نوال نصر

26 نيسان 2005 - 26 نيسان 2023...

18 سنة على انسحاب الجيش السوري... وهتفوا في يوم جلائهم عن لبنان: "راجعين"!

26 نيسان 2023

15 : 12

يوم الجلاء

كي لا ننسى. نعم كي لا ننسى، حتى لو كان الوقت ينسي الألم ويبلسم الغضب ويخنق البغض فيصبح الماضي كأنه لم يكن. لكن، ماذا لو استمرينا نعثر على نفس الذكريات بين كل فصل من فصول حياتنا؟ ماذا لو كنا في 26 نيسان 2023 نحيا في ظروف تجعلنا نتوقع العودة الى ما قبل 26 نيسان 2005؟ رائحة تلك الذكرى تلتصق بكل الأشياء اليوم، بكل الأماكن، بكثير كثير من الأشخاص، لذا، فلنعترف أن لا نسيان يجدي ولا تناسيَ. فلنتذكر، ما دام ما حاولنا أن ننساه لم ينسنا.



إنه 26 نيسان. هي ذكرى تعيدنا الى 26 نيسان 2005 والى ما قبلها وقبل قبلها. رجالات سوريا في لبنان ما زالوا كثيرين. هناك من لا يزال يقسم ويحلف باسم الأسد في لبناننا المثقل بأكثر من مليوني نازح ومن ينسى يوم تقاطر الناخبون السوريون بالآلاف الى السفارة السورية في لبنان ليجددوا الولاء الكامل (والأعمى) لبشار الأسد. البارحة، رأيناهم هم انفسهم يقضون "ويك أند" طويلاً في الساحات العامة. يتناولون الفول والبازلاء الخضراء و"إم قليبانة" فرحين. هم نازحون بالمفهوم العام لكنهم واقعياً ينذرون بخطر كبير متراكم يحدِق بنا. هويتنا تتغيّر. بلدنا، بعد 18 عاماً على يوم الجلاء العسكري السوري من أراضينا، ما زال لا يشبهنا.



يوم غادروا


كان نهاراً عظيماً. كان يوم ثلثاء. يومها غفا اللبنانيون من غير أن تكون في الربوع اللبنانية دبابة سورية واحدة. يومها ظننا أن لبنان قد أصبح حراً. فلنتذكر. قبل 18 عاماً، إنسحب السوريون عسكرياً واكتمل - ظننا انه اكتمل - مشهد الحرية في لبنان. يومها، في 26 نيسان 2005، غادرت وحدات الجيش السوري بعديدها وعتادها ومصادراتها. غادرت بعراضات وشيّعتها إلى الحدود الأصوات الغاضبة. وما لم ينتبه إليه كثيرون حينها ان العسكر السوري وهم خارجون، رددوا: لن نقول وداعا بل الى اللقاء! راجعينلكم!



للذكرى


تمرّدوا ثم استسلموا

غريبٌ هو أمر هؤلاء السوريين الذين ذاقوا العلقم من نظام وما زال بعضهم - وهم كثر- يرفعون صور "سيادة رئيسهم" على الأكتاف والرؤوس. سوريا - والسوريون - يظنون أنفسهم "الأقوى" ولبنان يستمرّ محافظة على خاصرتهم، تحت أمرهم، على هواهم، يستخدمونه حين يشاؤون وكما يشاؤون. مرّت الأعوام. مرّ 18 عاماً. تمرّد خلالها سوريون على نظامهم فظنناهم يريدون مثلنا: الحرية، لكن بعض هؤلاء، ونشدد على كلمة بعضهم، إعتادوا على العبودية، فعادوا واستسلموا. الأحرار السوريون غادروا وبنوا مستقبلهم في بلاد العالم أما من تلازمهم صفة العبودية فلنا منهم، بعد 18 عاماً، حصّة الأسد. ترى، ألم ينتبه هؤلاء الى الوحش الذي عبث بهم ملتهماً لحمهم الحيّ وشارباً دماءهم ومتلذذاً بمشهد الزبد وهو يرغو بين شفتي أطفالهم؟ ألم ينتبهوا الى الوحش الذي أعطى إشارة نفخ الغاز المسمم في رئات أطفالهم بعد أعوام طويلة من نفث أحقاده في صدور أطفال لبنان؟ ألم ينتبهوا الى كل ذلك أم نسوا؟ النسيان غضب من الله على بعض البشر أحياناً.




فليرجعوا الى ديارهم


لسوريا الأسد رجالاتها في لبنان. هم سوريون أكثر من كونهم لبنانيين. عاصم قانصو أحد هؤلاء. وهو حين تذكر الإندحار السوري في 26 نيسان 2005 قال: "سوريا هي التي قررت الخروج من لبنان، بحسب ما نصّ الطائف (والقرار 1559). ونحن طلبنا منها الخروج على مراحل لكنها أصرّت. هي التي خرجت وليس جبران تويني من أخافها. ليس جبران تويني وسمير قصير وبيار أمين الجميل ومليونا لبناني هتفوا: سوريا برا، من أجبروها على الرحيل". رجالات سوريا في لبنان، الذين دفنوا رؤوسهم يومها في الرمال كما النعامة، يرفضون حقيقة أن الشعب اللبناني هو من حقّق الإستقلال الثاني.



في ذكرى اندحار الجيش السوري من لبنان هناك أكثر من مليوني سوري "يتنعمون" في رحابنا ويقفون في صفوف طويلة أمام أجهزة السحب الإلكترونية، يسحبون الدولارات، في حين أن اللبنانيين يعيشون على فتات "الليرة المندثرة". مشهدٌ غير مستحبّ. إنه مشهد يجعل ابن البلد في ذكرى الإندثار العسكري السوري ينسى حريته ويستعيد القهر. هؤلاء، يعيشون على نفقة الأمم. بينهم أناس آمنوا بالحرية وعودتهم صعبة؟ ربما. لكن من يقطع الحدود ذهاباً وإياباً قادر أن يبقى خلف حدودنا. إنها مسؤولية "دولتنا" والأمن العام.




مخيمات ع مدّ العين


أصواتٌ سورية كثيرة تصدح اليوم تهدد لبنان واللبنانيين. في الذكرى الثامنة عشرة على الإندحار العسكري السوري تحصل يومياً جرائم قتل يقترفها سوريون. هذا ليس معناه أن السوريين مجرمون جميعاً - وإن كان هناك بينهم كثير من المجرمين في لبنان، يتنزهون وفي جيوبهم السكاكين وفي قلوبهم كثير من الحقد. إنه احتلال آخر.



نزوح وألوان وضبابية


هنا، في الذكرى الثامنة عشرة على 26 نيسان 2005 سألنا عن سبب فشل الثورة في سوريا التي اندلعت في 2011 من درعا؟ يجيب باحث جيو - سياسي له دراسات في الشأن السوري: "يوم اندلعت الثورة هناك توقعنا أن تنشب في جبل العرب، من منطقة حوران، أو من قِبل الشركس في السويداء أو في شمال سوريا بالتحديد، حيث الإخوان المسلمين في حلب وحماه، أو من الحسكه والقامشلي حيث الأكراد، لكنها استعرت من درعا أولاً. الإحتقان في سوريا بدا يومها أكبر بكثير منه في تونس ومصر وليبيا لكن ظروف نجاح الثورة استمرت أقل. دمشق عاشت منذ العام 1963 في ظل قانون طوارئ. فهل تعلمون ماذا يعني قانون طوارئ؟ إنه يعني السماح لأي رجل مخابرات مهما قلّت قيمته، جاهل، أمي، ويريد الإنتقام، برمي أي كان مهما علت قيمته في غياهب السجون السورية بتهمة يلفقها له، من دون الحاجة الى استنابة قضائية ولا الى استجواب وقرار ظني ومحاكمة. النظام السوري خبيث وذكي في آن. وهذا ما جعل الباحثين يقتنعون منذ اللحظة الأولى أن الثورة في سوريا لن تكون لأيام قليلة بل ستدوم طويلا. لم تكن الثورة سهلة في سوريا لأن التواطؤ في قلب الحكم لم يكن متوافراً. فالنظام هو من سيطر على مقابض الحكم دائماً. العلويون هم من قبضوا على النظام السوري دائماً. ناهيكم عن أن النظام السوري هو من أنظمة قليلة، لا بل قليلة جداً، ما زالت تتاجر بالقومية العربية والصراع ضد إسرائيل، ومعلوم أن الشعوب العربية، بطبيعتها، عاطفية وتبحث دائماً عن قضية تتولاها وعن عدو مشترك تناهضه، فيجيء النظام السوري ليلعب، ولو ظاهرياً، على الأشجان. الشعوب العربية تحتاج الى قضية حتى ولو كان من يرفعها يضحك، في سرّه، عليهم.



زحمة لاجئين


هكذا صمد بشار. وهكذا ما زال يحلم بالعودة الى لبنان والإمساك به من رقبته. فهل سينجح في ذلك؟ أصلاً، هل غادرت سوريا لبنان لتعود إليه؟ كل ما يجري في لبنان منذ نيسان 2015 من مشاهد سوداء وأمواج عاتية لسوريا اليد الطولى فيها "فهي لم تغيّر رأيها يوماً في لبنان وسبب وجود لبنان". إنه موجود لأجلها. تلك هي سوريا وهذا هو لبنان.



بعد 26 نيسان 2005 وقبل 26 نيسان 2023، لم ينقطع الوجود السوري العسكري في لبنان، من خلال المواقع الفلسطينية المنتشرة، التي هي عملياً وواقعياً مواقع سورية بامتياز. ولبنان استمرّ "صندوق بريد" ترمى فيه الرسائل السورية في كل الإتجاهات. وتسألون عن سبب الحدود التي تستمرّ "فالتة"؟ فسوريا لم تتوقف يوماً عن اعتبار لبنان قطعة منها، عضو مركب من هيكلها، بحكم التاريخ والجغرافيا. فهل وجب على لبنان أن ينصاع الى سردية التاريخ وواقع الجغرافيا وجبروت: أنا أو/لا أحد؟



متى مغادرة النازحين؟


اليوم، في 26 نيسان 2023، يقول أحد البقاعيين: "في لبنان، حتى إذا رفعنا حجراً في البراري سيطلّ من تحته شخص يقول: شلونك سيدي". السوريون أكثر من قدرة اللبنانيين على تحمل أعبائهم. ليست هذه عنصرية بل هي القدرة القصوى على الإستيعاب. وهي أزمة ستستولد حتما أزمات. البلد اليوم، بعد 18 عاماً على الخروج العسكري السوري، عاد وشرّع ملف خروج النازحين السوريين من لبنان الآن الآن وليس غداً. فهل يقفل على حلّ أم يقفل بعد سيل دماء؟ كما من قبل كذلك اليوم، فكما كان ملف أسر لبنان قراراً سوريا، سيستمر النظام السوري في استخدام ملف النازحين السوريين في تثبيت إتجاهاته. أما السوريون، المواطنون العاديون، الذين يتقاضون ثمن نزوحهم بالعملة الفريش، فيدفعون أثماناً أخرى ليبقى الملف قائماً.



مضت الأعوام سريعة. بشار الأسد غزاه الشيب، وهو يُصبح يوماً بعد يوم أكثر شبهاً بوالده. ولبنان، الذي عاش ثورة الأرز وتنفس حرية سيادة واستقلال لم ينجح في استعادة أبنائه من غياهب سجون الأسد. ماتوا؟ أعدموا؟ ربما لكن، ماذا بخصوص من يعرفون أن في أقبية الأسد 624 معتقلاً لبنانياً حتى هذه اللحظة وما زالوا يقولون: شكراً سيادة بشار الأسد؟ وماذا عن من أمسكوا الحكم في لبنان ونسوا ملف المعتقلين في الدرج العتيق؟



في 26 نيسان 2023، يستذكر لبنان 26 نيسان 2005، وبين ذكرى واستحقاق يستمر النار تحت الرماد السوري في لبنان شديدا وخطيرا.



عند الحدود