أحمد الأيوبي

لماذا صمتُ المعارضة على انحياز فرنسا إلى "الحزب"؟

1 أيار 2023

02 : 00

عندما أوشكت منظومة «حزب الله» على السقوط بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت وسط الانهيار المالي والاقتصادي، نفّذ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عملية إنزال سياسي في العاصمة واستغلّ غضب اللبنانيين على المنظومة الحاكمة لتنفيس الاحتقان من خلال حضوره الشخصيّ بين الناس وتحويله الانتباه نحو ما أطلقه من «حوار» جمع فيه القوى السياسية جميعاً مع «حزب الله» وإطلاق مسرحية الشروط الفرنسية لتشكيل «حكومة مهمّة» انتهت بإعادة التوازن للتحالف الحاكم وتحييد الضغط عن «الحزب» ونقل المواجهة إلى مكان آخر.

أنقذ ماكرون «حزب الله» ومنظومته من التفكّك السياسي وأمدَّ بعمرها في الحكم حتى نهاية عهد الرئيس ميشال عون، وفي هذه الأثناء وقبلها وبعدها، لعبت الإدارة الفرنسية دور الحامي الأكبر لمصالح إيران في لبنان والمنطقة على الدوام وفي كلّ المراحل والمحطات. وكان هذا واضحاً في الدور الذي لعبه بشكل خاص سفير باريس السابق في بيروت برونو فوشيه الذي سبق أن خدم أربع سنوات مستشاراً ثانياً للسفارة الفرنسية في طهران وهو منصب يتبع الأمن الفرنسي الخارجي وهو المجال الذي يُتقِن الإيرانيون حياكة الشباك فيه لتوظيف من تبدو عليهم علامات الميل للالتحاق بمنظومة المصالح الإيرانية وأصبح في عِداد النُّخبة الفرنسية المؤيّدة للتموضع في الجبهة الإيرانية.

شهدت مرحلة فوشيه تعزيزاً علنياً للعلاقة مع «حزب الله» وحملت الكثير من بوادر التعاون والتسويق للحزب أوروبياً ودولياً، وكان كلّ ذلك يجري على أعين الجميع بمن فيهم قوى المعارضة السيادية. والغريب في كلّ هذا، الصمتُ الذي لاذت به تلك القوى إزاء الانحياز الفرنسي الفاقع من دون أن تتضرّر صورة إدارة ماكرون ولو بجملة اعتراض عابرة.

من غير المفهوم لماذا مرّ كلّ هذا الوقت قبل أن يطلق الدكتور سمير جعجع الموقف الأول ضدّ إدارة ماكرون التي تمكر بالشريحة الأكبر من اللبنانيين وتعمل بضراوة غير مسبوقة لفرض مرشح «الحزب» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية رغم كلّ ما تراه من اعتراض مسيحي ووطني على هذا الفرض والإكراه.

هناك استنتاج غالب لدى شريحة كبرى من اللبنانيين خلاصته أنّ قوى المعارضة تعاملت بهدوء غير مناسب مع السياسة الفرنسية. وهذا ربما عائد إلى انتظارات كانت في غير مكانها لعودة باريس إلى قيم ثورتها في نصرة الشعوب وحماية حقوق الإنسان، بينما تحوّلت إدارة ماكرون إلى سمسار يحمل الفيتو في مجلس الأمن ويدير الصفقات لصالح النظام الإيراني مع الأميركيين والعرب.

أمعنت فرنسا في العبث بالتوازنات اللبنانية وحملت مشروع المثالثة مع ما يمثِّله من خطر على الوجود المسيحي، وسبق للدكتور فارس سعيد أن نقل عن ماكرون دعوته للمسيحيين إلى ترك بلدهم والاندماج في المجتمع الفرنسي خلال مرافقته للبطريرك الراعي في زيارة إلى فرنسا.

لم يعد هناك شكّ في أنّ فرنسا «الأم الحنون للموارنة» والحامية للكيان اللبناني تحوّلت إلى «الأم الحنون لشيعة إيران» في لبنان والمنطقة، وقد ساهم السكوت عن هذا الانحراف في السياسة الفرنسية لعقود من الزمن في التطبيع مع هذا الواقع، فكانت علاقات القوى السيادية مع الإدارة الفرنسية طبيعية، يسودها عدم الربط بين الانحياز إلى الحزب وبين السياسة التقليدية لباريس، وهذا أعطى فرصة كبيرة وثمينة لحصول تحول كامل في السلوك الفرنسي بدون أيّ اعتراض أو أضرار.

أمام هذا الواقع ينبغي التوسّع في هذا الاعتراض إلى ما هو أبعد من ذلك. فالتنسيق الفرنسي مع السعودية تحوّل معركة لكسر معايير الرياض الضرورية للإصلاح وقيام الدولة، بينما ينحو الاتجاه الفرنسي نحو الانخراط في الفوضى وتسليم لبنان لقوى الأمر الواقع.

الرؤية الاستراتيجية للسياسة الفرنسية أخطر من مجرّد الإتيان بفرنجية رئيساً ومن هنا ينبغي على المعارضة إعلاء الصوت ضدّها والتصدّي لها وإشعارها بأنّ زمن الصمت على ممارساتها الخاطئة قد انتهى ولا يمكن أن تكون مصالحها محفوظة وصورتها نقية مع استمرارها في الانخراط بدعم مشروع «حزب الله» في لبنان.