ميشال قزح

MARKETS

الغلاء الفاحش

21 نيسان 2023

02 : 00

إنه لبنان، بلد موجود منذ الأزل ومذكور في التوراة والإنجيل. لديه تنوّع طائفي كبير يشبه لوحة الموزاييك، كما لديه إطلالة على البحر المتوسط يحسده عليها جيرانه، ولو أنه لم يستفد منها يوماً، بل قام بتدميرها بالنفايات والمياه المبتذلة.

لبنان ككيان لم يعرف يوماً الاستقرار. مرّت عليه حروب واستعمارات وثورات ووصاية واحتلال.

تعدّدت الأسباب والتحليلات، لكن برأيي: إن اللبنانيين لا يحبّون وطنهم بل يعتبرونه مركزاً للتعليم والتجارة للانتقال منه الى العالم عند أول فرصة أو محنة.

وهذا ما جعل العديد من اللبنانيين يعملون من أجل الحصول على باسبور ثانٍ، وقد يكون بعضهم استقرّ في لبنان أيام السلم ولكنهم رحلوا منه عند أول مطبّ.

اليوم لبنان يخرج من أزمة اقتصادية. نعم هو يخرج وأخالف رأي من يعتقد أنه يتعمّق في الأزمة. أما لماذا يخرج؟ فبسبب الدولرة الشاملة!

بالطبع لم نكن نريد الدولرة ونعاني بسبب عواقبها السيئة على أغلبية الشعب بزيادة الفقر والمشاكل الاجتماعية والأمنية، حيث كانت توجد حلول أخرى سبق وتكلّمنا عليها في مقالات سابقة.

***

نسي الشعب اليوم ودائعه في المصارف التي أصبحت قيمتها الحقيقية أقل من 10% وتخلّى عن الليرة في تعاملاته ولم يعد حتّى يهمّه ما يحصل في الاقتصاد. هذا الشعب الذي لم يكترث حتّى لقطع الكهرباء أو إقفال مؤسسات الدولة أو سرقة حقوقه وتهجير أولاده... صوّت للزعماء أنفسهم المتحكّمين بمصيره منذ السبعينات ولا يزالون!

نحن شعب لديه مرونة غريبة في مواجهة الشدائد. مرونة تحتاج الى علماء اجتماع ونفس لدرسها وتحليلها. لكنها برأيي بسبب طبيعة اللبناني التاجر! هو مستعدّ لكلّ شيء من أجل الحصول على المال! ولذلك نراه اليوم يسعّر كلّ شيء بالدولار وبأسعار خيالية:

تذهب الى المطعم فتجد السلطة بـ 12$ أي أغلى من أوروبا! تذهب الى المستشفى فتجد الليلة في الطوارئ بـ 1000 دولار. وتذهب الى السوبرماركت فتجد كلّ شيء مدولراً وبأسعار خيالية وكأنك في بلد آخر، وتذهب الى الصيدلية فيدخل الصيدلي الى منصة لتسعير الدواء بالدولار!

إذاً لماذا الغلاء بالدولار؟ وما هو المبرّر؟

الغلاء سببه العرض والطلب وغياب الرقابة من السلطة. فالتاجر ليس لديه من يراقبه، وبالتالي يسعّر البضائع بفجور هوامش كبيرة. والمستهلك ليس لديه الخيار سوى الشراء والدفع. فأصبحت الأسعار ترتفع بحسب مزاج التاجر لتشعل الغلاء الفاحش في بلد انخفض حجم اقتصاده 60%خلال 3 سنوات.

والاستهلاك لا ولن يتوقف. أصبح اقتصاد حرب تتحكّم فيه مجموعة من التجار المحتكرين، يعملون بشبه كارتيل متناسق يزيد الأسعار وفقاً لشهواته، والسلطة غائبة تذكّر المواطن بوجودها حين تزيد الدولار الجمركي لزيادة التضخم أكثر.

كيف تنخفض الأسعار في حالتنا؟ الأسعار لن تنخفض بالطبع في المدى القصير. لكنها ستنخفض قليلاً في المدى الطويل بسبب دخول عامل المنافسة في التجارة، ولو أن هذا الانخفاض لن يكون كبيراً بسبب التضخم العالمي الذي سيأكل القدرة الشرائية لجميع الشعوب من وراء الاصطفاف الدولي بوجه الدولار من قبل دول تسيطر على المواد الأولية والخام والنفط، ما سيترجم بانخفاض القيمة الشرائية للدولار في الأسواق.

***

في لبنان شهدنا مؤخراً طلباً غير مسبوق على الذهب. وارتفع سعره الى 2050$. أصبح تجّار المجوهرات يجدون صعوبة في الحصول على السبائك للتصنيع فيضعون طلبياتهم للحصول عليها بعد أكثر من أسبوعين! فاللبناني يريد تنويع محفظته بين الدولار والذهب.

في المرحلة المقبلة وفي ظلّ عدم وجود مصارف، أتوقع أيضاً ارتفاعاً في أسعار العقارات بسبب عدم وجود فرص للاستثمار. سيلجأ التجار والمغتربون الى شراء العقارات للحفاظ على القيمة الشرائية لأموالهم.

***

أما بالنسبة للشعب الفقير فسيزداد فقراً بسبب الغلاء الفاحش، ليصبح من المستحيل على الفقير شراء شقة. فيتحوّل لبنان الى ما يشبه أنغولا وبيروت الى لواندا... أي العيش في انفصام عن الواقع الاقتصادي المرير: أقلية من الشعب تعيش في رفاهية بينما الأغلبية ستصبح كادحة تبحث عن القوت اليومي.

(*) مستشار مالي


MISS 3