، فعدم التعبير عن الموقف يدخل في أحيانٍ كثيرة في جوهر السياسة، وهذا سلوك أميركي معروف، تحديداً عند كل استحقاق رئاسي لبناني.

لقد ربط البيان العقوباتِ «بالخلل السياسي غير المسبوق» وهذا يشير بوضوح إلى عجز الطبقة السياسية ومسؤوليتها في عدم انتظام الحياة الدستورية في لبنان. أما في ما يتعلق بأزمة الطاقة، فهذه العبارة لوحدها لها قدرة تفسيرية أو تقديريه، لجدية الموقف الأميركي تجاه لبنان في هذه المرحلة. فمعروف من خلال التجارب أنّ الأميركيين يبنون الملف ببطء ومن دون تسرع، ويفرضون عقوبات شاملة وفعالة، إنما متدرّجة، قد تبدو للوهلة الأولى أنّها اهمال، لتظهر لاحقاً أنها إمهال.

وفي نظرة مدققة نجد أنّ العقوبات وثيقة الصلة بالسياسة ولا شيء غير السياسة.

بعد هذه العقوبات، نحن أمام أفقٍ جديد، خصوصاً بعد انكشاف تعارض الرؤية الأميركية مع الفرنسية حول شخص الرئيس، ولعبة التوازنات على ما يبدو بدأت تميل صوب وجهة النظر الأميركية، وإن يكن من المبكر الحديث عن الحسم في مآل الاستحقاق الرئاسي. وكل ما يصدر عن الأميركيين، أنّه لا يجوز توسل التعطيل من أجل فرض مرشح بعينه، وهي تلاقي الكنسية المارونية في هذا الموقف، التي تدعو لأن يكون الانتخاب تنافسياً بين المرشحين.

يرى الكثيرون أنّ الموقف الفرنسي متساهلاً تجاه الساسة اللبنانيين، اذ أقصى ما تقوم به الدبلوماسية الفرنسية هو توجيه عبارات اللوم والتأنيب، أو الاكتفاء بالتلويح بفرض عقوبات، بينما نجد أنّ الولايات المتحدة تجيد استخدام هذا السلاح، وفي كل الاتجاهات على قاعدة «الصدمة والترويع». بكلام آخر تبدو المصالح الأميركية في لبنان مُصانة أكثر من المصالح الفرنسية، ولقد لمس الكثيرون هذا الواقع من خلال ملف ترسيم الحدود البحرية الذي وصل إلى خواتيمه تحت السقف الأميركي، بناء على وعودٍ مستقبلية تبقى في حيز المأمول لا المتحقق.

بالعودة الى ملف الطاقة، فهذا الملف خطير جداً، واسم هذين الشقيقين يرتبط بقضية الفيول المغشوش، حيث تعمل شركاتهما في استيراد النفط وتزويد معامل الكهرباء بالمشتقات النفطية. وإذا كانت مروحة الصداقات التي تربط الثريين بالعديد من أصحاب النفوذ في لبنان، فإن كشفها يفضح الكثير مما هو مستور.

وملف وزارة الطاقة، التي كانت مخصصة لفريق بعينه، وتُعطَل لأجله الحكومات كي ينالها ثمناً لطواعيته، يبقى هو الأهم والمدخل الرئيس لكل محاسبة، لكونها المغارة التي ابتلعت المليارات، وهي الصندوق الأسود الذي يحوي خبايا الفساد والهدر، بدءاً من ملف البواخر والسدود الفاشلة، وصولاً إلى طريقة شراء الفيول وتسعيرته، فضلاً عن نوعيته الرديئة، التي يتحمل مسؤوليتها وزارء الطاقة المتعاقبون الذين نجحوا في إعطاء الوعود الرنانة، وفشلوا في انجاز اليسير، بحيث تحققت العتمة بدوام كامل، بدلاً من النور، وبتكلفة باهظة لا يتحملها هذا البلد الغارق في أزماته.

قصارى القول، إنّ لهذه العقوبات هدف سياسي «كهربائي» المضمون، وهو استكمال لعقوبات قد فُرضت على وزارء، منهم من شغل وزارة الطاقة، التي استبيحت لدرجة أنها قد أصبحت ملك يمين، تنتقل بحسب التبعية وبالتوريث من وزير إلى موظف، ومن موظف إلى وزير، فهؤلاء جميعاً يتحملون المسؤولية أكثر من غيرهم، ولزاماً أن تبقى العينُ عليهم. فهذه العقوبات، قد نعرف من أين تبدأ، ولا ندري أين تنتهي.


MISS 3