ستيفن كوك

ماذا لو فاز كمال كليجدار أوغلو في الانتخابات التركية؟

20 نيسان 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

أنصار رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي والمرشح الرئاسي كمال كليجدار أوغلو في كاناكالي | تركيا، 11 نيسان ٢٠٢٣

خلال حملة الانتخابات الرئاسية التركية في العام 2018، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" افتتاحية تُعبّر فيها عن دعمها لخصم الرئيس رجب طيب أردوغان في تلك الفترة، محرم إينجه. بعد قراءة مقاطع قليلة من تلك المقالة، اتّضح أن فريق التحرير كان يعرف مدى بغضه لأردوغان أكثر مما يعرف معلومات عن إينجه وآرائه.

ينطبق الوضع نفسه على كمال كليجدار أوغلو، زعيم "حزب الشعب الجمهوري" ومرشّح تحالف يتألف من ستة أحزاب ويريد تحدّي أردوغان خلال الانتخابات الرئاسية في 14 أيار. مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، يتفوق كليجدار أوغلو في الاستطلاعات بمعدل يتراوح بين 7 و10 نقاط.

يصعب أن يقتنع أحد بخسارة أردوغان رغم تفوّق خصمه، فهو موجود في السلطة منذ العام 2003، كرئيس حكومة أولاً ثم كرئيس للبلد. قام أردوغان و"حزب العدالة والتنمية" بتفريغ المؤسسات السياسية وإخضاعها وتصميمها بطريقة تضمن سيطرتهم على السلطة. استعمل الرئيس التركي جهاز الدولة لإضعاف خصومه، ويمكن الاتكال على معظم وسائل الإعلام التركية اليوم لتكرار مواقف الحكومة. كذلك، أصبح السلك القضائي الآن أشبه بمَحْميّة لمناصري "حزب العدالة والتنمية" بعدما كان معقلاً للمؤسسات القومية العلمانية. أخيراً، أعاد أردوغان تشكيل القيادة العسكرية بعدما كانت موالية سابقاً لمبادئ مؤسس تركيا المعاصرة، مصطفى كمال أتاتورك.

في هذه الظروف، يبدو أن شيئاً لن يطيح بأردوغان باستثناء تدخّل إلهي صريح، وقد يكون زلزال 6 شباط شكلاً من التدخّل المنشود.

لكن ما معنى فوز كليجدار أوغلو بالنسبة إلى العالم السياسي التركي وسياسة البلد الخارجية؟ يظن عدد من المحللين الأتراك والغربيين أن تركيا تستطيع مجدداً أن تتخذ منحىً ديمقراطياً ومزدهراً، وتستعد لإتمام إجراءات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتُحسّن اصطفافها مع حلفاء الناتو. سيتنفس ملايين الأتراك الصعداء حتماً إذا هُزِم أردوغان وتنحى من منصبه. لكن من المستبعد أن تعود تركيا إلى ماضٍ لم يكن موجوداً يوماً.

تتعدد الأسباب التي تشير إلى حُسن نوايا كليجدار أوغلو البالغ من العمر 74 عاماً، ما يعني أنه يرغب في نشوء نظام سياسي أكثر عدلاً وديمقراطية. لكن يصعب التأكد من قناعاته طبعاً. حين كان زعيم المعارضة الأساسية، طرح نفسه كسياسي مسؤول وديمقراطي يعارض سطوة أردوغان على السلطة. حتى أنه قاد مسيرة من أجل العدالة في إحدى المناسبات، من أنقرة إلى اسطنبول.

في الوقت نفسه، ينتقد بعض الأعضاء الحزبيين الإجراءات الداخلية في "حزب الشعب الجمهوري" بسبب غياب الديمقراطية. كما أن الطريقة التي استعملها كليجدار أوغلو لفرض نفسه على "تحالف الأمّة" كمرشّح للرئاسة، مع أنه كان الأضعف بين المنافسين الواقعيين لأردوغان، تُشكك بميوله الحقيقية ومواصفاته الديمقراطية.

يجب ألا ننسى أيضاً أن المؤسسات (أي أُطُر العمل الخاصة بالحراك الاجتماعي والسلوك السياسي في أي بلد) قد تتخذ خطوات غريبة بحق الناس حين تستلم السلطة. كيف يمكن التأكد إذاً من رغبة كليجدار أوغلو في التخلي عن صلاحيات الرئاسة التنفيذية إذا فاز في الانتخابات الرئاسية بنتيجة مريحة؟ بشكل عام، يميل السياسيون إلى توسيع سلطتهم بدل التنازل عنها. كذلك، قد يواجه الرئيس التركي الجديد معارضة شرسة وانتقامية ومُصمّمة على إفشاله. ستكون الرئاسة التنفيذية ميزة إيجابية في أي معركة محتدمة مع "حزب العدالة والتنمية" وشريكه "حزب الحركة القومية".

وحتى لو أراد كليجدار أوغلو أن ينفذ وعده لـ"تحالف الأمّة" بإلغاء الرئاسة التنفيذية، لا شيء يضمن موافقة نائبَي الرئيس الطموحَين، أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، على هذه الخطوة. سبق وتصرّف إمام أوغلو بطريقة متسلّطة حين كان عمدة اسطنبول، بما يشبه أسلوب عدوه اللدود أردوغان.

يُعتبر إمام أوغلو ويافاش (عمدة أنقرة اليوم) سياسيَين بارعَين وناجحَين، لكن هل هما ديمقراطيان؟ قد يكونان كذلك. سبق وصدّق الكثيرون أن أردوغان كان سياسياً إصلاحياً وقائد "الطريق الثالث الإسلامي" حيث تستطيع أحزاب مثل "حزب العدالة والتنمية" أن توسّع سلطتها من دون أن تتخذ منحىً استبدادياً وتعالج مشكلة قانون الصوت الواحد للشخص الواحد.

في المسائل الأساسية الأخرى، لا يوحي "تحالف الأمّة" بأعلى درجات الثقة أيضاً. هو يتعهد مثلاً "بدعم حريات الفكر والرأي والتعبير". لكن لا أحد يعرف إذا كان هذا الانفتاح الليبرالي الجديد سينطبق على القوميين الأكراد وأتباع فتح الله غولن. يلتزم التحالف الصمت في هذا الموضوع. قد يعكس هذا الموقف سياسة حكيمة، لكن من اللافت أن يعجز كليجدار أوغلو عن التكلم صراحةً حول ضرورة إطلاق سراح الأكاديميين، والمحامين، والصحفيين، والأشخاص العاديين الذين واجهوا تهمة الإرهاب ظلماً، وإعادة تأهيلهم.

وعلى غـــرار "حزب العدالة والتنمية"، يريد كليجدار أوغلو وأمثاله إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم الأم. يحظى هذا التوجه بشعبية واسعة في تركيا، لكن لنتخيل وضع السوريين المساكين الذين هربوا من بلدهم لإنقاذ حياتهم وقدّموا مساهماتهم في المجتمع التركي. وفق توجّه كليجدار أوغلو، سيعود هؤلاء إلى النظام السوري الوحشي.

في الملف الكردي الذي شكّل محوراً دراماتيكياً في السياسة التركية منذ تأسيس الجمهورية قبل قرن من الزمن، أحدث كليجدار أوغلو تغييراً إيجابياً داخل حزبه، فأصبح أكثر انفتاحاً على التعاون مع الأكراد، لكنه لا يطرح أي حلول سياسية مبتكرة. يبدو اقتراحه الذي يدعو إلى إنشاء مجلس للحكماء لتقييم التوصيات أو طرحها غير مقنع، وقد يكون مجرّد محاولة لتأجيل القرارات الحاسمة.

في ما يخص السياسة الخارجية، يقول "تحالف الأمّة" إنه ينوي إنهاء حملات التغيير الاجتماعي التي تطبع السياسة الخارجية التركية، وهو انتقاد ضمني لأحد أعضائه (أحمد داود أوغلو الذي كان وزير الخارجية في عهد أردوغان). يعلن البرنامج أيضاً أن "الحسابات السياسية المحلية والمقاربات الإيديولوجية" لن تبقى عوامل مؤثرة في مجال السياسة الخارجية. لكن من يحاول التحالف خداعه بهذه الكلمات؟ يبقى هذا الموقف غير منطقي، وهو لا يعكس طريقة تداخل السياسة مع الشؤون الخارجية.

من الناحية الإيجابية، يريد "تحالف الأمّة" أن يعيد إطلاق مسار الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي ويُلزِم تركيا بالامتثال لقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ما يعني إطلاق سراح عثمان كافالا، الناشط التركي المعتقل ظلماً منذ العام 2017، وعدد من المعتقلين الآخرين. يذكر البرنامج السياسي أيضاً أن التحالف ينوي "أخذ المبادرات" للعودة إلى برنامج الطائرات المقاتلة الهجومية المشتركة "ف-35" من خلال إعادة أنظمة الدفاع الجوي "إس-400" التي اشترتها تركيا إلى روسيا، لكنه لا يلتزم بهذه البنود صراحةً. خططت الحكومة التركية سابقاً لشراء مئة طائرة حربية، وكانت جزءاً من اتحاد دولي لبناء الطائرات المقاتلة. لكن بعد إضافة النظام الروسي إلى الترسانة التركية، ألغت الولايات المتحدة صفقة البيع وأخرجت أنقرة من برنامجها أيضاً.

في الوقت نفسه، يريد كليجدار أوغلو تطبيع العلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد. اتجه أردوغان بدوره إلى تطبيع العلاقات مع الأسد، لكنه اتخذ هذه الخطوة رداً على ضغوط المعارضة التي بقيت موالية للأسد على مر الصراع السوري. يجب ألا يتفاجأ أحد إذا كانت دمشق أول وجهة يزورها كليجدار أوغلو بصفته رئيس الدولة التركية في حال وصوله إلى سدة الرئاسة.

وبحسب بند بارز آخر، يذكر البرنامج الانتخابي أن التحالف ينوي "تحقيق الأهداف التي تضمن حماية الحقوق المكتسبة لجمهورية شمال قبرص التركية"، وهي عبارة عن مساحة منبوذة دولياً ولا تعترف بها إلا تركيا. لا شك في أن هذه الخطوة ستجعل علاقات أنقرة مع الاتحاد الأوروبي أكثر تعقيداً، إذ يبدو أنها تدعو إلى استمرار احتلال تلك المنطقة واحتمال تقسيم دولة عضو في الاتحاد الأوروبي.

من اللافت أيضاً ألا يذكر برنامج "تحالف الأمّة" الولايات المتحدة. يتعلق السبب على الأرجح بتبنّي الأتراك آراءً سلبية عموماً عن السياسة الخارجية الأميركية منذ وقتٍ طويل. لقد رسّخ السياسيون الأتراك، بما في ذلك كليجدار أوغلو، هذه الظاهرة ووسّعوا نطاقها لأنها تمنحهم منافع سياسية معيّنة. قد يقول هؤلاء المسؤولون كل ما يريد المحاورون الأميركيون سماعه في أوساطهم الخاصة، لكنهم لا يستطيعون مقاومة نزعتهم إلى مهاجمة الولايات المتحدة علناً. زار كليجدار أوغلو واشنطن مرتَين في آخر عشر سنوات، وكان يصعب ألا يلاحظ المراقبون أنه حاول التقليل من شأن رحلته في المناسبتَين، أو حتى إخفائها عن الصحافة التركية وخصومه. تعكس هذه الزيارات الخفية طريقة كليجدار أوغلو المتوقعة في التعامل مع أهم علاقة بالنسبة إلى أنقرة، وهي لا تحمل مؤشراً إيجابياً لمسار العلاقات الثنائية مستقبلاً.

في مطلق الأحوال، سئم الأتراك على ما يبدو من أردوغان و"حزب العدالة والتنمية" بسبب غطرسة هذا الفريق، وفساده، ومعاداته للديمقراطية. لا شك في أنهم سيفرحون بهزيمته، لكن يُفترض ألا يتوقع أحد بزوغ فجر جديد في أنقرة.


MISS 3