عيسى مخلوف

وقفة من باريس

يوم واحد في السنة

7 آذار 2020

13 : 02

"اليوم العالمي للمرأة" الذي يُحتفل به في الثامن من شهر آذار كلّ عام، يُذكِّر العالم بأنّ لهذا الكائن الذي تتألّف منه نصف البشريّة حقوقاً ومطالب، وأنّ الظلم الذي لحق به عبر العصور لا يزال يلاحقه، وإن بنسب متفاوتة، حتى أيّامنا هذه.

يقدِّر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة أنّ أكثر من خمسين ألف امرأة يُقتَلنَ سنوياً، وأنّ هناك امرأة، من أصل كلّ ثلاث نساء، تخضع للعنف في جميع أنحاء العالم.

العنف الجماعي والفردي، النفسي والجسدي على السواء، ويتمثّل في أشكال عدّة: الضرب والرجم والختان وتزويج القاصرات (نصف الفتيات اللواتي يعشن في دول العالم الثالث يُدفعنَ قسراً الى الزواج قبل أن يبلغن الثامنة عشرة من العمر)، وجرائم الشرف وتحريم الإجهاض والعبوديّة الجنسيّة وحرمان المرأة من أبسط حقوقها.

إذا كانت بعض حالات العنف هذه تحصل في بلدان سنَّت قوانين مدنية لحماية المرأة، فما الحال في دول ليست للمرأة فيها حماية قانونية، بل هي أسيرة قوانين الأحوال الشخصيّة المتخلّفة والقائمة على التمييز ضدّها وإعطاء صفة شرعيّة لاضطهادها انطلاقاً من تشريعات دينية غير عادلة. تشريعات ونصوص أسّست للحقد على المرأة وكرّست سلطة الذّكَر عليها وتركت آثارها على مئات الأجيال لدرجة أنّ نسبة كبيرة من الناس لا تزال تصدّق أنّ المرأة خُلقت من ضلع الرجل وأنها لم تجنِ على آدم فحسب وتسبّب طرده من الجنّة بل حكمت على الجنس البشري بأكمله.

وما كان للمتشدّدين دينيّاً هذا الدور لو لم يكن المناخ السياسي السائد في الكثير من الدول العربية مناسباً لوجودهم. هذه النظرة الدونية للمرأة تكرّس حرمانها من المواطنة ومن أبسط حقوقها المدنيّة، وتسجنها في صورة نمطيّة لا تنظر إليها إلا بصفتهــــا جسداً فحسب.على الرغم من المكتسبات التي حقّقتها المرأة في الغرب والحقوق التي حصلت عليها، فإنّ معركتها لم تنته بعد، خصوصاً في ما يتعلق بالمساواة في الأجور.

وتُعَدّ الدول الإسكندينافيّة في طليعة الدول التي حقّقت على هذا الصعيد المساواة بين الجنسين. إنّ طريقة التعاطي مع النساء هي التي تحدّد مستوى تقدّم الشعوب أو تخلّفها. وهناك تباين كبير في وضع المرأة بين دول الشمال ودول الجنوب، بل حتى بين دول الجنوب نفسها. في زمننا الراهن، لا تزال ثمّة مناطق في العالم، ومنها العالم العربي والإسلامي، تنظر إلى المرأة بصفتها كائناً قاصراً حتّى لو أصبحت أمّا أو جدّة.

وتحتاج في بعض الأماكن إلى وصيّ ذَكَر لإعطاء الإذن لها بالزواج والعمل والسفر أو حتى لزيارة طبيب.التخلّــــف الاقتصادي والاجتماعي يواكبه المزيد من الأمّية والجهل والفقر والمرض، وهذه العوامل تنعكس سلبياتها بصورة خاصّة على الحلقة الأضعف المتمثّلة في النساء والأطفال. وإذا كانت النساء يشكّلن ثلثَي عدد الأميين في العالم، فإنّ نسبة الأمّية في صفوف النساء العربيّات تفوق، في بعض الأقطار العربيّة، نصف عددهنّ، فضلاً عن أمّية أخرى تطالعنا في عدم معرفتهنّ لغة الكمبيوتر.

وذلك كلّه يساهم في هشاشة وضع المرأة ويجعل إخضاعها واستغلالها والحطّ من قدرها الإنساني أمــراً عادياً ومألوفاً.أشارت الكاتبة المصرية فريدة النقاش في كتابها "حدائق النساء/ في نقد الأصوليّة"، إلى بحث أُعدّ حول العنف ضدّ المرأة جاء فيه أنّ ثمّة ما يزيد على سبعين في المئة من عيّنة الرجال الذين اختيروا للاستفتاء وافقوا على ضرورة ضرب الزوجة أحياناً "لتربيتها"، وكان بين رجال العيّنة قضاة وأساتذة جامعات وصحافيّون ومدرّسون.

كما أشارت إلى الإعلام المتأثّر بالخطاب الديني السلفي الذي يصرّ على تقديم المرأة في صورة "الرذيلة" والدونيّة، أما فضائلها الوحيدة فتكمن، بالنسبة إلى ذلك الخطاب، في خضوعها وطواعيتها وروح التضحية وقهر الذات. إذا كان التعاطي مع المرأة عموماً، وليس فقط المرأة العربية، يختصر جانباً مهمّاً من تاريخ البشريّة، فكيف تواجه المجتمعات العربيّة هذا الموضوع إذا لم تضعه في سياقه العامّ، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي؟

هل تُعطى المرأة حقّها في مجتمعات لا فصل فيها بين الدين والسياسة؟ إنّ الحاجة إلى التغيير هنا ليست فقط حاجة إنسانيّة وأخلاقيّة، وإنما هي أيضاً حاجة ثقافيّة تمسّ مستوى الأسرة ككلّ، إضافة إلى كونها حاجة اقتصاديّة واجتماعية وتنموية، وتلبية هذه الحاجة بوجوهها المختلفة مسألة ملحّة لا تحتمل التأجيل.

في بعض الدول العربية، ومنها لبنان، يحقّ للمرأة أن تصل الى الدراسات العليا وإلى مناصب سياسيّة رفيعة، وفي الوقت نفسه لا تزال تخضع في حياتها الشخصية والزوجيّة لقوانين الأحوال الشخصيّة الجائرة. لكنّ حضور المرأة اللبنانيّة المميّز في ساحات الثورة، تماماً كما حال المرأة الآن في العراق، هو أيضاً تأكيد على حقوقها وفتح أفق آخر جديد للثورات العربيّة من أجل العدالة والمساواة والحرّيّة.


MISS 3