أنشال فوهرا

الغرب يستعدّ لتفكّك روسيا

27 نيسان 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

بوتين في اجتماع في نوفو أوغاريفو | روسيا, 7 آب، 2007

زادت جرأة المحللين الغربيين والمعارضين الروس لدرجة أن يدعوا علناً إلى "إنهاء استعمار" روسيا بحد ذاتها، بسبب سوء الأداء الروسي في ساحة المعركة الأوكرانية وتوسّع الشكوك حول جدّية التهديدات النووية التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هم يشيرون في كلامهم عن إنهاء الاستعمار إلى الاتحاد الروسي الشاسع الذي نشأ بعد حقبة الاتحاد السوفياتي ويتألف من 83 كياناً اتحادياً، بما في ذلك 21 جمهورية غير سلافية.



أعلنت لجنة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي وكالة حكومية أميركية مستقلة فيها أعضاء من مجلس النواب الأميركي، ومجلس الشيوخ، ووزارات الدفاع والخارجية والتجارة، أن إنهاء استعمار روسيا يُفترض أن يتحول إلى "هدف أخلاقي واستراتيجي". عقد "منتدى الأمم الحرة لما بعد روسيا"، الذي يضمّ سياسيين منفيين وصحافيين من روسيا، اجتماعاً في البرلمان الأوروبي في بروكسل، في وقتٍ سابق من هذه السنة، وهو يروّج لثلاث مناسبات في مدن أميركية مختلفة هذا الشهر. حتى أنه نشر خارطة لروسيا المفككة والمنقسمة إلى 41 بلداً مختلفاً في حقبة ما بعد بوتين، على افتراض أن يخسر هذا الأخير في أوكرانيا ويخرج من السلطة.

بدأ المحللون الغربيون ينشرون النظرية القائلة أن تفكك روسيا أصبح قريباً وأن الغرب يجب ألا يكتفي بالاستعداد للسيطرة على التداعيات المترتبة عن أي حروب أهلية محتملة، بل يُفترض أن يستفيد أيضاً من هذا التصدّع عبر جذب الأمم اللاحقة والغنية بالموارد إلى محوره. من وجهة نظرهم، أغفل الغرب عن الوقائع بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991 وفشل في الاستفادة بالكامل من الفرصة العظيمة التي حصل عليها. اليوم، يُفترض أن يضع الغرب استراتيجية مناسبة لإخماد التهديد الروسي بشكلٍ نهائي بدل منح بوتين مَخرجاً من الأزمة.

لكن يظن الكثيرون أن روسيا المنقسمة ستطرح تهديداً أكثر خطورة على السلام والأمن في العالم، وهم يحذرون من إضعاف عدو لا يزال يملك حوالى 6 آلاف رأس حربي نووي، وميليشيات مسلّحة، وموارد واسعة تتركّز في منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة على الحدود مع الصين.

في العام 1991، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أعلن 14 كياناً من الأمم الروسية سيادته. كانت الحملة الدموية في الشيشان بعد مرور بضع سنوات مُصمّمة لكبح حركات الاستقلال وتبديدها، بينما سمحت سياسات بوتين شديدة المركزية بوضع الجمهوريات المستقلة المزعومة تحت سيطرة موسكو.

لكن كشفت الحرب في أوكرانيا أن بوتين هو رجل موهوم وضعيف، ولا تتماشى مواصفاته مع الصورة التي رسمها عن نفسه.

صرّح سيــــرغي سوملينــــي، مدير "مركز مبادرة الصمود الأوروبية"، لصحيفة "فورين بوليسي" عبر الهاتف من برلين: "كان الناس في روسيا يعتبرونه زعيماً قادراً على هزم أيٍّ كان، وكانت أوكرانيا تُعتبر ضعيفة لدرجة أن تُهزَم من دون بذل أي جهود كبرى. لكن يدرك الجميع اليوم، بما في ذلك النخبة الحاكمة في الجمهوريات والأقاليم، أن موسكو لا تملك المال ولا جيشاً قوياً. أسوأ ما قد يصيب زعيم أي مافيا هو أن يدرك أتباعه فجأةً أنه ليس قوياً بقدر ما يدّعي".

سادت أجواء ضمنية من الاستياء والبغض في أجزاء من الاتحاد الروسي طوال سنوات. على بُعد خمسة آلاف ميل من موسكو، احتجّ آلاف الناس في إقليم "خاباروفسك"، في أقصى شرق روسيا، على اعتقال حاكمهم بسبب تُهَم مفبركة، واستمرت تحركاتهم طوال أشهر في نهاية العام 2020. هم يقولون إن الكرملين سرق أصواتهم حين أمر باعتقال سيرغي فورغال، وهو الرجل الذي انتخبوه لإدارة منطقتهم، واستبدله بدمية خاضعة لسيطرته.

خلال السنة نفسها، ثار المحتجون في جمهورية "باشكورتوستان" ضد عمليات تعدين الحجر الجيري في تلال يعتبرونها مقدسة. وبين العامين 2018 و2019، أقدم سكان إقليم "أرخانغيلسك"، على بُعد 700 ميل من شمال موسكو، على إقفال الطرقات ونصبوا خِيَماً لمنع الحكومة الروسية من استعمال أرضهم كمَكَبّ لنفايات موسكو.

وفي جمهورية "تتارستان"، بدأت حركة قومية بطيئة تتوسّع بعد فرض اللغة الروسية ومنع السكان من الانتقال من الكتابة السيريلية إلى الأبجدية اللاتينية، فيما راح التتار يناضلون لتوسيع استقلاليتهم الثقافية. كذلك، احتج سكان جمهورية "باشكورتوستان" لحماية لغتهم المحلية واستعملوا شعارات مثل "لا لغة لا أمّة".

وعندما أعلن بوتين التعبئة الجزئية في الفترة الأخيرة وجنّد عدداً كبيراً وغير متكافئ من العناصر في المناطق الأكثر فقراً، تأجّجت الاحتجاجات في أجزاء مختلفة من البلد. كرّست "مؤسسة الحرية لبورياتيا" نفسها لمساعدة جنود الاحتياط على تجنّب التجنيد في جمهورية "بورياتيـــا"، وأعلنت جمهوريتا داغستان والشيشان أنهما قدّمتا أصلاً عدد المجندين المطلوب منهما (تجدر الإشارة إلى أن رئيس الشيشان رمضان قديروف أقسم يمين الولاء لبوتين). في غضون ذلك، خرجت النساء في مدينة "ياكوتسك"، في جمهورية "ساخا"، ورفعن شعار "دعوا أولادنا يعيشون!".

يتكلم الخبراء عن احتجاجات الماضي للتأكيد على تصاعد التوتر في المنطقة منذ وقتٍ طويل. يظن البعض أن الاحتجاجات الراهنة ضد التعبئة العسكرية ستوحّد الناس وتقوي حركات الاستقلال في أنحاء الجمهوريات الروسية. قد يحصل ذلك فعلاً، لكن ترتكز هذه القناعة حتى الآن على الأمل، لا على معلومات استخبارية أو أدلة ملموسة تنذر بنشوء حركات سرية قوية.

لكن تزداد الحجج المضادة مقابل كل فكرة يطرحها مناصرو تفكيك روسيا الوشيك. عملياً، تُرسّخ روسيا عمداً مشكلة النقص في المعلومات، لكنّ هذا النقص لا يكفي لتبرير تلك النظرية.

يذكر الخبراء أيضاً أن المواطنين الروس في الجمهوريات المستقلة قد يخشون بوتين، لكن لن تكون معارضة بوتين بالضرورة مرادفة لمعاداة روسيا. وفي الولايات التي تفضّل الانفصال عن المحور الروسي، لا شيء يضمن أصلاً أن ينشأ كيان ديمقراطي أو صديق للغرب في المرحلة اللاحقة. يخشى الخبراء أن تميل مناطق كثيرة في الشرق الأقصى الروسي إلى التقرّب من الصين. تشتد أيضاً المخاوف من اندلاع حروب أهلية ونزعة الحكام الدكتاتوريين الإقليميين إلى القتال للاستيلاء على الأسلحة النووية الروسية.

استبعد ميخائيل خودوركوفسكي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "يوكوس" للنفط الذي أصبح معتقلاً سياسياً في روسيا لاحقاً، أن تتفكك روسيا بطريقة سلمية وحذر من اندلاع حروب إقليمية، فقال: "أولاً، ترتبط روسيا بآلية موحّدة في مجالَي النقل والاقتصاد. ولا تستطيع معظم المناطق الغنية بالموارد أن تصل إلى البحر. هذا الوضع يمهّد لاندلاع صراع محتمل بين المناطق التي تضمّ عدداً أقل من السكان لكنها تشمل موارد واسعة، وتلك التي تضمّ عدداً سكانياً كبيراً وآليات لنقل الموارد". قد تتقاتل تلك الأقاليم المختلفة على الحدود وتحاول السيطرة على الأسلحة النووية، وسيكون هذا الوضع كابوساً حقيقياً للغرب.

أضــــــــــاف خودوركوفســــكي: "سيظهر دكتاتور آخر في موسكو بدل بوتين للمطالبة بالأراضي المفقودة. هل سيتكيّف الغرب مع 15 أو 20 دولة جديدة تخوض الحرب في ما بينها وتملك الأسلحة النووية والوسائل اللازمة لاستعمالها؟ وهل سيتقبّل الغرب الدكتاتور الذي يعيد توحيد صفوف البلد بطلبٍ من الجيـش والشعب الروسي الفقير؟".



ميخائيل خودوركوفسكي


يتّهم الكرملين الغرب بإثارة المشاكل داخل روسيا في مناسبات كثيرة، لكنّ التكلم عن تفكيك روسيا في العواصم الغربية قد يؤجّج الحماسة القومية ويجعل الروس يتوحدون وراء بوتين. حتى أن مناصري بوتين اليمينيين المتطرفين في أنحاء أوروبا قد يستغلون هذا الوضع لتعزيز المشاعر المعادية للولايات المتحدة. الأسوأ من ذلك هو احتمال تكثيف حملات التضليل وإقدام داعمي نظريات المؤامرة على اقتباس محتواها لنشرها على شبكة الإنترنت وطرح خطاب موازٍ.

تقول جوانا ديوس بيريرا، باحثة مرموقة في "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" في أوروبا: "يبقى تفكك روسيا مستبعداً جداً. لكن سيكون هذا النوع من التلميحات في الغرب كافياً لزيادة شعبية بوتين. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، سمع الروس أنهم سيصبحون أقرب إلى أوروبا. لكن لم يتحقق هذا الوعد وانجرح كبرياء الروس. في هذا السياق، يكفي أن نراجع خطاب بوتين الأول حيث قال إنه سيُخرِج روسيا من حالة الخنوع والإهانة. استناداً إلى التطورات التي نشاهدها ونتابعها، يحظى بوتين بدعمٍ هائل وستكون أي مواقف أو جهود لتقسيم روسيا مفيدة له. كذلك، لا تريد الجمهوريات والأقاليم غير السلافية أن تتفكك روسيا، بل إنها ترغب بكل بساطة في الاعتراف بمناطقها وعَلَمها والاستفادة من استقلالية ثقافية متزايدة داخل الاتحاد الروسي".

لكنّ الفريق المقتنع بأن انهيار روسيا أصبح وشيكاً والمعسكر الذي يحذر من هذه الخطوة يتفقان على مسألة واحدة: لم يكن الاتحاد الروسي اتحاداً بمعنى الكلمة يوماً. من وجهة نظر خودوركوفسكي، يكمن الحل الحقيقي في تطبيق اللامركزية. حين يعتبر الغرب الوقت مناسباً لرفع العقوبات، يجب أن يتفاوض مع الحكومة التي تحظى بالشرعية في مختلف الأقاليم. برأي خودوركوفسكي، ستُرجّح هذه الخطوة الكفة لصالح الفيدرالية.


MISS 3