رواد مسلم

الطائرات المسيّرة تُغيّر موازين القوى

26 نيسان 2023

02 : 00

"أم كيو-9 ريبر" (أ ف ب)

كشفت الحرب الروسية - الأوكرانية عن مدى تحول طبيعة الحرب التقليدية بين الجيوش، التي كانت تعتمد على المشاة والدبابات والمدفعية الثقيلة وسلاح الجو والمخابرات، لتحقيق الميزة العسكرية من خلال التخطيط الدقيق لإستخدام تلك الأسلحة مندمجةً لتحقيق النصر. لكن ثورة التكنولوجيا العسكرية الحديثة غيّرت في وجه المعركة، وهو ما يتضح من خلال الاستخدام المكثف مؤخراً للطائرات المسيّرة التي أصبحت مكوناً رئيسياً من المعادلة، فباتت جزءاً لا غنى عنه في الحرب على مدى العقدين الماضيين.

أحدث استخدام الطائرات المسيّرة فرقاً جوهريّاً في ساحات المعارك، على مستويات عدّة، من الإستطلاع والرصد والمراقبة، إلى التعقّب والهجوم، فأثبتت فعاليتها ورسّخت لنفسها مكانة مركزية في العمليات العسكرية المعاصرة، وغيّرت قواعد القتال الميداني، فأظهرت دول عديدة وبعض الجماعات المسلحة حرصها على امتلاكها بمختلف أنواعها وأحجامها واستخداماتها، حتى أصبحت المسيّرات عنصراً أساسياً وسلاحاً عضوياً لا يمكن القتال بدونه. فالعالم اليوم في سباق للتسلّح بالطائرات المسيّرة وتطوير منظومات دفاع جوي مضادة لها.

دخلت ست دول في مجال تصنيع وتصدير الطائرات المسيرة، تأتي الولايات المتحدة في مقدّمها في مجال تصنيعها، أهمها «ام كيو-1 بريداتور» و»أم كيو-9 ريبر»، اللتان تعتبران من أهم المسيّرات في الأسطول الجوي الأميركي، وقد تم إستخدامهما بشكل واسع في أفغانستان والعراق لتعقب قادة الجماعات المسلحة. كذلك، تم استخدام المسيّرات الأميركية لاغتيال زعيم تنظيم «القاعدة» السابق أيمن الظواهري وقائد «فيلق القدس» السابق قاسم سليماني.

إسرائيل أيضاً من مصنّعي و مصدّري الطائرات المسيّرة، ومن أهمها «هيرون تي بي» الأكبر حجماً، بالإضافة إلى «هيرمس 900» التي استخدمتها إسرائيل في قطاع غزة عام 2014، وفي شنّ هجمات واغتيالات وعمليات نوعية. وتعتبر الدولة العبرية الأولى في تصدير الطائرات المسيّرة.

أمّا الصين، فقد زادت من إنتاج الطائرات المسيّرة التي تعتبر أرخص بكثير من نظيراتها الغربية، ومن أهمها «وينغ لونغ» و»دبليو جي 700» التي تتميّز بسرعتها العالية وحمولتها الكبيرة والقدرة على الاستطلاع والهجوم، فضلاً عن المسيّرات رباعية المراوح التي يتمّ تفخيخها وتفجيرها.

وبرزت تركيا بدورها في مجال تصنيع الطائرات المسيّرة في السنوات الأخيرة ولعبت المسيّرتان «بيرقدار» و»تي إيه أي أنكا» دوراً مهمّاً في ليبيا، وفي إنتصار أذربيجان على أرمينيا في الحرب الأخيرة، كما استخدمت الطائرتان بشكل واسع من قبل القوات الأوكرانية في استهداف القواعد الروسية.

في المقابل، استخدمت روسيا الطائرات المسيّرة الإيرانية، من بينها «شاهد 136» و»مهاجر 6» وتتميّز تلك المسيّرات بخفة وزنها وإنخفاض سعرها، وتتّهم إيران بتزويد الجماعات المسلّحة التابعة لها في المنطقة العربية بهذه المسيّرات. وقد أعلن الجيش الإيراني مؤخراً حصوله على أكثر من 200 مسيّرة متقدّمة مزوّدة بصواريخ وأنظمة حرب إلكترونية، ذات مدى بعيد تمكّنه من اختراق العمق الاستراتيجي للأعداء.

لهذه المسيّرات أهمية كبيرة، فهي تصفّر الخسائر البشرية بالنسبة للطيارين، وتقدّم تغطية جوية مستدامة بحيث أن بعضها يُمكن أن يُحلّق لأكثر من 60 ساعة متواصلة، وبالتالي يمكنها التسلّل بعيداً داخل أراضي العدو، ويمكنها التخفي من الرادارات ولا توجد بعد أنظمة دفاع جوي مضادة لها، كذلك فإن الصورة المباشرة التي تنقلها عبر الأقمار الإصطناعية إلى غرف العمليات هي مباشرة.

ويمكن أيضاً استخدامها في عمليات البحث والإنقاذ والدعم اللوجستي والمراقبة، ويمكن تزويدها بأجهزة استشعار لاكتشاف وتتبّع تحرّكات العدو، فضلاً عن توفير الوعي الظرفي في الوقت الفعلي للقادة العسكريين فتؤمن المرونة لقائد المعركة المتواجد في هذه الغرف وتمكّنه من إعطاء الأوامر السريعة للعسكريين في الميدان.

ويمكن تحديد الأهداف البعيدة وشنّ هجوم دقيق جدّاً لأهداف يمكن أن تكون عابرة للقارات عبر الأقمار الإصطناعية، فالبعض منها يمكن أن يحمل 16 صاروخاً موجّهاً بالليزر. كذلك، فإنّ مصروفها من الوقود وقطع الغيار قليل. فهي تؤمن خدمات لا يمكن أن تؤمنها الطائرات الحربية التي يكون الإعتماد الأساسي على الطيار بتقدير المخاطر وتحديد الأهداف لضربها.

يتمّ حاليّاً تطوير طائرات مسيّرة صغيرة جدّاً يمكنها أن تدخل البيوت مثل «الدبور الأسود» الذي تطوّره الولايات المتحدة، وزنها 16غراماً وهي طوافة مسيّرة صغيرة جدّاً تستخدمها القوات الخاصة في مهام الإستطلاع والمراقبة، ويعمل محرّكها على الكهرباء، أي بلا صوت، ويتم استخدامها في الحرب الأوكرانية حاليّاً.

بالطبع غيّرت الطائرات المسيّرة في موازين القوى فبات إمتلاكها يقدّم تفوّقاً واضحاً في القدرة القتالية، وهناك تطوّر سريع في مجال الطائرات المسيّرة يسير مع تطوّر التكنولوجيا الإلكترونية، والدول المصنّعة تستفيد إقتصاديّاً من خلال تصديرها، ومن الواضح أنها تشكّل خطراً على الأمن القومي للدول، خصوصاً أنه لا يوجد قانون دولي ينظّم عملها ويحدّد طريقة إستخدامها، فالجميع يمكنه أن يستخدم المسيّرات ويطوّرها ويرسلها لأعمال حربية أو إرهابية أو إستطلاعية.


MISS 3