شيبنام أرسو، ماكسيميليان بوب

مؤسس شركة تصنيع الطائرات المسيّرة سلجوق بيرقدار خَلَف محتمل لأردوغان

5 أيار 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

بعد بضعة أيام على الزلازل التي ضربت تركيا في 6 شباط، وقف سلجوق بيرقدار أمام كومة من الأنقاض، في وسط المنطقة التي شهدت ذلك الحدث الكارثي. بدا متعباً وحزيناً. مات أكثر من 50 ألف شخص خلال تلك الكارثة، وخسر مئات آلاف الناس منازلهم. ثم تعهّد بيرقدار، في فيديو نشره على تويتر، بناء ألف منزل جديد وتأمين ألفَي حاوية سكنية للضحايا.



بيرقدار ليس عامل إغاثة. حتى إنه ليس جزءاً من الحكومة التركية، بل إنه واحد من أصحاب شركة الدفاع التركية "بايكار". اشتهر هو وشقيقه هالوك حول العالم كصانعَي طائرات مسيّرة. حصدت الطائرات التي تنتجها هذه الشركة ويتمّ التحكّم بها عن بُعد شهرة واسعة في أوكرانيا لأنها ساعدت جيش البلد على صدّ الغزو الروسي في بداية الحرب.

في غضون ذلك، أوحى خطابه أمام الرأي العام التركي بعد الزلازل بأنه يسعى إلى تحمّل مسؤولية كبرى. بيرقدار متزوّج أيضاً من سمية أردوغان، الابنة الصغرى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهذا ما يدفع الكثيرين إلى اعتباره رئيس تركيا المقبل بعد انتهاء عهد حماه.

بعد عشرين سنة على وجوده في السلطة، إنها المرة الأولى التي يخشى فيها أردوغان التعرّض للهزيمة في انتخابات 14 أيار. يتفوّق مرشّح المعارضة، كمال كليجدار أوغلو، في معظم استطلاعات الرأي في الوقت الراهن.

لكن حتى لو خسر أردوغان في هذا الاستحقاق، يبدو نجاح بيرقدار كفيلاً بزيادة شعبيته في تركيا لدرجة أن تعجز أي حكومة عن تجاهله هو وشركته. ومن المتوقّع أن يزيد تأثيره على السياسة التركية مع مرور الوقت.

أصبحت شركة "بايكار" أكبر مُصدّرة للأسلحة في تركيا، في العام 2021، فوصلت مبيعاتها السنوية إلى 664 مليون دولار، وقد توسّعت الشركة بدرجة إضافية بعد بدء الحرب في أوكرانيا. في السنة الماضية، سلّمت "بايكار" طائرات مسيّرة وتقنيات أخرى بقيمة 1.18 مليار دولار إلى 18 بلداً.

كذلك، نشرت الجيوش الطائرات المسيّرة "بيرقدار تي بي 2" في ساحات المعارك في ليبيا، وناغورنو كاراباخ، وإثيوبيا. في هذا السياق، صرّح ريتش أوتزين، خبير سابق في الشؤون التركية في وزارة الخارجية الأميركية، لمجلة "نيويوركر": "هذا الوضع أطلق ثورة كبرى في طريقة خوض الحروب في الوقت الراهن".

لا يشبه مقرّ شركة "بايكار" في ضواحي اسطنبول مصانع الأسلحة الاعتيادية، بل إنه يبدو أقرب إلى حرم جامعة. في فترة بعد الظهر من أحد أيام الصيف الماضي، شوهد موظفون شباب في معظمهم وهم يتنقّلون في موقع شاسع ويرتدون سراويل جينز وقمصاناً قطنية. راح فريق منهم يلعب الكرة الطائرة في ملعب الشركة الرياضي.

يزيّن سلجوق بيرقدار مكتبه في الطابق العلوي من مبنى زجاجي وأسمنتي بنماذج طائرات، وهو يُعَلّق سترة طيران على رفّ المعاطف.

يبلغ بيرقدار 43 عاماً، وهو ليس بعيداً عن مواصفات نجوم السينما بلحيته الخفيفة، وذقنه المربّع، وشعره القصير والداكن. كان والده أوزديمير قد أسّس الشركة خلال الثمانينات لتزويد قطاع السيارات بالمعدّات. وكانت والدته جانان خبيرة اقتصادية وعالِمة حاسوب. يقول بيرقدار إنه كان ينبهر بكل ما له علاقة بالتكنولوجيا في طفولته، لا سيما الطائرات. هو يعتبر هذا العالم أسلوب حياة بحدّ ذاته.

انتقل بيرقدار لاحقاً إلى الولايات المتحدة، حيث درس الهندسة في بنسلفانيا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ثم عاد إلى تركيا في العام 2007، وشارك في إنشاء قسم الطائرات المسيّرة في شركة "بايكار". تحقّق الإنجاز الأساسي بعد مرور سبع سنوات، حين زوّدت الشركة الجيش التركي بطائرات مسيّرة لخوض معركته ضد "حزب العمال الكردستاني" المحظور. يحبّ بيرقدار أن يروي مغامرته حين سافر إلى الخطوط الأمامية، في جبال جنوب شرق تركيا، لتطوير الطائرة المسيّرة بدرجة إضافية.




تشمل طائرة "بيرقدار تي بي 2" باع جناح يقتصر طوله على 12 متراً، وهي مزوّدة بمروحة ذيل وثلاث عجلات، وتمّ تسليحها بأربع قنابل أو صواريخ مُوجّهة بالليزر. تعجز هذه الطائرة عن التحليق بقدر النماذج الأميركية أو الإسرائيلية، كما أنها لا تستطيع أن تحمل القدر نفسه من الحمولات الثقيلة، لكنها لا تكلّف إلا 5 ملايين دولار، أي ما يساوي حوالى سدس كلفة طائرة "ريبر" المسيّرة الأميركية.

في ليبيا، ساعدت الطائرات المسيّرة "بيرقدار تي بي 2" الحكومة الرسمية في طرابلس على إخماد انتفاضة أطلقها أمير الحرب خليفة حفتر. وفي ناغورنو كاراباخ، كان دورها حاسماً لضمان انتصار أذربيجان على أرمينيا، علماً أن الحاكم الاستبدادي إلهام علييف احتفل في المرحلة اللاحقة عبر عرض صور الضربات بالطائرات المسيّرة على شاشات فيديو في العاصمة باكو. كذلك، استعمل الأوكرانيون تلك الطائرات خلال الأشهر الأولى من الحرب، قبل أن تتكيّف الدفاعات الجوية الروسية مع استراتيجيتهم. من الواضح أن هذه الطائرات تصل في المقام الأول إلى البلدان المقرّبة من حكومة أردوغان.

تُعتبر شركة «بايكار» اليوم أهم جهة تزوّد قطاع الدفاع التركي بالمعدّات، وقد تَوسّع حجمها بعشرة أضعاف منذ وصول أردوغان إلى السلطة في العام 2003. قال أردوغان خلال خطاب ألقاه أمام مجنّدين عسكريين أتراك: «نحن لم نعد متسوّلين. بات الجميع يطلبون الطائرات المسيّرة منا». حتى أنه ذهب إلى حدّ استعراض المعدّات الدفاعية خلال حملته الانتخابية، بما في ذلك سفينة حربية يُفترض أن تنطلق منها الطائرات المسيّرة مستقبلاً. لكن يحذّر الخبراء من اتّخاذ الصراعات طابعاً غير متوقع بسبب انتشار طائرات مسيّرة مثل «بيرقدار تي بي 2» على نطاق واسع وخارج عن السيطرة.

تنتشر تقارير أيضاً عن تعرّض المدنيين للهجوم. بنى اسماعيل شامدين حياة جديدة في مدينة القامشلي، في شمال شرق سوريا، بعدما هرب هو وعائلته من ميليشيا «الدولة الإسلامية» الإرهابية. تروي شقيقته حورية عبر الهاتف أن شامدين، وهو أب لابنة وتوأم عمره أربعة أشهر، تمكّن من إيجاد وظيفة كميكانيكي سيارات في المدينة. كان متواجداً في المرآب خلال الصيف الماضي حين استهدفته طائرة تركية مسيّرة وقتلته فوراً. تظنّ شقيقته أن تلك الضربة كانت تستهدف ضابطاً في القوات الكردية في سوريا كان قد جلب سيارته لتصليحها.


اردوغان موقّعاً على طائرة نفّاثة من دون طيار تابعة لشركة سلجوق بيرقدار (تركيا 3 ايلول 2022)




MISS 3